محمد السقفاتي - قفطان الحب. قصة قصيرة

(تعالى يا حبيبي تعالى فإن جواز السفر قفطان
معا اذا وضعنا رجلا في البحر فسينشق الى اثنين)*

لم تكن فاظْما أنْ حدُّو تدرك بأن هذا ال 'إيزري' الحزين، الذي رددته بكامل عفويتها، في "أزْقاق"، بأحد أعراس قرى الريف، مخاطبة في الواقع حبيبها لثنيه عن الرحيل، سيكون من بين تلك الأشعار الخارقة والجميلة التي سترددها الألسنة جيلا بعد جيل

كان هم فاظْمة لا يتعدى حدود التعبير الصريح عن مشاعر الحب والهيام والخوف التي اعترتها تجاه حبيبها الذي كان يستعد لمغادرة الريف في هجرة سيطول أمدها، مثل جل الشباب الذين جرفتهم رياح الأقدار، تاركين القرى فارغة، والنساء وحيدات يكابدن لوعة الفراق ووحشة الشوق..

(هيا يا حبيبي تعالى الي
إن جواز السفر الحق، قفطان
هيا يا حبيبي، معا سنحقق كل الأماني؛
معا، إذا وضعنا قدما في البحر، سينشق البحر إلى اثنين)

لم يستطع هذا ال " إزري" أن يسد الطريق أمام خطى الحبيب، ولا استطاعت فاظْمة نفسها بجمالها الفائق وماء الأنوثة الذي يسري في أوصالها أن تقف في وجهه كي تصده عن مغادرة القرية، فاختفى الــ " ازري" من الوجود. ولم يردده بعدها أحد. وساخ عميقا في هوة النسيان السحيقة

لكن ثمة أشياء ما وقعت، حين صدح صوت الفتاة أقِيِّ أن علال ودون سبب واضح، أثناء ذلك العرس القروي، وسط تلك الساحة الواسعة، من تلك الليلة الصيفية، بهذا الــ إيزري الذي استهواها كثيرا وإن كانت لا تعرف معناه ومن نظمه وعمن سمعته. لكنها غنته بصوتها الشجي ذي النبرة الحزينة

بدأت النسوة يتهامسن فيما بينهن في غمز وهمز ولمز ساخرات من أقيٌ

- ثِقَّيمامدْ آ أقي يقيمامد ارحال، قالت احداهن

ردت أخرى:

- أتِّيسمامين أعمي يحْيا،
- التسريح أذ أورو أَسْ ووروثان، آشمان أقفطان

الرجال أيضا سخطوا، ولعلعت أصواتهم ضجرين، ونعتوها جهرا بالفجور. اذ كيف يصل الحال بامرأة الى حد الإساءة للدين والمجاهرة بحبها أمام الملأ.

عمت الفوضى، ونهض رجل ذو لحية بيضاء طويلة كان منزويا يتابع الفرجة بصمت، صارخا :

- كيف تتجرئين وتقارنين نفسك وحبيبك، بسيدنا موسى عليه السلام وعصاه المقدسة. أتظنين أن حبيبك، لعنه الله رسول وأنك نبية؟ ايتها المشركة بالله

أشياء كثيرة لم تتغير في القرية منذ تأويل كلام أقي أن علال وطردها من الحفل، ولم يعد احد يثني الشباب عن الهجرة فابتلعت الكثيرين منهم أمواج المالح، وأولمت بعظامهم اسماك القرش وثكلت النساء وترملن، وأهملت الأرض وجفت الغدران، وتيبست الأشجار، لكن إيزري فاظْما أنْ حدُّو ظل صامدا برغم السنين وبطريقة لم يشهد لها الزمان ولا المكان مثيلا





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكلمات الأصلية للإيزري:

Arwah a llif arwah... attasrih da qarftan
Ana3jan gi rabhar...aman adannawdhan

* ستبقين يا أقي وحيدة في حضن العنوسة ولن يهتم لحالك أحد
** كناية عن من يسعون لشيء ولا يدركونه فيقولون عنه مر. في الجملة اشارة للمثل الشعبي حين "حاول الذئب القفز للوصول الى عنقود العنب، لكن عندما يئس من بلوغه انصرف مواسيا نفسه: إنه عنب مر ولم ينضج بعد يا عمي يحيى"
*** إزران: أبيات شعرية أمازيغية مفردها إزري وتحسب أساسا من ابداع النساء يتغنين بها في المناسبات السعيدة كالافراح والزواج والعقيقة وتذكر في مناسبات فلاحية عدة كجمع المحصول مثلا. أغلبية إزران تهتم بالغزل والحب، وتقال بكل جرأة وحرية أمام الملأ

تعليقات

س
تحياتي لك السي السقفاتي .مزيدا من التوفيق في خدمة موروثنا الثقافي ايوز ثاومات
 
تحياتي لك السي السقفاتي .مزيدا من التوفيق في خدمة موروثنا الثقافي ايوز ثاومات


شكرا لك استاذ سمير على لطفك وتعليقك الطيب على هذا النص القصصي للمبدع المغترب محمد السقفاتي، والذي ينبش من خلاله في بعض الخصوصيات الاجتماعية للمجتمع الريفي والتي في طريق الاندثار تحت هشيم العولمة والتحولات الخطيرة التي تشهدها تركيبته الاجتماعية..
ازران من ضمن الاشياء التي ركز عليها النص اساسا وتميز النساء الامازيغيات بهذا الصنف من الابداع، واتخاذه وسيلة للتعبير عما يخالجهن من عواطف واشجان واحاسيس محبطة..
ومثل ازران هذا نجد شعر التبراع في الشعر الحساني لدى نساء الصحراء و شعر اللاندي عند نساء البشتون بافغانستان وغير ذلك من الامثلة مما نجده في تراث الشعر العربي

لك كل التقدير
 
أعلى