مصطفى أيت يدير - القصة الغريبة للكونتيسة مارغريت والماركيز ماكسيم دو لاكونتين

مصطفى أيت يدير.jpg

رغم أن شَعر الكونتيسة مارغريت، ذات الذراعين الطويلين، كان خشنا، كشجيرة شيح يابسة، أو كومة أسلاك دقيقة صالحة لصقل الأباريق المعدنية، إلا أنه حين دهنته بزيت الصبّار بدا لامعا بشكل فانتازي مثير، تحت شعاع شمس الظهيرة، عندما كانت تحدق متكئة على درابزين الشرفة، في عربة الماركيز العابرة للشارع في موكب مهيب، كانت حركة المروحة في يدها مضطربة، وهذا يكفي لكل من يعرف الكونتيسة عن كثب ليعلم انها في مزاج عكر. ربما، كانت نار الحسد تتأجج في صدرها من زوجة الماركيز الجميلة، التي لابد وانها تشعر الآن بالفخر وهي جالسة بثوب فاخر قربه، يداعب خصلات شعرها الحريري، وترفع ستارة العربة بغنج من حين لآخر لتلفت نظرات الحشود المتوافدة لمشاهدة الموكب، لكن الكونتيسة مارغريت في نفس اللحظة التي كنت أفترض فيها هذا التخمين .. قالت بنبرة حالمة، وكأنها تقصد نقض هذا الافتراض، مخاطبة شخصا كان معها في الغرفة..
_ آه.. كم هي محظوظة من ستحظى بهذا الماركيز.. ألا ينوي الزواج بعد.. ؟
لم يجب الشخص الذي كان مع الكونتيسة.. وبقي مجهولا الى الأبد.. لكن الأكثر أهمية في حياة الكونتيسة هو ما سيحصل بالصدفة بعد قليل، عندما لمح الماركيز، عند رفعه لستارة العربة، بريقا ساطعا من على شرفة منزل جميل، بريقا فانتازيا مثيرا على رأس فتاة بمروحة.. آه.. كم أصابه هذا بالذهول والافتتان، هاهو قلبه ينبض مجددا بشكل متسارع، لم ينبض بهذا الشكل لفتاة منذ زمن طويل، إنها بلا ريب، اللحظة التي انتظرها بفارغ الصبر، لابد وأنها أميرة الأحلام الموعودة، فتاة الحب من أول نظرة، فتاة القصص الغرامية، التي تطل بغنج من خلف درابزين الشرفة المشبّك، بتاج برّاق ومروحة متراقصة..
لم يتردد الماركيز، وأمر بوقف الموكب حالا، أمام بيت الكونتيسة، وفي لحظة، كان صفا العساكر بالزي المخملي المتناسق، متراصان في طابور طويل من باب العربة الى عتبة البيت، تقدم الماركيز بين الصفين بخطوات سريعة منتشية، ثم : دق دق.. دق دق...
_ مرحبا، أنا الماركيز موسيو ماكسيم دو لاكونتين هلاّ فتحتم الباب ؟ هل تسمح أميرة الشرفة الجميلة بكلمة ؟
لم تصدق الكونتيسة، ذات الذراعين الطويلين، ما يحدث أمام ناظريها تحت الشرفة، أمسكت المروحة بين أسنانها وفركت عينيها، ثم حدقت من جديد، المركيز دولا كونتين يدق على الباب ؟ كيف ؟ وماذا يريد ؟ لم يزل رأسها ضاجا بالأسئلة، حتى سمعت صوت الخادمة القادم من الطابق السفلي يصيح :
_ سيدتي سيدتي، الماركيز موسيو ماكسيم دو لاكونفيتور... يريد..
_ دولا كونتين.. دولا كونتين... (قال الماركيز مُصححا بنبرة هادئة)
_ دولاكونتين.. دولاكونتين.. يريدك، سيدتي، في كلمة... (أردفت الخادمة بنبرة خجلة)
نزلت الكونتيسة لمقابلة الماركيز، على الدرج كسحلية منتشية، كانت هذه اللحظة فاصلة في حياة الكونتيسة والماركيز والعساكر والبلدة، لقد تعجلت الكونتيسة للأسف، كما يتعجل كل الناس، ونسيت، كما قد ينسى الناس جميعا، وضع غطاء الحرير أو القبعة على شعرها، الذي أستحال بفعل الزيت وسخونة الشمس الى كومة متشابكة لا استطيع وصفها أيها السادة، هل هي كومة نوابض معدنية ؟ أسوء قليلا ، دغل مطير ؟ افظع قليلا ، عش لقالق ؟ بل أبشع قليلا أيها السادة.. لاأحد كان يعلم ماذا كانت الكونتيسة تقول للماركيز عندما وقفت أمامه... ولا أحد انتبه الى انها كانت تقول شيئا... كل الألباب كانت مأخوذة بدهشة صاعقة، الى ذلك الشيء الغامض على رأسها وهي تحرك بعبث ذراعيها الطويلين في الحديث.. لم يُر الماركيز الا وهو مهرول بخطوات واسعة، ممسكا رأسه بين كفيه الى العربة، ولم يُسمع الا إطلاق نيران عابث من الذعر في صفوف العساكر، وصهيل الخيول المضطربة من صوت البارود..
بعد أيام، حُكم على الكونتيسة مارغريت بالإعدام شنقا، ظهيرة يوم الأحد، عقابا للتسبب بموت الماركيز الموسيو ماكسيم دو لاكونتين، بسكتة قلبية في عربته أثناء مرور موكبه، وجرح 5 عساكر بالرصاص والتخطيط لإثارة الفوضى والقلاقل في البلدة..
رغم أن شعر الكونتيسة مارغريت، ذات الذراعين الطويلين، كان خشنا، كشجيرة شيح يابسة، أو كومة أسلاك دقيقة صالحة لصقل الأباريق المعدنية، إلا أنه، حين كانت تتأرجح مشنوقة وسط الميدان العام، بدا لامعا بشكل فانتازي مثير، تحت شعاع شمس الظهيرة، كتاج من اللآلئ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى