محمد داني - رحلتي العاشرة أمام الخليفة

بدأت رحلتي العاشرة كحلم بلا بداية أو نهاية... لم اخطط لهذه الرحلة... وجدتني اعد العدة كالعادة.. قررت أن تكون آخر رحلة.
لا بد أنكم تتساءلون من أكون... كل كتب السيرة والحكايات تعرفني.. بحار الأرض و محيطاتها تخافني... عجائب وغرائب عشتها، عندما أحكيها للسائلين والفضوليين لا يصدقون، يفتحون أفواههم اندهاشا، ويقولون: << يا سبحان الله.... مستحيل... هذا سحر مبين... هذه أساطير الأولين>>.
طالت رحلتي العاشرة كثيرا... قررت العودة.. لقد اشتقت إلى المضيرة، ولغط الناس بالمدينة، وحلقات الهمذاني، وسمك أبي الطيب... ومن عادتي أنني في كل رحلة أو عودة، أسأل أم أوفى عن طالعي، أم أوفى عرافة بالسفينة أحضرتها ذات يوم من شواطئ كان الجميلة... أتبرك بها ، وأصدق أقداحها وأتفاءل برؤاها..
بصرت أم أوفى، ونجمت، ونظرت داخل أقداحها، ثم قالت:<<شأنك عظيم... ولكن عودتك حزينة.. ورحلتك أخيرة... جيرانك سرقوا دارك... ونهبوا مالك... وذهبوا إلى الخليفة بوشثاني العظيم، بواشنطنستانة يشكونك إليه... قد أصبحت في موانئ الدنيا قرصانا، لا يحترم قانون البحر، ولا اتفاقيات جونيف، ولا يخاف إنسانا..>>.
دخلت قمرتي، بعدما أعطيت أوامري لقائد السفينة بالتوقف بالإسكندرية، فهي في طريق عودتنا، للتبضع وتقصي بعض الأخبار التجارية... كانت كلمات العرافة أم أوفى تطن في رأسي، ويتقاذف حممها في رأسي كالبركان.. فيفر النوم من عيني رغما عني.
ما عن وصلنا الإسكندرية، حتى وجدت حشدا من العسس، وقائدهم في الانتظار.. لم يمهلوني دقيقة وإذا بي في سلاسل ثقيلة أمام الخليفة... لقد حضر خصيصا من واشنطنستانة ليحقق معي في شأن الشكاية.
لأول مرة أرى الخليفة... يا سبحان الله.. !!!.. فعلا خليفة...أشقر وسيم، ذو ملامح قردية... نط أمامي نطتين، ثم صاح بكل قوة:<< يا أيتها النار العظيمة... ويا أيها الهيكل المقدس...باسم الرب المبجل.. وباسمي الكبير.. أنا الخليفة بوشثاني العظيم، سيد العالمين>>.
ثم يلتفت نحوي، ويحدق في بعينين كالنار، ويصيح في وجهي:
- من أنت؟ زمن أين جئت؟ تكلم؟ أفسدت بحارنا.. وأقلقت جيراننا.. وجئت اليوم تتجسس علينا.
- لا.. أبدا.. لم أ....
- اخرس...إنني أرى في عينيك غدرا كبيرا... تريد أن تسرق ديدمونا كما سرق باريس هيلينا...بعدما قتلت الخراساني على مرأى منا..
- قتلت؟؟..أنا لم أق.....
- قلت لك اخرس... لا تتكلم...لم آمر لك بذلك..أعرف..آه... أنت من أرض الجاحظ.. الجاحظ يقلقني كثيرا... لقد سرب مناشير سرية عن العصا ...آه لو أمسكناه !!!!..والله إنني أعرفكم جيدا.. لا تخفى خافية عني.. إنني أرى فيكم رؤوسا قد أينعت، وحان قطافها، وإنني والله لصاحبها... خذوه.. وابحثوا في ثنايا جلدة عن أسرار لا تعرفونها.. رحلاته المتكررة وراءها سر خطير.. أريد تقريرا عنها بعد ساعة.
ما عن جرني العسس من سلاسلي، حتى أفقت مذعورا على صوت أختي فاطمة، وهي تصفعني بكلامها ودمع غزير ينهمر من عينيها:<< أحمد.. أحمد... استيقظ.. لقد قصفت بغداد الليلة>>..//..

د. محمد داني

محمد داني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى