أحماد بوتالوحت - نزهة خارج المدينة.. قصة قصيرة

في ذلك الزمن البعيد ، الموغل في القدم ، إصطحب درويش إبنه معه خارج المدينة .
كان الأب يلبس جلباباً عتيقا لكنه نظيف وتفوح من نسيجه رائحة الخزامى، و يرتدي قميصاً تقليديا برزت ياقته البيضاء من عنق الجلباب ، أما الإبن فكان يلبس جلباباً على اللحم يصل حتى منتصفي ساقيه النحيلتين كساقي لقلاق لم ير النعمة ، وكان الجلباب نظيفا كجلباب والده ، و الولد ممخطاً ، ومن حين لآخر كان والده يمخطه بمنديل ويطرد عن أنفه الذباب الذي شكل بؤرة حول ثقبيهما ،غير أن الذباب لم يكن راضياً عن الدرويش نظراً لتدخله السافر ودوده عن أنف طفله ومنعه عنهم حتى لا ينكشوا داخله كما شاؤوا.
ـ هل هناك برتقال كثير في الحقول التي نقصدها يا أبي !؟
ـ هناك خير كثيرسنملأ منه السلة التي تحملها ونأكل منه حتى نُتْخَمُ .
ومتى نصل حقول البرتقال ؟
قريباً ، إن لم يعترض طريقنا لصوص .
ـ وهل هناك لصوص في الطريق ؟
اللصوص يا إبني !يوجدون في أي مكان .
ـ وكيف هم اللصوص ؟ فأنا لم أرهم قط ، لكني سمعت عنهم في المسجد من أحد أترابي وقال عنهم أنهم يحملون أكياساً يسندونها على ظهورهم ويدسون أكفهم داخل قفازات مطاطية ويخفون وجوههم خلف أقنعة جلدية.
ـ هذا صحيح يا ولدي ، لكن سيأتي زمن يكون فيه اللصوص أنيقون و مهذبون ، وَسَافِرُو الوجوه لكنهم يختفون خلف قناع الكلام ، يرفلون في الحرير ويدخنون الغلايين ، لكن ليس كالغليون الذي يدخنه خالك والذي يخنقك دخانه ويثير لديك سعالاً مصحوباً بضراط .
ضحك الطفل (ها ها ها ) .
ـ دعنا الآن من اللصوص و لْنَسْترح بعض الوقت و أطرد هذا الذباب اللعين عن أنفك حتى لا ينتزعه منك ، وهذا ما يبدو لي من خلال الكيفية التي يقع بها عليه، و بعد ذلك فكر الدرويش بينه وبين نفسه
<<منذ خلق الله الأنوف ، خلق الذباب وجعل له أجنحة وجعله أكولاً وَ ملحاحاً لا يكف عن الطلب >>
واستمر يفكر في غير الذباب ، وابنه يشكل على قيد خطوة منه حدبة للأرض ( هكذا فكر الطفل ) من الأحجار و يقفز من عليها ويتخطاها .
شيء ما ، قطع تفكير الرجل إذ إنتصب هذا الاخير فجأة و دعا إبنه إليه ثم أجلسه أمامه كأنه يريد أن يحلق له رأسه ، و أخرج من جرابه شريطا من الكتان ، أحاطه حول عيني إبنه .
ـ ماهذا الذي تفعله ، يا أبي !
ـ إني أسمع خطوات لصوص تقترب ، وها أنا أستعد لذبحهم ولا أريد منك أن تشاهد دماءهم فترتعب ، بعد ذلك أخرج الرجل سكينا من جرابه ثم قربها من عنق الطفل دون أن يلمس النصل عنقه .
ـ هل قتلتهم يا أبي ؟
ـ ما زالوا بعيدين عنا .
إنتظر الدرويش إشارة ما تبشره بقدوم الملاك ليزف له البشرى ، لم ينتظر طويلاً ، فسرعان ما ربتت كفٌّ على كتفه ، ودون أن يلتفت خلف ظهره ، قال :
ـ أنا لن أقنع بأقل من كبش كبير يطعم قرية ، وهذا ما إشترطته زوجتي .
ـ آ الشريف !! عن أي كبش تتحدث ؟
ـ هذا ما قلته لك ولن أتراجع عن قولي قيد أنملة .
ـ إلتفِتْ أولاً !
إلتفت الرجل خلفه ، كان الذي يواجهه الآن ، شرطياً من شرط السلطان ، و لا يدري لماذا بدت له رأس هذا الأخير غائبة تكاد تكون في السماء ، ومن على جانب خصره الأيمن تدلت هراوة غليضة . وقف الكلام في حلق الدرويش .
ـ ماذا تفعل أيها السيد؟
ـ ها أنت ترى ما سأفعله بإبني في يوم العيد هذا ، وكنت أنتظر ملاكاً يمدني بكبش للأضحية ويحول دون إراقة دمه .
ـ أيها الشيخ ! ..ستنتظر عبثاً شيئاً لن يأتي ، وإذا أردت التضحية بإبنك ، فانتظر حتى يدبح السلطان أضحيته ثم إفعل ما تؤمر .


أحماد بوتالوحت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى