محمد السقفاتي - حيوات ممزقة.. قصة قصيرة

- إصغ

- اممٓمْ... ماذا؟

همهم الرجل وهو يرفع رأسه قليلا قبل أن يسقطه بكل ثقله على المخدة

- المعذرة.. لم اكن اعلم بانك نائم.. قلت لك أتسمع هذه الأصوات الغريبة؟ ردت الزوجة برقة ودلال أنثوي

- ومن لا يسمعها؟ حاولي أن تنامي فغدا لدي عمل، قال وأدار لها ظهره، محاولا مغالبة النوم

- استيقظ.. سمعها تقول وأحس بيدها تتحسس جسده وتمسك بذراعه محاولة بيأس لفت وجهه إليها

لم يستطع الرجل مواصلة النوم، فقد كانت الرغبة المضطرمة في اعماق زوجته واحتكاك جسدها مع الشراشف، وحرارة أنفاسها شبه الكتيمة الذي انضاف الى تلك الأهات المحملة بالرغبة التي تخترق سقف وحيطان البيت تسبب له آلاما في مكان ما من جسده

في الليلة الموالية، احتضنها وهو يغمرها بالقبل والعناق بينما يده المحشورة في سروالها الداخلي تبحث لنفسها عن شيء. بادلته في البداية بنظرة خاطفة، ورفعت عينيها الى السقف مستطلعة، ثم قالت مترجية

- انتظر قليلا.. الأولاد مازالوا مستيقظين، ولا رغبة لي اللحظة، والوقت لايزال مبكرا

كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، والمراة ما زالت تترقب الاصوات الاتية من فوق

لم يظهر الزوج غضبه، تحكم في نفسه، توجه إلى الحمام محبطا. نظف أسنانه وترك جسده تحت رحمة الماء المندفع بحرارة، فيما بدأت الأصوات الشبقة في اختراق حاجز الصمت المريب واخذت تعلو وتصل إلى مسامعه. عندما أنهى الإستحمام واغلق الصنبور بدت واضحة وأقرب، وكأنها تنبعث من غرفة نومه

أججت هذه التأوهات نيران الرغبة في أعماقه وعاد إلى السرير وهو يحس بنوع من الإثارة تقتحم جسده. كان الشمع مشتعلا والعطر يغزو فضاء الغرفة، والزوجة مستلقية في ملابس خفيفة بينما أصابعها تعبث بغنج بخصلات شعرها شاقة طريقها عبر جيدها الطويل نزولا حتى حدود سروالها الداخلي

من دون ترتيبات ارتمى عليها لاثما جسدها، في البداية اكتفت بإغماض عينيها وحبس أنفاسها، وفي صمت كانت تدقق الإصغاء لتلك الأصوات المحمومة التي تعلو وتشتد.. تتقطع وترتخي.. تتموج.. ثم ما لبثت ان أخذت تصهل وتحم كمهرة جامحة، تتأوه.. تتلذذ.. وتشهق صارخة صائحة ثملة بفعل وشوشات قبلاته، وحنان يديه اللتين ترممان شقوق العطش في ذاتها، قبل أن تنفجر براكين شهوتها، وتغمر السعادة وجهها الذي أضفت عليه الشموع المختلفة الألوان هالة من السحر والجمال. وباتا حتى وقت متأخر من الليل في دعابة ومرح. مستحضرين بعض المواقف المحرجة التي تسببت فيها هذه الأصوات خاصة لصديقتها حسناء التي احمر وجهها من شدة الحياء، وأمها التي انصرفت قبل إنهاء أكلها، وابتهالهم إلى الله أن لا تتسبب تلك الصيحات في إرباك زوارهم

- ألا تجد في هذا أية غرابة؟ سألته في الليلة التالية

لم يرد الزوج وهو يحاول النوم، لكن الزوجة استرسلت بعد صمت قصير

- هذه الأصوات لا أعيرها اهتماما، لكنها تجعلني أفكر وأتساءل عن سببها، وما الذي يجعل كل النسوة اللاتي يستضيفهن الرجل ليلا يصرخن بهذه الطريقة. لماذا يحدثن كل هذا الصخب؟ لقد صادفته البارحة في الدرج. إنه مخالف تماما للصورة التي كونتها عنه من قبل. يبدو رياضيا لكنه نحيل الجسم وقامته أقصر من قامتك بكثير. إنه خجول جدا أيضا

وبعد لحظات صمت تابعت:

- محض خرافات عن ما يردده الناس عن الرجال القصار وقوتهم الخارقة... يداه صغيرتان بأصابع رقيقة، وانفه لا يشبه أنوف الملونين بتاتا

كان أمر الجار واهتمام الزوجة المتزايد به يتسبب في وساوس بالنسبة للزوج. حاول ان يستسلم للنوم لكن الاحساس بالقلق والخوف الذي يسيطر عليه اخذ يتنمل تحت جلده. ومن خلال لحظات الصمت الطويلة سمعها تردد بصوت خافت وكأنها تناجي نفسها: " إنه وحش.. في النهار يظهر مثيرا للشفقة لكن في الليل هو وحش.. وحش"

اختنق من تصرفها مما جعله يفض عنه فكرة النوم ويستقيم في جلسته

- عندما التقيت به البارحة في الدرج. ماذا جرى بينكما؟

- لاشيء

- هذا غير ممكن. لا يمكن أن لا يحدث أي شيء. هل ألقى عليك التحية؟ ماذا قال لك أو قلته له؟

- لا شيء، كنت نازلة بكيس القمامة فيما هو كان يصعد. عندما رآني، غض بصره ووقف عند الممر احتراما وانتظر حتى مررت. شكرته و اكتفى فقط بالابتسام وواصل الصعود دون كلمة . لكن لم كل هذه الأسئلة، أتحس بالغيرة؟

مباشرة بعد عودته من العمل، استوقفته زوجته وهي تفتح الباب قائلة ودون أن تبادله التحية:

- يا لفضائح المغربيات..! اسمع جيدا.. أتسمع؟ إنها مغربية هذه التي تصيح

أنصت الى الصيحات العالية واندهش من وقوع هذا في واضحة النهار

- يبدو أن زائرته المغربية لا تتمكن من زيارته في الليل.. او لم تستطع الصبر حتى سقوط الظلام.. علقت الزوجة ساخرة

كان الزوج يفور من الداخل كبركان، رغم اصطناعه اللامبالاة. نزع حذاءه ومعطفه وتهاوى بجسده المنهك على الأريكة

- خفض من صوت التلفاز واسمع جيدا. إنها ليست بمفردها. هنالك صوت آخر.. إثنتان معا.. يا للهول

أنقص الرجل من صوت الجهاز وأرهف السمع ليتأكد. إنها ليست الغيرة ما يحس به، إنه الخوف والقلق الشديد، لذلك زفر بشدة. وبجدية صارمة أكد:

- ستنتهي هذه المهزلة قريبا. قريبا ستنتهي، وقرر أن لا يبادل زوجته الكلام حتى تصرح له بنفسها عن سر اهتمامها المبالغ فيه

عند باب العمارة استوقفه جاره ليخبره بأن السيدة العجوز التي تقطن في الشقة المقابلة له، أقدمت على تعبئة عريضة احتجاج واستنكار للمسؤولين. مررتها على كل ساكنة العمارة واحدا واحدا، وأخبره أيضا بأن أكثريتهم وقعوا بينما بقية قليلة اعترضوا ومن بينهم زوجته

أحس الزوج بحرج وبرر قرار زوجته على أنها لا تتخذ أي إجراء دون إذنه، لكن الجار أكد بأن المسنة أخبرته أنها صرحت لها بأنها لا تريد التسبب في مشاكل بالتدخل في الحياة الخاصة للآخرين

ولكي يخرج من هذا المأزق سأل عن العريضة وأمضاها، وانتظر المساء كاملا كي تخبره زوجته بالأمر لكنها لم تفعل، ولما فاتحها في الموضوع لم تتح له فرصة الاسترسال في الكلام وصرخت في وجهه مستنكرة

- ياه!.. من يسمع هذا الكلام ، سيعتقد أنني أدافع عن الرجل وسيصدق أيضا بأنني واحدة من عشيقاته

خلع ملابسه وارتدى منامته واستلقى على الأريكة مستسلما لهواجسه، وقد جافاه النوم طول الليلة بالرغم من إرهاقه الشديد


***


كنت جالسا خلف مكتبي أنهي بعض الأشغال لحين اقتراب موعد الانصراف بعد يوم شاق وطويل، حينما توصلت ببرقية عاجلة من المدير يطلب مني فيها الحضور اليه على وجه السرعة. دخلت الى مكتبه، لم يكن بمفرده. كان خمسة زملاء يجلسون حول المنضدة المخصصة للإجتماعات

ما إن أخذت مكاني بينهم حتى شرع المدير في القاء كلمته معلنا تنصيبي رئيسا لزملائي والمسؤول الأول في قضية مستعجلة تتعلق بعمارة " ه. هوربار " التي تعرف خلافا بين الساكنة، وطلب منا أن نلغي كل المواعيد والبرامج الشخصية لهذا المساء والاستمرار في العمل حتى ايجاد حل للقضية مؤكدا بأن عدم التدخل بسرعة سيتسبب في أمور لا تحمد عقباها

رغم إحساسي الشديد بالإعياء فإني وجدت في هذا الأمر فرصة ذهبية يجب علي أستثمارها لتحقيق أمنيتي في تغيير وضعي الإداري داخل المؤسسة، لذلك قبلت العرض دون أدنى تفكير

دس المدير أمام عينيي ملفا سميكا. يحوي رسائل من سيدة عجوز، وعريضة احتجاج، وتقريرا عن الاتصالات التي أجرتها مع مؤسستنا ومع جهاز الشرطة، إضافة الى جميع المراسلات بين الجهتين، ويوميات مفصلة لزملائي وثقوا فيها جميع حيثيات هذه القضية، وتقريرا مفصلا حول السيدة نفسها

قبل أن أتعمق في الملف، رن هاتف المدير وسمعته يتوسل لمخاطبه بالصبر قليلا، وبأن ينتظر عشر دقائق حتى نعيد نحن الإتصال به، وقبل أن يغلق الخط سمعته يذكر اسمي، ويخبرني بأن قائد الشرطة هو من اتصل به، ويتواجد مع أفراد من فرقته عند عمارة "ه. هوربار"، عرض أمامنا المخطط وذكر الخطوات التي يجب علينا إتباعها بالترتيب خطوة خطوة، ثم أمرنا بالالتحاق بهم بعين المكان مؤكدا على عدم تضييع الوقت

أخذت الملف وخرجت مسرعا الى خارج البناية متبوعا بزملائي. في السيارة طلبت منهم إحاطتي بكل ما يتوفرون من معلومات عن الحدث

كان المشاكل قد ابتدأت في العمارة قبل أسابيع قليلة بعدما حط المدعي (فان خودهايد) رحاله بها مستأجرا للشقة رقم ستة، وكانت أولى ارهاصات هذه المشاكل تلك الرسائل الكثيرة التي تلقتها مؤسستنا كشكايات محررة من طرف السيدة ( فان دَر فالك)، وهي سيدة مسنة تشتكي فيها من الإزعاج الذي يصدر عن صيحات جنسية خلال الليل

في الرسائل الأولى تم فيها نصح المشتكية بالتبليغ عن الإزعاج عند مصلحة الشرطة كما ينص عليه القانون بدل مؤسستنا المالكة والمسؤولة عن البناية. الرسائل الأخرى تمت فيها الإجابات على نفس النحو تقريبا وإن كان التبرير فيها مخالفا، وقد قاموا عند توصل المؤسسة بالعريضة بخطوات عملية تمت فيها زيارة الناطقين باسم الساكنة، تلاها موعد شخصي مع السيد (فان خودهايد) نفسه الذي تلقى إنذارا أوليا كانت فعاليته ايجابية حيث عاد الهدوء الى العمارة، بعد ان كف عن استقبال ضيوفه وبدأ يستثمر علاقات حسن الجوار مع سكان العمارة

رغم الرد على الشكايات في الوقت المحدد لها وحسب المسطرة الرسمية، فإن زملائي تقاعسوا الى حد ما في احتواء الوضع. وساعد في هذا التقاعس السيرة الشخصية للمشتكية وحالتها المرضية التي أثبتتها بشكاويها الكثيرة. ورسالة الشكر والثناء التي بعثتها العجوز الى مؤسستنا

"سيدي المحترم

شكرا جزيلا على كل ما قمتم به في قضيتنا. وقد عادت الأمور إلى مجاريها الطبيعية، واستطيع الآن ان أستمتع بالهدوء الذي احتاجه أشد حاجة في أيام عمري الأخيرة، وعلي أن اعترف لكم أننا بتقديم عريضة احتجاجنا، إنما قمنا بالواجب فقط، وأن جارنا على الرغم مما سببه لنا من إزعاج فإنه رجل متخلق وطيب ويلقي التحية على جيرانه. وأهدى إلي أثناء زيارة خاطفة كعكة لذيذة مع كلمة اعتذار مشفوعة بعبارات شديدة الرقة"

كان هذا ما قرأته في إحدى رسائل المسنة الحديثة الكتابة. لكن هذا الهدوء لم يدم طويلا، فأول صرخة سمعت في العمارة كانت حينما تعرف قاطن وهو يعود من عمله مبكرا على غير عادته، على صوت زوجته مما تسبب في مشادات كلامية وتعنيف جسدي أدى إلى تشريد الصغار وانفصال الزوجين

في أحد الأيام التالية تعرف الزوج من خلال الأصوات على صرخات حسناء صديقة زوجته فصب جام غضبه عليها متهما اياها بخيانته مع الجار وتحريض صديقتها التي تزورها على القيام بنفس الشيء، مما حدا بالساكنة بعد هذه الحادثة الى محاولة اخذ ثأرهم بأيديهم من السيد (فان خودهايد)، الذي تسبب في التمزق الاسري للعديد من العائلات. ولولا حماية الشرطة له بالوقت المناسب ، لتشكلت دراما حقيقية ما كان له أن يخرج منها سالما

عندما وصلنا لعين المكان كان قائد الشرطة بانتظارنا. بادلنا التحية بتاثر باد ثم وجهنا الى أحد المكاتب في العمارة لأجل إحاطة إعلامية وتوزيع الأدوار بيننا

كانت الغرفة مكتظة عن أخرها بحضور الشرطة والممثلين عن ساكنة العمارة، والمصالح البلدية المسؤولة عن المعونات الاجتماعية، ومكتب رعاية الإزعاج، ومكتب محاربة العنف المنزلي، ومصلحة محاربة الغش والاحتيال وغيرهم، طال الاجتماع، وكنت أفكر في عملاق البناء المسؤول الأساسي عن هذا النوع من البنايات العشوائية الهشة والمغشوشة والذي سميت العمارة باسمه حين بدأ التركيز عندي ينهار تدريجيا لأجد نفسي في النهاية وعلى أساس مقترح إجماعي أمام تحد آخر وفي منصب جديد كمسؤول أول ومنسق عام بين الهيئات والمؤسسات الحاضرة. لمهمة جبر الضرر عن التمزق الأسري، الناتج عن الإثارة التي يسببها ترديد الجدران لصدى الأصوات


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى