عبد اللطيف الهدار - الأحمر .. فيه ما فيه

مشاهدة المرفق 499
إهداء : إلى كل مغربي لم يتعب
من طرق الأبواب
الموصدة ..

أعرف نفسي ، أنا كما عهدتُني ، لا أنام إلا إذا سكن الليل ،، وحين أنام ، أنام وحيدا ، وعيناي مغمضتان على الخارج ، مفتوحتان على الداخل ..لي عينان سرّ جمالهما في شرودهما ، أو هكذا أخال .. وخاصة حين تكونان حمراوتين بفعل سوء النوم أو قلته ، أو بفعل آخر لا يتعلق بالنوم أو بالصحو .. ومهما كان ، فأنا الآتي من مدن الجمر ، لا بد أن تكون عيناي حمراوتين ..
وأنا بطبعي ، ولا أعرف من أين أتاني هذا الطبع ، أعشق الحمرة ؛ حمرة الشفق ، وحمرة الورد ، وحمرة الخد .. وكل حمرة أنى وُجدت .. وبما أن لكل قاعدة استثناء ، فهناك حمرة أمقتها أشد المقت ، كما يمقت البحر الجيفة المتعفنة . أمقت حمرة الدم المسفوح ..
وأنا المسفوح ابن السفح ، سُفح دمي منذ أن كنت في العدم .. وحين جئت إلى الوجود ، جئت كارها .. جئت أصرخ ، وأصرخ ، وأصرخ ... ولا أكف عن الصراخ .. وقيل لأمي : صراخ الوليد غير عاد .
في الحقيقة لم يكن صراخي صراخا ، بل كان عويلا آتيا من زمن لاحق مترع بالدم المسفوح .. وكان نزيفا قانيا من أرض سيجتها الأسلاك الشائكة ، وكان احتجاجا دون أن أعرف ما معنى الاحتجاج ، أولماذا ؟؟ وطبعا لم يكن احتجاجا مجانيا ، فكل احتجاج لابد أن يكون صادرا عن نقمة أو حنق أوسخط ..
قيل لأمي صراخ الوليد غير عاد .. وفحصوني ، ثم فحصوني ،، وسفحوا دمي للتحليل .. وقالوا : دم فاسد ، وعلى الوليد أن يُفصد باستمرار .. وفصدوني ، ومن يومها صار دمي مسفوحا ، وصرت أكره الدم المسفوح .. وحمرة الدم المسفوح .. وفي المقابل ، عشقت حمرة الشفق والورد والخد حين تفوح
ولم أعشق الجروح
كل جرح يذكرني بدم مسفوح ..
والسفح لي ،، ورأسي المطأطأ دوما ، ذروة شماء ، لا تعاند السماء ، وتكره الغباء .. وأنا الغبي ، في قلبي ورد أحمر لا يراه سواي .. وويلي أستحم فيه وحدي .. ووحدي أنوح ، ووحدي أنتشي في كل حمرة سوى حمرة الدم المسفوح ..
أتذكّر، ذات ليلة حمراء ، حلمت أني غضا طريا ، وأني أتعلم الحبو .. قد تعجبوا ، لا تعجبوا .. أتذكر ذلك الحلم بشكل ناصع لا تشوبه شائبة .. فقد رأيت فيما يرى الرائي ، أني ذات صباح أرجواني ، كنت أحبو وأتعثر ، أتعثر وأحبو .. وفي لحظة ما ، شخصت ببصري إلى الأعلى ، ورأيت على كل باب خرقة حمراء تتوسطها خطوط بديعة خضراء .. كل الخرق كانت تخفق في الهواء ، وفي خفقانها تحدث تموجات ما أبهجها وما أحلاها .. وقتها انشرح صدري ، بهرني الأحمر المتموج ، المرصع بالأخضر البديع .. حاولت أن أعبر عن انشراحي بلساني ، لم يسعفني لساني .. عبرت بقلبي ، فأرتسمت على وجهي ابتسامة انشراح بريئة .. كل ذلك طبعا كان في الحلم .. وفي الحلم صرت أحبو ، وأحبو .. وقلبي الصغير الطاهر يرتسم على مُحيّايَ براءةً وانشراحا .. وحبوا أجري نحو الأبواب التي تعلوها الخرق الحمراء المرصعة بالخطوط الخضراء .. وكلما وصلت إلى باب أرفع يدي ، أحاول أن أقف ، أطاول الباب المسدود ، تخونني رجلاي الغضتان .. أحاول وأحاول ،، أطاول وأطاول .. والخرق الحمراء ترفرف في الأعالي ، ولا أصِل .. والأبواب موصدة ، وبهجة الأحمر لا تفارق وجهي البريء .. وأجري .. حبوا أجري ، من باب إلى باب أجري ، والفرحة على وجهي .. كل ذلك طبعا في الحلم .
يمينا أحبو جريا ، يسارا أجري حبوا .. أطاول ، أرفع يدي ، أرفع قلبي ، وعناي بدهشة قزحية تصبوان إلى الأحمر فوق الأبواب .. والأبواب موصدة .. أسفي كل الأبواب موصدة ، والأحمر المرصع بالأخضر يرفرف هناك في الأعالي .. وأن هنا على الرصيف أحبو ، وأتعثر .. أتعثر وأحبو ، والأبواب لا تفتح للذين يحْبون ويتعثرون .. وأظل أحبو ، والأحمر يرفرف فوق الأبواب ، والأبواب موصدة .. وألهث حبوا ، وأصاب بالدوار،، وأستفيق من الحلم ، وقد فعلتها في الفراش ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى