شهادات خاصة جعفر الديري - المخرج البحريني محمد بوعلي: يحكمني السيناريو الجيد والسينما ليست حكراً على جيل معين.. فنون بصرية

لايزال المخرج البحريني محمد راشد بوعلي بمعية مجموعة من المشتغلين على السينما الناشئة، يعمل على التوفيق بين ظروف إنتاج صعبة وتحقيق أفلام سينمائية تليق باسم مملكة البحرين. المخرج الشاب الحائز على عدة جوائز آخرها حصول فيلمه القصير (هنا لندن) على الجائزة الثالثة لأفضل فيلم خليجي قصير ضمن جوائز الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي، يشير إلى ضرورة وجود الداعمين المؤمنين بالسينما، حيث يبحث عن داعمين لفيلمه الروائي الأول (شجرة الحياة) وهو مشروع إنساني يتحدث عن الهوية البحرينية، كتبه الروائي فريد رمضان. الوطن كان لها هذا اللقاء مع المخرج الشاب، حيث تطرق في الحلقة الأولى منه إلى تجربته السينمائية وعلاقته بكتاب السيناريو والممثلين سواء من جيله أو من خارجه. فإلى هذا اللقاء...

عناصر مكتملة

* فلنبدأ اللقاء معك من الإنجاز الأخير وهو؛ حصول فيلمك القصير (هنا لندن) على الجائزة الثالثة لأفضل فيلم خليجي قصير ضمن جوائز الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي.. أتساءل.. هل يمكن اعتبار منحة (إنجاز) السبب الرئيس لفوز الفيلم؟
- استغرقت في الإعداد لمشروع هنا لندن أكثر من سنة، والعناصر التي تم إعداد فيلم هنا لندن على أساسها كالقصة والمعالجة والسيناريو والرؤية التنفيذية للعمل، كانت أساس حصول الفيلم على المنحة التي بدورها جاءت لتساهم في تطوير الخيارات التقنية للتنفيذ، ودعم جميع العاملين في الفيلم الذين عملوا جميعهم إيماناً بالسينما وحبهم للمشروع، بدون النظر لأي مردود مادي ساهمت فيه المنحة، فعلى سبيل المثال كانت شركة “إلمنتس” بصاحبيها صالح ناس وشاكر بن يحمد مستعدين قبل الحصول على المنحة لدعم الفيلم بكافة طاقة شركتهم، نظراً لاقتناعهم بالمشروع، ولا بد هنا من الاشادة بدور مهرجان الخليج السينمائي، فمن خلاله انطلق مشروع إنجاز لدعم الأفلام الخليجية القصيرة، وهذا المشروع فتح الباب للسينمائيين الخليجين لتطوير الإنتاج، ومن ثم المساهمة في رفع مستوى الأفلام السينمائية الخليجية.

شجرة الحياة

* لكن مشاريعك أغلبها أفلام قصيرة، ألا تفكر في صناعة فيلم روائي طويل؟
- بدأت حالياً الإعداد لخطوة صناعة فيلمي الروائي الطويل بعنوان مبدئي (شجرة الحياة)، بدأت العمل عليه منذ العام 2008 مع الكاتب والروائي فريد رمضان، وهو مشروع إنساني يتحدث عن الهوية البحرينية ويقدم التراث البحريني الموسيقي والأثري، كما يستعرض ويسوق البحرين الحديثه في عدة جوانب مختلفة، وكلي أمل أن يسير حسب الخطة المعدة التي من خلالها سنعمل على أن يمثل الفيلم البحرين في العديد من المحافل السينمائية العالمية، وأن يكون خطوة جديدة ومهمة في صناعة الأفلام السينمائية الطويلة في البحرين والخليج. وقد بدأت في عملية البحث عن جهات تساهم في دعم الفيلم بالبحرين، وحالياً هناك اهتمام بالمشروع من قبل جهة في الإمارات وأخرى في كوريا الجنوبية.

السيناريو أولاً

* وجدناك تستعين بكتّاب سيناريو من خارج جيلك، وممثلين من خارج جيلك أيضاً.. لماذا تركز على خامات من خارج جيلك، ألا تثق بالطاقات الشابة؟
- الموضوع ليس له علاقة بالثقة، ولا بتصنيف الجيل الذي أتفق معه، فأي فيلم سينمائي يتم عرضه على الشاشة، ويسرد قصة، فإنه يحاكي جميع الأجيال والمشاهدين، وليست حكراً على جيل معين، فالسينما في النهاية تقدم فكراً يكون كاتب السيناريو متفق فيه مع المخرج الذي على أساسه ينشىء السيناريو الذي يؤكد بعدها إن كان الكاتب والمخرج متفقين على الأسلوب السردي فيه أم مختلفين، فالاتفاق ينشىء فيلماً، والخلاف قد يوجد له حلولاً أو قد ينهي المشروع، ففي كل فيلم تعاونت به مع كتاب مختلفين بدءاً من الناقد حسن حداد عن نص للشاعر قاسم حداد، والروائي فريد رمضان، والروائي أمين صالح والسيناريست الإماراتي محمد حسن أحمد، وكل كاتب أضاف لي كثيراً من الخبرة والمعرفة، وكل منهم ساهم وبشكل كبير في تطوير وجهة نظري السينمائية والفكرية، وفي النهاية مثلما تعاونت معهم من الممكن أن أتعاون مع كتّاب آخرين بغض النظر عن أي جيل أو فكر ينتمي إليه الكاتب ما دامت أفكارنا ورؤيتنا واضحة.

علاقات متينة

* وهل لديك علاقات تعاون مع جيلك من المخرجين؟
- طبعاً.. إن لي علاقات تعاون مع جميع المخرجين الخليجين عموماً في كافة المجالات، وقد جمع مهرجان الخليج السينمائي بين جميع المخرجين الخليجين حميمية وصداقة، فتحت من خلالها جميع آفاق التعاون في كافة الأعمال، بالإضافة الى قيامي بالعديد من المحاولات لجذب الاهتمام للسينما المحلية من خلال البحث عن موارد للدعم أو مهرجانات لعرض الأفلام المحلية، وأقوم من خلال تواجدي كعضو في مجلس ادارة بنادي البحرين للسينما؛ بترتيب بعض العروض أو البحث عن مؤسسات، للقيام بعمل ورشات عمل تدريبية في صناعة الأفلام وهذه تعتبر من مجالات التعاون.

راوي قصص

* تركيزك على القضايا الاجتماعية أمر يستحق الإكبار، أتجد جميع أبناء جيلك على شاكلتك؟ لماذا لم تركب موجات أخرى؟
- إن لكل مخرج الحق باختيار أسلوبه ومواضيعه، ولا يمكن لأي مخرج أن يقدم عملاً مميزاً ما لم يمس جوهره، فالمخرج أساساً هو راوي قصص، وكل قصة يرويها المخرج باسمه هي جزء من فكره، هويته، شخصيته، همومه وجوهره، وعلى هذا الأساس كل ما قدمته هو نتاج لقناعات وتواصل نفسي وفكري معه، فلا أعارض أي فكرة أو مشروع أجد نفسي متواصلاً معه.

خوف دائم

* هل تشعر أنك امتلكت جميع مفاتيح العمل الإخراج السينمائي؟
- أبداً.. فرغم إخراجي 7 أفلام قصيرة وعدد من المشاريع الأخرى، مع كل مشروع جديد يأتيني احساس بأنني أصنع فيلم الأول، فهناك الخوف والرهبة والأمل. إن الصــــناعة تتطور يوماً بعد يوم، والعمل السنوي والقراءة والمتابعة المتواصلة أحد أهم وسائل مسايرة هذا التطور، والتـــــوقف لمــــــدة سنة عـــــن الإنتاج أو الإخراج قد يؤثر وبشكل كبير على إمكاناتك، مما يؤدي إلى فقدانك للعديد من المميزات أو الأفكار، التي هي جزء رئيس من تطورك كصانع أفلام.

أسماء معدودة

* رغم ريادة البحرين الحضارية والثقافية في الخليج العربي، إلا أن الواقع السينمائي البحريني لا يزال قائماً بطموحه على كاهل أسماء معدودة.. ما هي الأسباب في رأيك؟
- قد يكون ذلك راجعاً لغياب الوعي بتأثير صناعة الأفلام على المجتمع وأهميتها لحفظ التاريخ، وغياب أساسيات بناء القاعدة الأساسية لدعم وتطوير هذه الصناعة هي السبب الأساسي، وغيابها يقودنا أيضاً لغياب تواجد هيئة متخصصة للأفلام، يكون أساس عملها تطوير الصناعة والاهتمام بالمواهب وجذب الاستثمارات العالمية إلى البلد، التي هي متواجدة أساساً في العديد من الدول العربية، وقد بدأت بعض الدول الخليجية في الفترة الأخيرة بتأسيسها مثل هيئة أبوظبي للأفلام ومؤسسة الدوحة للأفلام، وحالياً لا يتواجد في البحرين سوى عدد من المهمومين بحلم صناعة السينما، بعضهم لا يزال متمسكاً بالأمل من خلال الجيل الحالي، وبعضهم ييأس سريعاً ويتوجه إلى قطاع الدراما التلفزيونية لمردودها المالي الجيد، وبعضهم ينظر ويترقب للمستقبل.

صناعة ثقافية

* نجد هوليود وغيرها استثمرت في القطاع الخاص فنجح الإنتاج السينمائي. لكنه هنا لا يحرك ساكناً.. فما علة ذلك؟
- لا يمكننا مقارنة البحرين بهوليوود، فهناك صناعة الأفلام مثل الإنتاج النفطي لدينا، فهو سوق وتجارة واستثمار، بينما في البحرين صناعة السينما ثقافة، وستظل ثقافة وتسجيل للتاريخ وللهوية، وقد تكون الاستثمارات المالية في عدد من الأفلام البحرينية الطويلة التي تم تنفيذها بهدف التجارة، فخرجت للأسف بعيدة عن النجاح المادي والفكري، السبب الرئيس للابتعاد عن الاستثمار في السينما، لكن كلي أمل أن تتغير وجهة النظر ونشهد المردود الثقافي الخاص للسينما، مع أمل بقدرة الجيل الحالي على تقديم صورة مغايرة للماضي.

السينما هوية

* إذا اعترفنا أن السينما البحرينية في أول دروبها، كيف يمكن إقناع رجال الأعمال بدعمها؟
- السينما بالذات هي الواجهة الرئيسة لأي دولة من الدول، فدعم صناعة السينما أو أي عمل سينمائي سيقود إلى دعم صورة البحرين في الخارج من خلال ما سيتم تقديمه من هويتها، صورتها، ثقافتها أو تاريخها. وأعتقد أن كل رجال الأعمال البحرينيين لديهم هذا الهم الخاص بصورة البحرين، كما إن صناعة السينما في الدول الإنتاجية قائمة في الأساس على عنصر التسويق والإعلان من خلال الفيلم الذي يشكل أحد أكبر وأهم وسائل الإعلان في العالم، خصوصاً وأن الفيلم السينمائي يشارك في مهرجانات دولية ويعرض في العديد من الدول حول العالم، بالإضافة إلى الاستمرارية التاريخية له، ما يعني أن أي معلن سيظل إعلانه مودع في التاريخ وليس لوقت معين ومحدد. لذلك أعتقد أن كل ما على رجال الأعمال القيام به هو فتح الباب لاستقبال المشاريع أو مناقشتها، وسيجدون هذا النتاج السينمائي المهم، الذي سيساهم في إيصال صورة البحرين للخارج بأفضل صورة، وسيضعهم في خانة الريادة لدعم هذه الثقافة التي لا بد أن يأتي ذلك اليوم وتجد طريقها كعنصر رئيس في ثقافة البحرين.

صالات العرض

* لكن البحرين لا تمتلك صناعة سينمائية؟
- البحرين تمتلك صالات عرض سينمائية مميزة تتجاوز الـ 50 قاعة عرض، لا يعرض بها أي فيلم بحريني سواء أكان طويلاً أو قصيراً طوال العام.

تؤسس نفسها

* وكيف ترى اهتمام دول الخليج والدول العربية بتجربة البحرين السينمائية؟
- الأفلام البحرينية لا تزال تؤسس نفسها، فلا يوجد هناك استمرارية في الصناعة، على سبيل المثال تجد أن إنتاجنا السنوي 27 فيلماً قصيراً، بينما في أعوام سابقة لا يوجد سوى فيلمين، وبالنسبة للفيلم الروائي الطويل ربما ننتظر أكثر من 10 سنوات لظهور فيلم روائي طويل جديد. هذا التناقض والتباعد في الإنتاج لا يمكن أن يؤسس اهتماماً مثل ما يحدث بخصوص السينما الإماراتية حالياً، التي أصبحت تنتج سنوياً ما يقارب الـ 50 فيلماً قصيراً أغلبها مدعومه من قبل شركات إنتاج أو هيئات رسمية، بالإضافة إلى إنتاج فيلم أو فيلمين روائيين طويلين سنوياً خلال الثلاث سنوات الأخيرة، لكن هذا لا يمنع من أن هناك العديد من الأسماء البحرينية ربما جذبت الاهتمام من خلال الإنتاج المتواصل سواء من خلال إنتاج وإخراج الأفلام أو كتابة السيناريو، بالتعاون مع مخرجين من دول أخرى وهم جزء لا يتجزأ من واجهة صنّاع السينما البحرينيين.

المخرج أولاً

* بوصفك مخرجاً، أترى نفسك القاعدة الأساسية لنجاح الفيلم؟
- أعتقد أن المخرج والسيناريست هما العنصران الرئيسان لفكر العمل، خصوصاً وأن الفكر والمضمون هما القاعدة الأساس لأي عمل، ثم يأتي دور المنتج، وسواء كان عملاً درامياً أو سينمائياً، فإن الممثل عنصر رئيس آخر من عناصر العمل، لكن لا يختلف عن العاملين الآخرين في الفريق من مديري إنتاج، ومديري التصوير وغيرهم من طاقم العمل، سوى كون الممثل هو الصورة الرئيسية وله دور رئيس في التسويق الخاص لأي عمل خصوصاً في فهم الصورة التي يشاهدها المشاهد في الشاشة، وما يحدث خلف هذه الشاشة من طاقة وعمل لا يقل أبداً بأي حال من الأحوال عن ما يقدمه الممثل. ففي السينما قد يكون المخرج حالياً في الواجهة لسبب رئيس يتعلق بغياب صناعة سينما بحرينية، ولا يوجد لدينا أفلام تعرض في صالات العرض المعتادة؛ بل تعرض الأفلام غالباً في المهرجانات السينمائية التي على أساسها يكون المخرج هو الواجهة للفيلم، من خلال تواجده وتقديمه للفيلم وتحاوره مع الجمهور والنقاد.

محمد راشد بوعلي
مخرج سينمائي بحريني يحمل بكالوريوس الحقوق ويعمل بمصرف البحرين المركزي، أخرج وأنتج العديد من الأفلام القصيرة منها: بينهم، من الغرب، غياب، البشارة وكناري. كما نفذ عدداً من المشاريع الفيلمية والوثائقية لعدد من الوزارات والمؤسسات داخل وخارج البحرين من ضمنها مشروع (استرجاع)، حاز على جائزة الأسد الذهبي باسم مملكة البحرين لأفضل مشاركة وطنية بمهرجان البندقية لفن العمارة الدولي لعام 2010، وأخرج فيلماً بعنوان “تحت السماء” بإشراف المخرج السينمائي الكبير عباس كيارستمي في دورة تدريبية العام 2011. شاركت أفلامه في العديد من المهرجانات السينمائية والفعاليات الثقافية في أكثر من 23 دولة، واستطاعت أن تحقق العديد من الجوائز وشهادات التقدير المختلفة.
بوعلي «1-2»: يحكمني السيناريو الجيد والسينما ليست حكراً على جيل معين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى