حسن الرموتي - حكمة شهرزاد

حسن الرموتي.jpg


في حديقة القصر و الوقت مساء ، كان شهريار يسير بخطى وئيدة إلى جانب شهرزاد .ريح دافئة تهب على الأشجار فتتمايل الأغصان و كأن يدا حنونا تداعب و تلاعب جسديها فتزيدهما انتعاشا بعد يوم قائظ من أيام فصل الصيف في بغداد العامرة ..كانت شهرزاد في كامل أناقتها ، كاشفة عن صدر مرمري ، و عينين زادهما الكحل جمالا و بهاء .قال شهريار بعد أن استوقف رفيقته المتقنة للفن السرد واضعا كفه على كتفها ثم ملامسا عنقها البض :
- شهرزاد ، بالله عليك كيف استطعت أن تروي كل هذه الحكايا ... و نجوت من السيف و نحن في الليلة الثالثة بعد الألف ، أتعرقين ، هناك شيء لا أعرفه يشدني إليك بغض النظر عن الحكايات التي تتقنينها ، شيء لا تفسير له ، و أنا أعترف لك بذلك ؟
اقتربت شهرزاد ، و نظرت طويلا إلي عينيه و قالت بثقة زائدة :
- لو أعطيتني الآمان يا مولاي أخبرتك .
ابتسم شهريار و وضع كفه الأخرى على كتف شهرزاد و قال :
- لقد مرت ليال طويلة ، و حكايات كثيرة ، لا مجال للانتقام منذ اليوم . احك من أين لك بكل هذه الحكايات أيتها البغدادية ، و لك عشاء فاخر بمطعم من مطاعم شارع أبي نواس أو شارع المتنبي ، الاختيار لك .
قالت شهرزاد و هي تنظر إلى القمر الذي بدا جميلا :
- يا مولاي ،ما أجملهما من شاعرين ...و إن كنت أفضل أبا نواس لأنه كان عاشقا صادقا و لو أدركته لزوّجته بجنان هاته . يا مولاي عندما كان الديك يصيح و أتوقف عن الكلام المباح ، كنت تستغرق في نوم عميق ، فقد كنت أتعمد أن أضع لك قليلا من المخدر في كأس الشراب الأخير الذي تشربه من يدي ّ ، و عندما تنام أذهب إلى عبد من عبيدك و أرقص أمامه شرط أن يحكي لي قصة ، و عندما يتنهي منها أطرده خارج القصر و أعوضه بعبد آخر ..و هكذا طيلة ألف ليلة و ليلة ، وكنت أحذره بعدها، إن تكلم سأقطع رأسه ...ألم تكن يا مولاي تقطع رأس كل عروس كل ليلة ...؟ فهل تلومني إن أنا قطعت رأس كل عبد من هؤلاء ..
وقف شهريار سادرا و قد عقدت الدهشة لسانه كما لو أصابه الخرس ، حين انتبه أن شهرزاد تنتظر منه كلاما أو سؤالا قال : و لماذا فعلت ذلك ؟ هل هو انتقام لبنات جنسك؟
قالت شهرزاد مبتسمة :
- أبدا يا مولاي ، بل انتقاما للحكايات الكامنة عند هؤلاء العبيد ، في دواخلهم ، إن ما يعرفه هؤلاء ، لا يعرفه علية القوم من حاشيتك ، من الوزراء و القواد و المترفين .
فكان لا بد من تدوين هذه الحكايات أولا ، و ثانيا كان عليّ أن اخلص هؤلاء العرائس من سيفك ، و من ذنب لم يرتكبنه ..و ثالثا لأظهر لسموك يا مولاي أنك لن تستطيع أن تهزمنا مهما فعلت و فكرت و نفذت ...
توقف شهريار ، و تأمل الحديقة أمامه ، أحس في أعماقه أنه كان مغفلا لكنه تظاهر بعدم اللامبالاة و قال بهدوء مصطنع :
- ما رأيك لو أعدنا الكرة من جديد ، و أنا من سيحكي لك كل ليلة قصة ..طيلة ألف ليلة و ليلة و نكون متعادلين بذلك ؟ .
قالت شهرزاد بثقة كبيرة :
- طيب ، موافقة يا مولاي ، غدا سنكون مع حكايتك الأولى .
في الليلة الأولى من مغامرته السردية مع شهرزاد ، لم يجد وسيلة سوى اللجوء إلى جارية من جواري القصر كل ليلة عساها تسعفه بالحكاية الأولى ...كما فعلت شهرزاد مع عبيدها ..لكن الجواري كن اختفين جمعيهن ...لا أثر لواحدة منهن ..عاد شهريار خائبا مستسلما وقال بخشوع وقد أدرك لعبتها ، و لكنه لا يستطيع التخلي عنها :
- لك الإمارة ...يا سيدة الحكي ... يا شهرزاد ، سأدون كل الليالي ...تخليدا لك .أما أنا سأعترف أني كنت شاهدا و مستمتعا ...
تقدم شهريار و ضم إليه شهرزاد و راحا في عناق أبدي ...مازال يسيل الكثير من الحكايات .

...

حسن الرموتي
حكمة شهرزاد
تصدر ضمن مجموعة قصصية قريبا ...رؤى أو مجرد هلوسات

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى