أحمد الجوماري - حب.. كلمات.. موت - شعر

ـ هذا المساءْ
رأيتُني أبصق من فمي خميرةَ المراره
أسعُلُ فجأةً على الأسفلت، شيئاً راكداً يضيءْ !
كأنه بقعةُ دمٍ، خاثرٍ، أعقبَ سعلتي العجوزْ،
هذا المساء
رأيتُني أخنقُ نفسيَ، في زنزانةٍ منفرده
أقضم لحميَ كالجرذان، قطعةً فقطعه،
يسيلُ من فمي دمٌ، ألعقُهُ في نشوةٍ لعينه،
وفجأةً أركض، كالمجنون، في شوارع الوهمِ
وفي أزقّة النباهه
أركض صارخاً: أواه داسني قطارُ التاسعه !
ـ آهِ هنا تموتُ فورةُ الألمْ
ـ آهِ هنا يصدأ صوتُ الذاكره !
ـ آهِ هنا يسيل الدمُ في أزقّة العروقِ الميته !
ـ آهِ هنا يسقط «دونكيشوتُ» واقفاً !
أحاولُ النجاةَ ما استطعتْ
بين الكلامِ، والرموز، والإشارة الممنوعه
بين المناضدِ العرجاء، والكراسي الفارغه
أحاول النجاةَ، قفزةً إلى الأمام: «هوبْ»
أسقط في دم المحابرْ
أسقطُ في حرارة الكؤوسِ المترعه
أسقطُ في مكعّبات النردِ، في خطوط اليدْ
أسقط في كتاب «قرعةِ النساء والأنبياءْ» .
ـ يا هذا الميّتُ، قبلَ الموتِ، أيا مجنونُ، أجبني، قل من أنتْ ؟
قل ماذا تخفي في هذي الكلمات السوداءِ الملعونه،
أأصابكَ سهمٌ قاتلْ ؟
أشربتَ الخمرةَ حتى جُنِنتْ ؟
أنأَتْ عنكَ امرأةٌ «أجمل منها لا،،»
مَنعتْ عنكَ الشفتين، الجسمَ المكتنِزَ الملفوفْ،
أم خانكَ أصحابُكَ، والخلانُ جَفَوْكْ ؟
قل يا هذا.. ماذا ضيّعتْ ؟
وسطَ زحام الشارعِ، ماذا ضيّعتْ ؟
مالاً، وجهاً، إرثاً، شرفاً يُغسَل بالدمْ .
- نعم ! أنا ضيعتُ وجهيَ القديمْ
ضيّعتُه، ثم انكفأتُ باكياً عليهِ
نادباً فقدانَهُ الوجيعْ
من أجله عبرتُ كلَّ دربٍ، خُضْتُ لجَّةَ البحارْ
من أجله، شُرِّدتُ، جعتُ، واستخرتْ،،
آهِ كم بكيتْ !
من أجله بحثتُ عنه في شوارع المدينةِ المزدحمه
بحثتُ عنه في الطوابع البريديه !
بحثتُ عنه في الجرائد الملقاةِ في المزابلْ !
بحثتُ عنه في مخافر «البوليسِ» السريه
بحثتُ عنه في وجوه أطفالِ القرى البعيده
بحثتُ عنه في العيون الجائعه
بحثتُ عنه في قبور الشهداءْ
بحثتُ،، آهِ كم بكيتْ !
عن وجهٍ رائعٍ على جبينه علامةُ النبوّه !
عن وجهٍ مشرق، وطيِّبٍ، وديعْ
لكنه يُخفي في عينيه الضاحكتين
حزناً نبيلاً، ساحراً، كالأرض غبَّ يومٍ ممطرٍ جميلْ
أهربُ يا وطني، منكَ، إليكْ
أُعْدَمُ غدراً في زنازنكْ
أُشنق في صحرائكَ العطشى
وفي سهولكَ الخضراء المثقله
لكنني، يا وطني
وحقِّ شمسِكَ الوهاجه
لن أشتكي من محنتي
ولن أَظلَّ إلا مخلصاً لفجركَ الأكيدْ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى