سمية عزام - لحمة، وردة أو كتاب.. قصة قصيرة

تركت مبنى الأريسكو حيث مكاتب مجلّة العربي ، بعد أن قدّمت مساهمةً ، وعبرت الشارع باتجاه جريدة السفير الواقع مبناها في نزلة السارولاّ...
لا أعرف أسماء الشوارع في الحمراء ولا متى ينتهي شارع ليبدأ آخر . خبرتي في بيروت وشوارعها قليلة ، كل ما أعلمه هو أنّ تلك الشوارع تسحرني ، وتترك في وجداني انطباعات الدهشة الأولى في كلّ مرّة تطأ قدمايَ أرصفتها .
إلتفتُّ نحو مبنى كلّيّة الحقوق آنذاك قبل أن تُنقل إلى مُجمّع الحدث ، إذ تابعتُ لسنةٍ يتيمة العلوم السياسيّة والإداريّة فيها ، وتوقّفت عن دراستي لأنّي في ذلك الوقت كنت ُ في حالة غَرام .
أتذكّر أنّي أجيب كلّ مَن يسألني عن سبب توقّفي بأنّي' انتزعت'...أ ُتابع سيري راسمةً ابتسامةَ تطفو فوق أسفٍ لا أخفيه عن أحدٍ ولا حتّى عن زوجي.
بمحاذاة مصرف لبنان ، ألّذي كان لي شرف ولوج بابه لمرّة واحدة كي لا يبقى سرّاً أو لغزاً عندي . صعدت إلى أحد طوابقه العليا مع زميلة كانت تدرس معي السياسة. دخلت إلى مكتبها وأخبارها وأحلامها ،لا شيء غير عادي .. إنّه وهم الإكتشاف . إسمها غادة ، مُرتّبها لا بأس به ، ذكرت الرقم أمامي وتحدّثت عن شقّة اشترتها بواسطة قرض من المصرف ، ولا ينقصها إلاّ العريس ، وقليل من الجمال والنباهة! ...لماذا لا يأتي ، ألا يكفيه ما لديها؟ لا أعرف ما آلت إليه أيّامها!
اقتربت من مكتب جريدة النهار - قديماً- قرب المصرف وأيضاً كان لي حظ دخوله ، عندما كنت طالبة، مع مَي مخرجة ' نهار الشباب ' صديقتي في الكلّية وتعرّفت بأساتذة وكتّاب في الجريدة .. أتذكّر ويعود الفرح ليغمرني من جديد ، وقتها كتبت كثيرا ً في السياسة والحب .. من وحي حالي وواقعي .
عبرت الطريق إلى الرصيف المقابل لأصبح ملاصقة لواجهات القاعة الزجاجيّة فأتأمّل المعروضات ، نصيبي اليوم من الرؤية كان رسوماً ولوحات لا كتباً أو أشغال حرفيّة ..
لماذا هذه التفاصيل؟! كلّ تفصيل له حكاية ، وكل مشهد له ذكرى . أوّل مَحبس اشتريته كان من معرض مُقام في هذه القاعة ، لونه أزرق لا زلت أحتفظ به، وعندما عُدت إلى بيتي في الجبل ، كانت مفاجأتي السعيدة بوجود حبيبي يزورنا لأوّل مرّة بعد انقطاع وبرود في علاقتنا...
تجاوزت تقاطع' الإتوال'- كما أظنّ إسمه لا أدري إن كان همّي حقيقة ً زيارة مبنى السفير أم شيء آخر يشدّني لأتابع سيري لا يُمنة ً ولا يُسرة ً. وبعد أن كنت كالأطفال، ألهو بنظراتي وبالكاد تلامس أصابع قدميّ الأرض ،أصبحت أمشي بخطى ً أسمع إيقاعها ، مع نظرةٍ تصوّب نحو هدف .. بعيد في آخر الممرّ حيث أسير . شيء ما نقل نظري إلى جيب سترتي لأتفقّد نقودي .. آه! لا أملك الكثير عدا أجرة طريق عودتي إلى البيت ، بقي معي خمسة آلاف ليرة ، هي ثمن اللّحم لطعام الغداء 'الشاورما' ما وعدت بها ولديّ لهذا اليوم.
تباّ ً لهذا النهار ! 14شباط ، ذكّرني به اللّون الأحمر في واجهات المحالّ التجاريّة . ورود حمراء ،أكياس ،شرائط وقلوب ... كيف سأهدي زوجي في هذه المناسبة ولا أملك ثمن وردة ؟! لكنّه كرّر لي أكثر من مرّة أنّه لا يحب الهدايا ولا تهمّه هذه المناسبة ، فهي وهم وسخافة ... حسنا ً سأصدّق ذلك القول ، اليوم على الأقل.
اقتربت من كوخ لبيع الكتب والمجلاّت القديمة ، الكائن على زاوية في طرف الشارع ، لن أتعب نفسي وأضيّع وقتي بالتفصّح بعناوينها . فأنا أريد تلك الحجرة الزجاجيّة الصغيرة الّتي تتدلّى منها الكتب والمجلاّت حتّى تصل إلى الأرض ، وتلفّها من جوانبها الثلاث كأنّها مسرح الحكواتي.
تسمّرتُ أمامها داسّة ً يدي في جيبي أتحسّس نقودي لئلا ّ وقعت مني وضاعت ، فيضيع أملي بشراء كتاب .. بل ثلاثة من سلسلة إبداعات عالميّة ، الّتي أنتظرها بعشق ، كما ينتظر ولدايَ الشاورما أكلتهما المفضّلة . تجول عيناي بين العناوين ولا أجرؤ على التمعّن فيها أكثر ... ثمّة من يراقبني ، نبّهتني رائحة دخان سيجارته ، ونظرته الوقحة ، تململت في وقفتي وأحلت نظري قليلا ً ، انحنيت صوب بضعة كتب مرميّة أرضا ً وتناولت أعدادا ً ثلاثة . أحرجني وجود صاحب الكتب أمامي لم أكن أتوقّع وجوده.. كنت بحاجة للوقت كي أختار ،و ربّما أنقذني من حيرتي.
الكتب في يدي اليُسرى ، واليُمنى خرجت من مخبئها مع الكنز!...
لا بأس اليوم بطبخة' بُرغل'، ومع لوحين من الشوكولا لتطييب الخواطر .. أمّا عيد العشّاق، فلا تعذّبني مصادفته اليوم ، قبلة وزهرة من شتولي ،أعلم أنّها أكثر من كافية لتجديد أيّامي وتأكيد وفائي لمن أحبّ .
لا أدري إن فرحت بكتبي الّتي أتأبّطها مع حرقتي ..
لكن لماذا تأنيب الضمير ؟ البُرغل نافع وصحّي، لا يشكو من شيء !.


د. سمية عزام

* نقلا عن:
قصص على الهواء-حسين الجفال

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى