عبدالسلام شقراوي - "ربط المدرسَة بسوق الشغل" - محاولة فهم -

لا يمكن لأي دولة، بلد أو شعب أن يضع نفسه على سكة التقدم إلا إذا جعل من العلم وسيلته وغايته في الآن نفسه؛ فمردُود العلم يجب أن يتحول إلى رصيدٍ في خدمة تقدم البحث العلمي نفسه. من دون فهم واستيعاب هذه المعادلة والسعي نحو تحقيقها واقعيا من طرف الدول والحكومات لا يمكن تحريك عجلة المجتمع في جميع المجالات.
بالتأكيد، لن يختلف إثنان في القول بأن المدرسة هي البوّابة الكبرى لتحقيق كل تقدم كيفما كان، بالرغم من الأدوار التي يمكن أن تلعبَها في محاولة الحفاظ على الوضع القائم...! لكن، في ظل الأنظمة السياسية الشمولية تلعب المدرسة ذلك الدور بفعالية أكبر؛ خاصة عندما تَخضع السياسة للإقتصاد من أجل بلورة "سياسات تعليمية" تستجيب لمتطلبات أصحاب رؤوس الأموال الذين يسعون إلى مراكمة المزيد منها.
في سياقنا المغربي يمكن أن نفهم ذلك جيّدا وبعمق أكبر، خاصة بعد رفع شعار "ربط المدرسة بسوق الشغل"..! يعكس هذا الشعار مضمونَ "سياسة تعليمية" موجهة أساسا لخدمة السائدين إقتصاديا من جهة أولى، من خلال تكوين يد عاملة رخيصة تقدم خدماتها بمقابل زهيد، بالإضافة إلى أن أولئك السائدين بأموالهم لا يتحملون تكاليف تكوينها... أما من جهة ثانية، وهي الأهم في نظري، فإن السائدين سياسيا بخطاباتهم الديماغوجية التي وُفرت جميع الإمكانيات لتمريرها، إستطاعوا أن يقنعوا جيلاً بكامله بجدوى تلك السياسة...! غير أن "الوهم" الذي يتم التسويق له يخفي حقيقة مفادها أن الطّبقة السائدة سياسيا تريد إنتاج أجيال لا تفكّر، أجيال نمطية تجيد العمل التقني ولا تمتلك من الفكر ما يمكنها من تحليل وفهم واقعها، والموقع الذي تحتله في هذا الواقع.
لقد قيل أن ظاهرة البطالة ستتقلص بفضل هذا التوجه، غير أن ذلك لم يحدث..! فقط، تم إنتاج أجيال بشواهد تقنية/مهنية بدل إنتاج أجيال بشواهد تجعل أصحابها على وعيٍ بواقعم وموقعهم؛ وعيٌ يدفعهم إلى المطالبة بالعدالة والحرية والكرامة. بمعنى أن "الدولة" رهانها، بتبني تلك "السياسة التعليمية"، رهان سياسي بالدرجة الأولى يتحدد أساسا في ضرب ذلك الوعي.
هذا الرهان رافقته إجراءات موازية من أبرزها تفكيك الجامعة المغربية إلى وحدات صغيرة في شكل كليات متعددة التخصصات وملحقات... يمكن نعتها ب "الكليات التأهيلية" على غرار "الثانويات التأهيلية"؛ طبعا ليس بهدف "تقريب الجامعة من الطالب/المواطن" وإنما يرتبط ذلك بالإجهاز على الوعي الذي كانت الجامعة تساهم بشكل كبير في تشكيله داخل ساحاتها ومدرجاتها.
نحن إذن أمام خطة إستراتيجية مدروسة بشكل محكم، نتائجها مضمونة وبالغة الخطورة؛ تقلب الحقائق وترسخ الوهم وتحارب العقل من أجل أهداف "سياسية" ترتبط بفئة ضيقة تمكنت بوسائل مختلفة وعديدة من بسط يدها على الحقلين السياسي والإقتصادي بالمغرب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى