أحمد البهنسي - تاريخ أدب بني إسرائيل وبدايات الأدب اليهودي

يُقسّم المتخصصون الأدب اليهودي أو أدب بني إسرائيل إلى ثلاث مراحل كبرى؛ الأولى: المرحلة القديمة أو مرحلة أدب العهد القديم، وهي مرحلة «دينية» بحتة لا يوجد فيها أي أدب «دنيوي»؛ إذ ظهرت فيها الكتابات الدينية اليهودية المقدسة وحسب، سواء داخل العهد القديم أو خارجه. أما المرحلة الثانية: فهي المرحلة الوسيطة، وقد تنوعت ما بين الأدب «الديني» والأدب «الدنيوي» اليهودي، وشهدت أزهى إنتاج أدبي يهودي في كنف الحضارة الإسلامية بالأندلس، لدرجة أن الكتابات اليهودية تطلق عليها مرحلة «العصر الذهبي للأدب والفكر اليهودي». في حين أن المرحلة الثالثة والأخيرة هي المرحلة الحديثة والمعاصرة، وكان الأدب اليهودي فيها «دنيويًّا» في معظمه وتخلله القليل من الأدب «الديني».

يركز كتاب «تاريخ أدب بني إسرائيل وبدايات الأدب اليهودي» تأليف جيورج فورر وترجمة أحمد هويدي وصدر عن وزارة الثقافة المصرية (2018م) على المرحلة الأولى من مراحل الأدب اليهودي، لذلك فإنه يؤرخ ويعرض بالتفصيل للأجناس والأنواع الأدبية في العهد القديم وهو الكتاب اليهودي المقدس الرئيس، كما يتعرض لمراحل تكون هذه الأنواع والأجناس الأدبية، والبيئات التاريخية والثقافية والأدبية المختلفة التي نشأت فيها سواء داخل العهد القديم أو خارجه. فهو يعد وصفًا دقيقًا ونقديًّا لتاريخ أدب بني إسرائيل (اليهودي) المبكر.

تكمن الأهمية الرئيسة للكتاب، في كونه محاولة لتقديم صورة دقيقة ومن منظور قريب عن العهد القديم (كتاب اليهود المقدس)، بشكل يُقرِّب القارئ من عالم هذا الكتاب الذي استمر تدوينه لأكثر من 30 قرنًا من الزمان، وكذلك توضيح صورة ذلك الأدب الديني اليهودي الذي صاحبه، واستمر تدوينه لمدة تقارب من 3 قرون، وهو ما سُمِّي بالأسفار المنحولة أو أدب الأبوكريفا.

وقبل الولوج لعرض الكتاب، تجدر الإشارة إلى أن مادة العهد القديم تنوعت بين مادة أساسية مصدرها الوحي الإلهي ومادة أخرى (إنسانية) هدفت إلى شرح مادة الوحي أو تفسيرها، ونظرًا لطول مدة تدوين العهد القديم وعدم تثبيتها، فقد أدى ذلك لدخول هذه المادة الإنسانية إلى المادة الأصلية واختلاطها بها، وهو ما أدى إلى تعدد مصادر العهد القديم وتنوع المواد والأجناس الأدبية به، فأصبحت معه مادة العهد القديم في العصر الحديث محط اهتمام المؤرخين والأدباء والنقاد، بشكل أدى إلى تطور اتجاهات ومدارس نقدية مختلفة للعهد القديم، منها العلمي والديني والتاريخي والأدبي، وهو ما نتج عنه في النهاية ما يعرف بـ«نظرية المصادر الإنسانية للعهد القديم»، التي طوَّرها المستشرق الألماني الشهير يوليوس فلهاوزن مؤسس علم نقد الكتاب المقدس. في ضوء ما سبق، فإن هذا الكتاب الذي نعرض له يتعرض بالتفصيل لـ«الطبيعة المتنوعة للعهد القديم»، الذي اشتمل مادة أدبية واسعة غطت مجالات عدة ما بين دينية وتاريخية وأدبية. وهو ما نحاول إجماله هنا، وذلك على النحو الآتي:
أولًا- الإشكاليات والخلفيات

هناك إشكاليات أو قضايا تعترض المؤرخ أو الباحث في مجال الأدب اليهودي، وعلى رأسها الإشكالية «الأدبية»، وهي القضايا التي بُحثت بعمق فيما يُسمَّى بـ«علم مدخل العهد القديم»، وهو العلم الذي يبحث نشأة أسفار العهد القديم، وتوارثها في إطار أدب الشرق الأدنى القديم، بداية من الموروث الشفهي لهذه الأسفار حتى إقرارها نهائيًّا لتصبح «قانونية» في كتب أو أسفار داخل العهد القديم، ثم التحديد النهائي لشكل النص المكتوبة به. في هذا الصدد، تظهر إشكالية عدم وجود نص أصلي للعهد القديم؛ إذ إن المستخدَم هو نص جرى تعديله وتثبيته ووضعه بالتدريج منذ عام 1000 قبل الميلاد، وتكون هذا النص من عملية طويلة بوصفه نصًّا وحيدًا وملزمًا. إضافة إلى أن النص تألف في البداية من حروف صامتة وبمرور الزمن أضيفت له بعض الإضافات التي تدل على الحركات، وبداية من القرن الخامس قبل الميلاد عندما لم تعد العبرية لغة تخاطب، صار تقليد نطق نص العهد القديم من الكتاب المقدس ضعيفًا، وبعد قرون عدة سُجِّلت حركات بوساطة رموز خاصة فوق الحروف الصامتة وأسفلها.

الإشكالية الثانية هي الإشكالية «العلمية»؛ إذ يرى المتخصصون أن التأريخ للأدب الإسرائيلي أمر محال؛ لأسباب علمية عدة أولها أن نص العهد القديم ظل حتى القرن 6 ق م شفويًّا، ولم يُصَغْ في صورة مكتوبة بشكل محكم إلا بعد مدة طويلة؛ وهو ما جعل عملية البحث والتأريخ الأدبي له كموروث شفهي أمرًا بالغ الصعوبة. في ضوء ما سبق، فإن الأدب داخل العهد القديم لا يمثل أدب بني إسرائيل بل «بقايا الموروث الشفهي لهذا الأدب»، الذي حاول العلماء تجميعه في وحدات أدبية متنوعة ومتماسكة، رغم أن هذا الأدب ينتمي (زمنيًّا) لحقبة تمتد لألف عام، وينتمي (مكانيًّا) إلى مناطق عدة ولهجات مختلفة. وقامت مجموعة من البشر ذات لهجة آرامية بمعالجة هذا الأدب. أما خلفيات أدب بني إسرائيل، فلا شك أن أبرزها وأولها هي خلفية أدب الشرق الأدنى القديم، الذي تتشابه معه بشكل جوهري أشكال التعبير والأنماط الأدبية المستخدمة في العهد القديم؛ إذ توافرت بهذا الأدب الموضوعات والموروثات الأدبية للشرق الأدنى القديم، لكن تحت تأثير مضامين ديانة بني إسرائيل.

من أبرز الأمثلة على تأثير أدب الشرق الأدنى القديم في أدب بني إسرائيل، تلك الأشكال «السردية» الموجودة داخل العهد القديم، التي جاءت على شكل الملحمة والأسطورة، وتنحدر من الأدب «السومري» تحديدًا، الذي كان سائدًا حتى الألف الثالثة قبل الميلاد في منطقة بلاد الرافدين، وكذلك الأدب المصري القديم الذي تضمن كثيرًا من الأساطير المُضمَّنة في الطقوس والترانيم وأقوال السحر.

وكذلك شكل «التقرير»؛ إذ يشكل التسلسل الزمني لقوائم الملوك في بلاد الرافدين، منهج إعداد التقارير في العهد القديم، الذي كان منتشرًا في أدب الأشوريين وحولياتهم، إضافة إلى «الحيثيين» الذين أنجزوا أعمالًا ضخمة في مجال «التقرير» وبخاصة حول الملوك.
ثانيًا- مرحلة التأسيس وما قبل الدولة

يبدأ تاريخ أدب بني إسرائيل بحقبة ما قبل تأسيس الملكية في بلاد كنعان، التي شملت موروثات أدبية لعصر آباء بني إسرائيل مثل: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، عليهم السلام، وكذلك موروثات تعود إلى عصر موسى، عليه السلام، إضافة إلى حكايات القضاة. وتتشكل نشأة أدب بني إسرائيل من نقطة أن موسى عليه السلام هو مؤلف الأسفار الخمسة للتوراة، وهي المعلومة التي أثبت الواقع خطأها، فالأسفار الخمسة أعمال أدبية مجهولة المؤلف، إلا أن محتواها يعود لموسى عليه السلام، وتوجد بعض الأجزاء مستوحاة منه، التي تشكلت في البداية على شكل موروثات شفوية. كما شهدت هذه المرحلة ظهور عدد من الملاحم والأساطير، وذلك بشكل جلي في سِفرَيِ التكوين والخروج، وتنوعت ما بين الملحمة المكانية والأسطورة المقدسة، وأسطورة العادة والملحمة العشائرية، والملحمة البطولية، وكان بعضها كنعانيَّ الأصل. كما ظهرت في هذه المرحلة أقدم صياغة لعددٍ من القوانين والأحكام القضائية وذلك في سفر القضاة، إضافة إلى قوائم الأنساب التي تحصي أسلاف إسرائيل، وتستند لفكرة النسب التي كانت سائدة عند البدو الرُّحَّل.
ثالثًا- الحقبة الملكية

تقسم الحقبة الملكية في تاريخ بني إسرئيل إلى ثلاث مراحل، وهي: أ- المبكرة. ب- الوسيطة. ج– المتأخرة. وهو التقسيم نفسه الذي اتبعه مؤلف هذا الكتاب في تأريخه لأدب بني إسرائيل في هذه الحقبة. ونبدأ بالمرحلة المبكرة من حقبة الملكية في تاريخ بني إسرائيل (1030- 930 ق.م)، فقد أدى ضعف القوى العسكرية بالشرق الأدنى القديم لإنشاء مملكة بني إسرائيل في أرض كنعان، وهو ما أدى إلى نشوء أدبي ديني مبني على عقيدة بني إسرائيل، تبعه ازدهار روحي وثقافي لبني إسرائيل، وقد أطلق عليه اسم عصر «التنوير السُّليماني» نسبة إلى سليمان عليه السلام، الذي كان أقوى ملوك بني إسرائيل في هذه الحقبة؛ إذ شهدت هذه الحقبة أعمالًا أدبية دُوِّنت كتابةً من دون أية معالجة، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن أسفار المزامير والأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد المنسوبة لداود وسليمان عليهما السلام، لم تكن من تأليفهما رغم نسبتها إليهما، إلا أنها عبارة عن مجموعة من الأمثال والحكم التي تنتمي للثقافة الإسرائيلية ولغيرها من الآداب الشرقية.

أما المرحلة الثانية وهي «الملكية الوسيطة» ( 930 إلى 700 ق. م)، فقد شهدت انقسام مملكة بني إسرائيل بعد وفاة سليمان عليه السلام، إلى مملكة شمالية ومملكة جنوبية، وعلى الرغم من ذلك الضعف السياسي، فإن هذه المرحلة شهدت توسعًا أدبيًّا كبيرًا، نشأت فيه كثير من الحكايات الأدبية عن التاريخ المبكر لبني إسرائيل.

ظهر في هذه المرحلة كذلك، عدد من الحكايات الأدبية التي تتناول بالنقاش والنقد عصر الملكية المبكر، وهي الحكايات التي ضُمِّنت سفري صموئيل الأول والثاني في شكل «رؤى»، وجرى من خلالها الفكر النبوي والكهنوتي. كما ظهرت أيضًا نبوءة ناثان التي ضُمِّنت سفر صموئيل الثاني، وتحكي عن بطل يهودي رفض بناء المعبد قبل عصر داود في أرض كنعان، كما دُوِّن كذلك عدد غير قليل من الأحداث المعاصرة للبلاط الملكي لنقلها إلى الأجيال اللاحقة في عصر سليمان. كما شهدت هذه المرحلة ظهور المكون الأساسي لسفر التثنية في شكله الحالي، الذي تظهر فيه بوضوح علاقته الوثيقة مع ما يسمى سفر العهد، وهو أحد الأسفار القانونية التي ضُمِّنت سفر التثنية في حقبة متأخرة، ويظهر أنه – أي سفر العهد- بمنزلة تحسين للوضع القانوني لسفر التثنية.

شهدت هذه المرحلة أيضًا تطورًا مهمًّا في شكل الأنواع الأدبية لبني إسرائيل، تمثل في ظهور ما يعرف بـ«أسلوب نشوة الانفعال»، الذي استخدمه الرواة الإسرائيليون ولا سيما في بلاط ملوك بني إسرائيل في النصف الأول من عصر المملكة الوسيط، وهو ما يحيلنا إلى الأشكال الأدبية الانتقالية للنبوءات في هذا العصر، وقد ضُمِّنت في حكايات سفري الملوك الأول والثاني، كذلك يظهر في الموروث الأدبي الإسرائيلي عن النبي إيليا الذي تبلور في شكل أساطير وطُرف.

أما المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة الملكية المتأخرة ( 700 إلى 590 ق م)، فقد اتسمت بالجمود الأدبي؛ إذ لم تكن هناك أية أنشطة أدبية لمدة سبعة عقود تقريبًا، باستثناء بعض التحرير الأدبي لسفر التثنية، الذي تمثَّلَ في إبعاد ما يُعرَف بسفر العهد من موضعه وشبكه مع حكاية سيناء داخل سفر التثنية، وأُقحِمت مذكرة سفر العهد حول رعب الشعب أمام الرب وتقدم موسى أمامه.
رابعًا- حقبة النفي (الشتات)

تناول مؤلف الكتاب التغييرات الأدبية التي شهدها الأدب اليهودي في حقبة السبي التي مر بها بنو إسرائيل على مر تاريخهم، وذلك على النحو الآتي:

أ- النفي البابلي: وبدأ يظهر فيها «الشعر» بوصفه نوعًا أدبيًّا جديدًا، وتحديدًا في سفر المراثي الذي ضم خمسة أناشيد شعرية منفصلة، اتسم بعضها بالاتصال الموضوعي واللغوي مع بعض، واتسم الأسلوب فيها بدعوة الرعوية الدينية والموقف اللاهوتي، وغُنيت هذه الأناشيد نحيبًا على زوال أورشليم والنظر في أسباب هذا الزوال. كما أن عددًا قليلًا من المزامير مستمدة من هذا العصر وخصوصًا المزمورين 9 و10؛ إذ إنه يأتي على شكل مرثية للفرد والشعب. أما المرحلة التي أعقبت حقبة النفي البابالي (540 – 400 ق. م)، فقد شهدت عملية التحرير الأدبي لأسفار الأنبياء، فعلى سبيل المثال يمكن التمييز في سفر أشعياء بين ثلاثة أعمال تحريرية، هي «أقوال للشعوب» و«أقوال الحكمة» وأقوال تدمج النوعين السابقين.

ب- النفي الفارسي: نشأت في هذه المرحلة ثلاثة أعمال أدبية كبيرة ومثيرة للإعجاب في نمطها، الأول منها كتب لتمجيد داود واللاويين، أما الثاني فكان سفر أيوب الذي يعد من بين أكبر الإنجازات الأدبية والفنية في التاريخ الأدبي لبني إسرائيل، وذلك مقارنة بأعمال «الكوميديا الإلهية» لدانتي و«فاوست» لجوته. أما العمل الثالث فهو مجموعة الحكم المدهشة في سفر الجامعة، الذي ناقش بصورة معمقة تعاليم الحكمة المعاصرة.

ظهر في هذه المرحلة أيضًا نوع من الأدب اليهودي سماه مؤلف الكتاب بـ«الأدب الجديد» وقد تمثل في سفر «روث» الذي يشبه «الملحمة الشعبية»؛ إذ يروي قصة عائلة يهودية هاجرت من بيت لحم إلى مؤاب، ومرت بعدد من الأحداث الدرامية نتجت عنها بعض الأفكار التشريعية. واشتملت القصة على حبكة وهدف واضحين، كما شملت أيضًا عددًا من الحكم التشريعية، وهو ما أدى إلى تعميق الرؤية الدينية من خلال قالب قصصي أدبي.

ج- النفي الروماني والهِلِّينستي: اتسم هذا العصر بالاضطراب الديني الشديد، نتيجة سيطرة الثقافة الرومانية والهِلِّينية على اليهود ولا سيما من ينتمون للطبقات العليا منهم في مصر وفلسطين، كما ظهرت جماعة «قمران» التي ثارت ضد النظام الديني اليهودي القائم آنذاك.

كان لظهور ما سُمي بـ«اليهودية – الهِلِّينية» ولا سيما في مصر، أكبر الأثر في ظهور كتابات يهودية، تبنت كل أشكال الأدب الهِلِّينستي وتبنت بعض الأفكار الهِلِّينية الأدبية والدينية الخاصة، وينتمي لهذا النمط الأدبي الفيلسوف اليهودي – السكندري الشهير (فيلو)، الذي ربط الموروث الكتابي اليهودي بالأسس الأفلاطونية الوسيطة وبعناصر الأناة والفيثاغورثية في فلسفة شاملة للدين. كما أن هذه الحقبة اتسمت بالغزارة في الكتابات الدينية اليهودية المقدسة، التي ظهر منها نحو 35 عملًا دينيًّا أدبيًّا يهوديًّا، كما استمرَّ في هذه الحقبة بعض أشكال الكتابات الأدبية اليهودية مثل السرد التاريخي، وأدب الحكمة، وشعر المزامير، إضافة إلى استعارة أشكال أدبية أخرى كثيرة وجديدة وتطويرها مثل الرواية والرؤيا وتفسير الكتاب المقدس، وإعادة سرد حكايات الكتاب المقدس، والعهد، والتعاليم الدينية «الهالاخا»؛ إذ يمكن القول من دون مبالغة أن اليهودية الهِلِّينية في مصر تحديدًا أسهمت إسهامًا ثريًّا جدًّا في الحياة الأدبية في تلك الحقبة.

وفي هذا العصر وما بعده، أصبحت الآرامية راسخة بوصفها لهجة عامية بدرجة كبيرة، في حين استمرت العبرية بوصفها لغة أدبية، وكان من الضروري ترجمة النصوص إلى اللهجة العامية في أثناء القراءة التعبدية، وهو ما أدى تدريجيًّا إلى ظهور «الترجوم» وهو الترجمة الآرامية للعهد القديم، وعلى غرارها أُجرِيت الترجمة السبعينية (اللاتينية) للعهد القديم في مصر منذ منتصف القرن الثالث الميلادي، ونشأ كذلك أدب ديني يهودي باللغتين الآرامية واليونانية. وفي مقابل ذلك نشأ أدب ديني يهودي باللغة العبرية معاد للأدب اليهودي الهِلِّيني، وقد برز بشكل خاص في كتابات «قمران».

ظهرت في هذه الحقبة أيضًا بعض الأسفار المتبقية من العهد القديم، التي دخل بعضها العهد القديم وضُمَّ بعضٌ آخر للأسفار غير القانونية (أبوكريفا العهد القديم)، وهي أسفار دانيال وإستير وطوبيت، ويشوع بن سيراخ ويهوديت ورسالة أرسطياس، إضافة إلى ما يعرف بالكتابات السرية التي كُتبت بتأثير يوناني روماني بحت، إلا أنها عُدت وحيًّا إلهيًّا، وكان يتحدث بعضها عن زوجة نوح عليه السلام.
خامسًا- الأشكال والأنواع

في نهاية الكتاب، لخص مؤلفه الأشكال والأنواع الأدبية التي وردت في تاريخ أدب بني إسرائيل قديمًا سواء داخل العهد القديم أو خارجه، وقام بالتعريف بها، مرتبًا إياها ترتيبًا أبجديًّا. كان من أبرز هذه الأشكال والأنواع الأدبية «الطُّرفة» وهي تعبير أدبي الْتصقَ بأحوال شخصية محددة عبر الفعل أو الكلمة أو الحدث، وتوجد في بعض الحكايات عن البطل التوراتي «شمشون»، وكذلك في حكاية مطاردة الثعلب داخل سفر القضاة. أما «الخرافة» فهي عبارة عن شعر أو قصة لهدف تعليمي، تعتمد على حياة الحيوان أو النبات، فبدلًا من الحوار العلني تتحدث الخرافة عن حقائق فعلية أو نقد مبطن أو سب لأشخاص غير مرغوب فيهم، وتوجد أمثلة لها في أسفار القضاة وسفر الملوك الثاني.

كما يوجد نوع أدبي شائع بشكل كبير وهو «الصلاة»، فمعظم المزامير هي صلوات على شكل أشعار، وقد تنوعت بين صلاة الدعاء وصلاة الكفارة وصلاة الشكر، وقد وردت الصلاة إما طقوسية ذات صيغة محددة أو غير طقوسية ليست لها أية صيغة، توجد كذلك «الترنيمة» وهي عبارة عن تراتيل توحيدية. توجد كذلك «القائمة» التي انتشرت أنماط متنوعة لها داخل العهد القديم، وتقسم إلى ثلاث مجموعات: الأولى قوائم الأنساب، التي تشمل قائمة الشعوب والأشخاص جنبًا إلى جنب في سفر التكوين، والثانية هي القوائم التاريخية – الجغرافية وتشمل أسماء القرى والحصون وعُولِج كثير منها في سفر يوشع، والثالثة هي قوائم الهدايا المقدسة وتوجد في سفر الخروج وعزرا، وتشمل حصرًا بالماشية المنهوبة والعبيد.

أما «الأسطورة» فهي تتعرض للآلهة التي لديها على الأقل نصيب ذو صلة بالأحداث المحكية، وهذا الحدث يمثل نموذجًا متكررًا بصورة دائمة، وتصف صورة حدث ما قبل التاريخ وتجسيد وتصوِّر مصاير الآلهة والأبطال.

أما «الأقصوصة» فهي تحكي مصير الأفراد في أحداث العالم ولا تشتمل على ذاكرة تاريخية وتمثل الواقعية على عكس الأسطورة.

أما «النبوءة» فإنها تستخدم صيغ إيحاءات وصيغ كهنوتية وطقوسية، وهي منتشرة أساسًا في أسفار الأنبياء مثل أرميا وأشعياء وهوشع.

أما «الحكمة» فهي فن أدبي شديد المهارة، وترد في صيغة عروضية، ويمكن أن تكون ادعاءً أو تجربةً أو سؤالًا مطروحًا، ويمكن أن تكون جملًا متشابهة، أو كلمات مترادفة.

أما «خطاب – خطبة» فإنه يوجد في أدب بني إسرائيل بعض تقنيات شكل الخطاب، التي تبدأ بشكل ثابت بالنداء لحث الشعب على الاجتماع، ويعرض الخطيب الصمت ويطالب بالاهتمام، ويدعو للإصغاء إليه، ثم يشير إلى أهمية موضوعه، ثم يبدأ في تصريحاته المخطط لها، ويحاول أن يظهر برهانه بالتكرار والتأكيد، لكي يتغلغل من خلال التأثير المباشر في إرادة مستمعيه. هناك أيضًا صيغة «المَثَل» الذي كان فنًّا أدبيًّا شائعًا لدى كل شعوب الشرق الأدني القديم، يهدف إلى تحديد الخبرات والمعارف حول نظام العالم والحياة وشرعيتهما، وتُعبِّر الأمثال عن تجارب حياتية إنسانية عامة مثلما ورد في سفر صموئيل الأول أو تعبر عن سياقات دينية محددة مثلما ورد في سفر «الأمثال»، ويمكن أن تتصل بسياقات تخص الإله أيضًا.



* منقول عن وبإذن من:
تاريخ أدب بني إسرائيل وبدايات الأدب اليهودي | مجلة الفيصل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى