فاطمة الإفريقي - يوميات امرأة لن تصير كاتبة

هو، يدخن سيجارة الحرية في الشرفة المطلة على الحلم، يتأمل الكون والعابرين في شارع الحياة، يلتقط صورا لأبطاله، ويطلق العنان للخيال المتمرد، ويتلذذ بغواية القصيدة وبنكهة القهوة الدافئة التي أعدتها له أنثاه الصالحة...
هي، تجهض كل صباح النصوص التي أوشكت أن تولد وهي تعد له القهوة، وتكنس حروفها المبعثرة مع غبار السجاد... ولا زمن لها لنفض الغبار عن دفاترها لاعتقال خاطرة هاربة...
هو، يتمدد على الأريكة المخملية، يتصفح جرائد الصباح، وينصت لنشرة الأخبار، ويرتشف شايا قدمته له يد ناعمة، ويقرأ بفخر آخر الكتابات النقدية عن كتابه الجديد...
هي... تقرأ مقادير التوابل لإعداد طبق لذيذ للعبور الى قلبه، وتبتلع مرارة الفقدان للكلمات التي كادت أن تمطر على ورقتها البيضاء ،لكنها انتحرت غرقا مع ماء الصنبور الممزوج بدسم الصحون في حوض المطبخ...
هو، يعتكف في محراب مكتبه الذي رتبته أنثاه، ينصت بخشوع لمعزوفة هادئة، يعانق كتابا هنا، ويقبل هناك قصيدة، ويداعب شعاعا متسللا من النافدة . يلامس نصا شهيا، ويراقص عبارة رشيقة.. وبين جسد الحرف وروح المعنى، تتدفق في دفتره الأنيق كلمات بلون العشق والحرية...
هي، معتقلة في سجن المطبخ تقاوم غواية الكتابة بالسكاكين، وتنصت للصمت الذي يأسر قريحتها المستغيثة... وبين كعكة بالفرن وطبق على النار، تتبخر القصائد.. وتكتفي بالرسم بالخضر الملونة لوحة عابرة في المعدة، وتذرف رفقة البصل دموعا على كلمات كانت ستكتب، فسقطت من الذاكرة...
هو، كاتب حب جوال يعشق كل الجميلات، هن ملهماته ومن يرتبن له الأبيات، يداعب كل مساء بطلاته في الروايات، بين صدر وعجز تسافر أنامله عبر جسد الكلمات... يخلع عن مفاتنهن القمصان ويرميها على أطراف الصفحات...
هي، تنظف قمصانه كل يوم وتنشرها على حبل الغسيل رفقة نصوصها المبللة، وتنثر على سطح البيت حروفا فقدت ملامحها برطوبة الانتظار.. تتكئ معها على جدار الشمس لعلها تمسي حروفا مولعة...
هو، يوزع الابتسامات والنظرات على المعجبات بأدبه في حفل التوقيع ، وبين سلام وعناق وصورة وتوقيع ،ينسى بأنها تنتظره على العشاء ويكمل السهرة مع ملهمته الجديدة...
هي، تنشغل بأنوثتها كي لا تفقده بانشغالاتها الأدبية، وترمي القلم من أصابعها وتقيد يديها بحصة المانيكير في صالون التجميل، وتحرق القصائد الممكنة ببخار مجفف الشعر، وترش على جيدها عطرا فرنسيا وفي الهواء أريج كلماتها المستحيلة... وترسم بالأحمر الفاقع على شفتيها قصيدته المقبلة.
هو، يعود متأخرا كل ليلة بمبررات فكرية، يعود مترنحا سكرانا بالكؤوس الشعرية، يعود محملا بالكتب والدواوين والجرائد الصباحية، ويوقظ أنثاه من النوم لإطعامه من أطباقها الشهية...
هي، تنتظر نومه وتتسلل للقاء الحرية، تناجي الليل أن يلهمها، وتتوسل للكلمات التي كانت ستكتبها وخبأتها في دورتها الدموية... وفي اللحظة التي طاوعتها حروف الأبجدية ،و بلغت رعشة النشوة بعناق صدر البيت الأول في القصيدة؛ ناداها بصوت حنون مطالبا برعشته الشرعية، فسقطت أوراقها من بين يديها واستسلمت لأنامله، وتركت حبره يكتب على جسدها قصيدة ايروتيكية...
هو يستعد لإصدار كتابه السابع في الربيع القادم...
وهي تنتظر طفلها الرابع وتؤجل مولد ديوانها الأول إلى ربيع لن يأتي...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى