علي السباعي - بغداد غريبتنا وغربتنا..

الاحتراق الكامل في مملكة الزاماما

سألتُ نفسي كثيراً بعدما فرغتُ من إنجاز كتابة "احتراق مملكة الزاماما"، ترى هل ابتعدتُ كثيراً عن الواقع؟ أعتقد أن "احتراق مملكة الزاماما" قد ابتعدت كثيراً إلى درجة أنها اصطدمت بالواقع، فأردتُ لها أن تكون هي الواقع، فكانت هي الواقع عينه. الحرب التي هي قدرنا الدائم نمارسه بنشيد للأطفال، "أنا جندي عربي"، سيكون حجم "السلام" الناجم عنها بقدر ما سنشيعه من جثث. التاريخ يستحق أن يُبصق عليه. فرمانات الحجاج هي قوانيننا وقراراتنا الدائمة: "كل من يريد أعضاءه الذكرية يجلب مقابل وزنه ذهباً". ألسنا مستهدفين بقتل فحولتنا حتى تكون الديكتاتوريات هي الفحل الوحيد بيننا؟! إن جياع العالم الثالث يلتهمون القمر. الموتى كثيرون إلى درجة أن هناك درجات شاغرة لخبير في صنع التوابيت. الغريب أن الميت الأهم بين كل الموتى هو فرس شهريار، في حين أن الراوية شهرزاد لا تزال تروي حكاياتها للفحل الأقوى الذي يريق دماً مع كل فجر. أليست مأساة حقيقية أن تكون الحياة محصورة في خيول فائق حسن وفي الخيول الجامحة التي أقسم بها الرب في قرآنه الكريم؟! ما انتفاعنا بالسيف الذي نشهره بدون طعان حين يذهب رأس الجد إلى متحف بريطاني وتموت الحبيبة في قطار انكليزي؟!

الطامة الكبرى أننا نريد أن نبني حضارة من نفايات عفنة، مناصروها هم الفقراء الجائعون. لم يبق للجمال قيمة لأن الأزهار ندوسها بأحذية قديمة. أين هم الرجال حتى تريد قطام أن تحرر النساء منهم؟! لماذا هذا القانون الصارم: الألم قانون الحياة؟! يا للهول! ما الذي يبقى حين تحترق السدرة هذه التي تظلل عرش الرب؟! بعد جماهير الأنبياء والمصلحين والثوار والمناضلين والشهداء الذين أنجبهم آدم، تكون النتيجة أن أسلافه يذهبون إلى الجحيم بلا مغفرة . أما الجدل بين الأضداد في "مومياء البهلول" فهو جدل للتراجع. الجنة والنار والنفط والغذاء والأرض مقابل السلام والبندقية والتعويذة والأصلي والزائف والخير والشر...، كلها تؤدي إلى ميزان بكف واحدة. الجسد هو الذي يتقدم. أما الرأس، وفيه يكمن جوهر الفكر، فينكص إلى الخلف. الخطأ إذاً هو الصحّ، والصحّ يؤدي إلى الانقلاب. فما الفائدة من المقاومة؟!

إنه الاستسلام والعدمية. أين نتلمس الزمان إذاً؟ ومتى يكون المكان في "احتراق مملكة الزاماما"؟ نجد الزمان سرمدياً أبدياً، فهو موغل في القدم إلى زمن آدم، أنكيدو، جلجامش، عتودة، قطام، الإسكندر المقدوني، رمسيس الثاني، قيصر، كليوبترا، وهولاكو. إنه ماثل في الحاضر مع كوفي أنان وشارون وكلينتون ومونيكا وعبدالله أوجلان وهانس فون سبونك وليونيل جوسبان، ويمتد إلى المستقبل بنبوءات العرّافين وتوقعات الأجداد إلى يوم القيامة. إن كليوبترا كانت سبباً في مقتل قيصر، أما المكان فهو سومر وأرض الفراعنة ونيويورك وبيرنا والناصرية، والعالم بأسره.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى