جعفر الديري - آرنست همنغواي.. والانتحار حباً

في فجر الثاني من يوليو 1961، استيقظ الكاتب الأمريكي آرنست همنغواي - صاحب نوبل للآداب 1954- فتناول بندقيته الأثيرة لديه، وحشاها بطلقتين ناريتين، ووجها إلى فمه، وأنهى حياة أحد أعظم الكتاب الذين أنجبتهم الإنسانية.
ورغم محاولة زوجة همنغواي إخفاء أمر انتحاره، فإن الحقيقة سرعان ما تجلّت، خاصة أن طبيب همنغواي كان حذّر زوجته من أنه سيقدم على الانتحار، جرّاء حالته النفسية السيئة، حيث كان يعاني من الآثار الجسمية بسبب حادث احتراق طائرته، ومن نفسية متعبة بدأت تشعر بشكوك حيال قدرتها على الاستمرار في توهّجها الإبداعي.
تقلّصت شهرة همنغواي كثيراً عن تلك التي أحرزها في سنوات إنتاج روائعه «الشيخ والبحر»، «وداعاً أيها السلاح»، «لمن تقرع الأجراس»، والناظر إلى مجمل الصور الملتقطة له في سني عمره الأخيرة يكتشف بسهولة مبلغ ما كان يشغل صاحب «تلال أفريقيا الخضراء» من تفكير دائم.
المثير أن أحد الباحثين أرجع سر انتحار همنغواي إلى قصة حب قديمة حدثت له في الفترة التي تطوّع فيها بالصليب الأحمر الإيطالي 1918، في أواخر الحرب العالمية الأولى، فهناك أصيب بجروح خطيرة أقعدته أشهراً في المستشفى، وخضع لعمليات جراحية كثيرة، وكانت إلى جانبه ممرضة أمريكية متطوعة تكبره بعّدة سنوات، نشأت بينهما علاقة حب جارفة، من جانبه على الأقل، انتهت نهاية مأساوية، بحسب ما يروي الكاتب المرحوم درويش الجميل في أحد كتبه الشيقة.
الصدفة وحدها كشفت قصة الحب بين همنغواي والممرضة الأمريكية، ففي أحد الأيام اشترى شاب نسخة قديمة من رواية لهمنغواي، وعندما عاد بها إلى البيت وأخذ بتصفحها، وجد قصاصة يذكر فيها صاحب «ولا تزال الشمس تشرق» أنه لم يعد يستطيع الاحتمال، وبعد أن عرض هذا الشاب القصاصة على أحد الباحثين، تأكد أنها بخط يد همنغواي، وبعد البحث والتحري اتضح أن همنغواي الشاب، لم يستمر في علاقته مع الممرضة في إيطاليا، بل فضلت عليه أحد أطباء المستشفى، ليترك همنغواي المكان يائساً من حبها.
وتمضي القصة لتحكي أن همنغواي وبعد سنوات، التقى حبيبته الممرضة، وقد اقترنت بالطبيب الذي أصبح من الأثرياء، وهناك وبينما كانت تعزف له على آلة البيانو أطلق همنغواي النار عليها، ورغم سماع كل من في القصر صوت الطلق الناري، لم يتخذ زوج الممرضة أي إجراء قانوني، بل فضّل غلق الموضوع، ليهرب همنغواي ذاهلاً وكأنه لم يكن يشعر بما قام به.
غير أن هذه لا تتفق مع ما ذكره مؤرخو الأدب من أن همنغواي في آخر حياته انتقل للعيش في منزل بكوبا، حيث بدأ يعاني اضطرابات عقلية، بسبب وجود مرض وراثي في عائلته سببه زيادة تركيز الحديد في الدم، ما يؤدي إلى تلف البنكرياس والاكتئاب وعدم الاستقرار في المخ، ما دفعه للانتحار في النهاية خوفاً من الجنون.
حاول همنغواي الانتحار ربيع العام 1961، وتلقى العلاج بالصدمات الكهربائية، وبعد حوالي 3 أسابيع من إكماله الثانية والستين من العمر، وضع حداً لحياته بإطلاق الرصاص على نفسه من بندقيته في منزله.
وما يشجع على هذا الكلام أن همنغواي نفسه حمّل العلاجَ بالصدمات الكهربائية مسؤولية تدميره نفسياً بسبب فقدانه للكثير من ذكرياته، وهناك أيضاً تاريخ أسرة همنغواي الطويل مع الانتحار، حيث انتحر والده كلارنس همنغواي أيضاً، وكذلك أختاه غير الشقيقتين أورسولا وليستر، ثم حفيدته مارغاوك.
آرنست همنغواي.. والانتحار حباً

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى