شيرين يوسف - نافذة على الأدب الإسرائيلي

على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على إعلان دولة إسرائيل إلا أن الأدب الإسرائيلي حتى الآن عجز عن الظهور بمظهر الأدب القومي المتماسك و فشل في تحقيق ما طمح إليه من تلويث الذاكرة على الرغم من حرص الكاتب الإسرائيلي على أن يكون أداة في يد المؤسسة الحاكمة و هذا ما أشار إليه الراحل غسان كنفاني بقوله(الكاتب الإسرائيلي يضبط خطواته على إيقاع خطوات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ).

فالأدب الإسرائيلي كما يقول د. عبد الوهاب المسيري (لم يستطع أن يتوحد على أيدلوجية ثابتة فهو يفتقر إلى وحدتي اللغة و المكان كما أنه يفتقر إلى الكثير من الجماليات و يبتعد كثيراً عن الروح الحالمة و الأفق الوجداني , أي يفتقر للمقومات الأساسية للأدب الشعري) ، و حين قررت الخوض في غمار البحث عن الأدب الإسرائيلي كان هدفي الأوحد أن أتعلم كيف يتكلم العدو و كيف يرانا في تراثه الأدبي على الرغم من اقتناعي التام من انه لا يرقى للمقارنة بأدبنا العربي بأي حال من الأحوال.
ما هو أدب اليهود ؟

لا يمكن الحديث هنا عن أدب اليهود على أنه مجرد الأدب العبري ، حيث أن الأستاذ محمد توفيق الصواف في حديثه عن ظاهرة الأدب الإسرائيلي أشار إلى نقطة غاية في الأهمية و هي ضرورة مراعاة الألوان الأدبية الأربعة التي يتألف منها:

فأهم ما يميز مصطلح (أدب يهودي) هو أنه شمولي وعام جداً، بسبب افتقاره إلى المحددين الجغرافي واللغوي اللذين يعدان الأساس في تحديد الهوية القومية لأي أدب، والأدب اليهودي يشمل أدب اليهود في مختلف البلدان التي سكنوها، على مر العصور، و أياً كانت اللغة التي كتبوا ذلك الأدب بها .

ومثل هذا التعريف، ينطبق، إلى حد كبير، على مصطلح (أدب صهيوني) لافتقاره، كسابقه، إلى المحددين الجغرافي واللغوي، واقتصاره على المحدد الأيديولوجي الذي يدل على اتجاه مؤلفيه ومضمونه، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء المؤلفون يهودا أم غير يهود، وبغض النظر عن انتمائهم القومي واللغة التي كتبوا أدبهم بها.

أما مصطلح (أدب عبري)، فيتميز عن سابقَيه بدلالته على أن اللغة العبرية وحدَها، هي القاسم المشترك الأهم بين النتاجات الأدبية المنتمية إليه، على اختلاف جنسيات مؤلفيها وأماكن إقامتهم وأديانهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية.

وأما مصطلح (أدب إسرائيلي)، فالمقصود به ذلك النتاج الأدبي الذي كُتب في الكيان الصهيوني، بعد قيامه، عام 1948، سواء نشر داخله أو خارجه، شريطة أن تكون مسائل بنيته المجتمعية الاستيطانية ومشاكله، في واقعها ومكوناتها، هي المحور الرئيس لمضمون هذا النتاج، بغض النظر عن موقف مؤلفيه تجاه هذه المشاكل، وبغض النظر، أيضا، عما إذا كانوا مناصرين لسياسة الكيان أو كانوا ضدها، كما هو حال من يسمون بأدباء الاحتجاج. وسواء ألفوا ما ألفوه باللغة العبرية الحديثة التي كتب بها معظم هذا الأدب، أو بغيرها من اللغات الأخرى المستخدمة في الكيان، كما هو الحال بالنسبة لكتابات الروائية (ياعيل دايان) مثلاً التي رغم إقامتها في فلسطين المحتلة، تكتب بالإنكليزية أدبا يتحدث عن واقع الكيان الصهيوني.
أدب الشكوى :

و هو ما أشار إليه د.قاسم عبده قاسم أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق في مصر بمقال له بعنوان " أدب الشكوى عبد يهود أوربا " في العدد 501 لمجلة العربي حيث شرح أدب الشكوى على أنه

نمط من الأدب الديني اليهودي الأوروبي يسجل النوازل و الكوارث التي حلت باليهود الأوربيين ترجع بداياته الأولى إلى عصر الحروب الصليبية ، يحتفي به اليهود الأوربيون كثيراً و يمثل شطراً كبيراً من تراثهم الأدبي ، و يمثل الخلفية الثقافية التاريخية التي خرجت منها حكايات الهولوكوست .

نشأ هذا الأدب عند يهود ألمانيا زمن الحروب الصليبية أواخر القرن الحادي عشر و استمر في التراكم حتى منتصف القرن التاسع عشر ، حيث قامت الجماعات اليهودية الأوروبية بكتابة نوع من المذكرات لكي يقرأ اليهود منها في صلواتهم أسماء اليهود الذين قتلهم الصليبيون قبل رحيلهم إلى فلسطين و تم تجميع العديد منها حتى منتصف القرن التاسع عشر في المجموعة المعروفة باسم ( (elegies التي تضم تراث الطائفة اليهودية الفرنكو – ألمانية .

و من أشهر المؤلفات اليهودية في هذا أدب الشكوى أيضاً مذكرات مانيس و التي تسجل الإضطهادات التي مارسها الصليبيون ضد يهود إقليم الراين سنة 1096 م ، و تكشف عن أن كاتبها الأصلي كان يروج لفكرة أن جماعة يهود مانيس المدينة الألمانية( تفخر بماضيها الجيد و تضحياتها الحاضرة في سبيل الرب و شعبه المختار) و الكاتب الأصلي لهذه المذكرات لم يكتبها إلا في النصف الثاني من القرن الثالث عشر، أي بعد حدوثها بحوالي قرنين من الزمان و كاتبها هو اسحق مايننجن و هو اليهودي الوحيد الذي تحدث عن الهجمات الصليبية على يهود أوربا .
نقطة هامة :

من خلال متابعتي للعديد من النصوص الشعرية لشعراء إسرائيل يتضح أن النغمة الغالبة عليها هي الندم و الحسرة و الحزن و الشتات الداخلي لتركهم أوطانهم و المجيء إلى ارض غريبة لم يجدوا فيها سوى الحزن و الافتقار إلى الأمان و لعل هذا لمسته من خلال قصيدة الشاعر الإسرائيلي يهودا عميحاي ( كل الأجيال التي سبقتني ) و ترجمها د.عبد الوهاب المسيري :

كل الأجيال التي سبقتني منحتني

شيئا فشيئا ، كي أقام هنا ، في أورشليم

و في وقت واحد كبيت للصلاة أو مؤسسة لأعمال الخير

إنه دين اسمي هو اسم الذين منحوني

إنه دين.

إنني مقترب من عمر موت أبي

ووصيتي أن ترقع رقع كثيرة

يجب أن أغّير حياتي و موتي

يوماً بعد يوم.

و في قصيدة للشاعرة الإسرائيلية دفورا آمير البولندية الأصل:

هذه الأرض المرتجّة وهي تحاول أن تستريح

عند رقبــتي..

السكين ..والخنجر ..والرمح

وهي تلوث حياتنا منذ أن فكروا في ابتكارها

إننا ندرج مثل أولئك الذين فقدوا عقولهم

ونحن نملأ صدورنا بإيقاع متفجر..

في المناسبات المجنونة

وشيمون عداف الذي ولد في مدينة سديروت حيث هاجر والداه من المغرب يقول حالماً بالعودة إلى المغرب موطنه الأصلي:

يا والدي من هو الذي يخطأ الهدف

مأخوذا بالحب ..كما الانحناء على كتاب..

..وبقوة يندفع تشرين إلى السماء

..و ثمـّة قمر يتوهج بين أشجار الشوارع

وهو يخرج من الضباب ليطأ الظلام

ثـم يفتح ذراعيه فوق المائدة الرطبة

في إغفاءته الباردة المبددّة..

انه لمن الصعب أن اصدق انه عبر البحر

وأنه مرّة كان يحمل الثلوج

إلى بيوت المغرب الضئيلة

عند نهاية الأربعينات..

طفـــولة الــــزمـن !!

و يمكننا قراءة ذلك أيضاً من خلال القصص الريبورتاجيه التي تصف بدقة وثائقية قصص صراع المستعمرين الصهاينة ضد البيئة الغريبة عنهم و ضد الفلسطينيين و كذلك قصص الخرافة و الأساطير ذات الطابع الرومانسي و الديني و أبرز من مثل هذا الاتجاه هو شموئيل يوسف عجنون .
العربي و الأرض الفلسطينية في أدب اليهود:

يعكس الأدب اليهودي الحقد الدفين تجاه الشخصية العربية و تزييف حقيقة الأرض الفلسطينية و نلاحظ ذلك في أكثر من قصيدة لأكثر من شاعر و أورد هنا على سبيل المثال لا الحصر مجموعة من المقاطع لشعراء من إسرائيل .

ففي قصيدة كتبها أفرايم سيدوم :

يا أطفال صيدا وصور..

إني أتّهمكم..

ألعنكم لأنكم مخربون..

ستنامون محطمي العظام في الحقول والطرقات..

لا تسألوا لماذا.. فإنه العقاب..

والآن حان عقابُكُم..

كل النساء في صيدا وصور.. كل الأمهات.. كل الحوامل.. كل المسنين وكل الأرامل..

ها نحن قادمون لنعاقبكم.. لنقتصّ منكم..

كما يقول يهونتان غيفن في قصيدته صبرا وشاتيلا :

هناك جمهور غفير..

يجلس أمام الشاشة الصغيرة..

رأينا الأسرى الفلسطينيين في طريقهم إلى المعتقل..

صرخ الجمهور.. صرخت أنا أيضاً.. اقتلوهم.. احصدوهم.. اذبحوهم..

نريد أن نرى الدماء في صبرا وشاتيلا..

كما نقرأ للشاعر اليهودي سامي شالوم شتريت، في قصيدة بعنوان: في منتصف الليل على عربة القمامة المحلية: قطط تولول لغة البشر من ديوان شعر قصائد بالأشدودية:

قطط تولول لغة البشر

ضمن قطيعين من هذا وذاك، في خرائب، تتأجج من

عيونهم اللهب، وفي رؤوسهم أسنان بارزة قاسية

على عجلة القمامة المحلية

بينهم سنتيمتر واحد للإرهاب

يعلنون بضجيج صارخ، وفي مخيماتهم يستعدون للمعركة

وأنا أولول لهم بلغتهم،

ما لي ولكم يا قساة، يا أيها المنحطون،

سأسفك أنا قمامتي، واسفكوا أنتم من فضلكم دمكم

لدى مرور عربة القمامة المحلية

و كذلك ما ورد في قصيدة الشاعر الإسرائيلي أكور خلال الغزو الإسرائيلي للبنان:

لو كنت قائداً لمنطقة بيروت المحاصرة والمختنقة

لصرخت في وجه كل أولئك الذين يطالبون بإعادة المياه

ويصرخون ويتألمون ويطلبون إعادة الدواء والطعام إلى المدينة المحاصرة

لو كنت قائداً لجيشنا العظيم

لزرعت الموت والدمار في كل المزارع والشوارع

في كل المساجد والكنائس .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى