شهادات خاصة جعفر الديري - إبراهيم بوسعد: تجربتي امتداد للفن التشكيلي العراقي المعاصر.. فن تشكيلي

هناك في دار البارح معرض شخصي جديد بعنوان "موسيقى الوله" للفنان البحريني إبراهيم بوسعد. وهو معرض لا يقف بك عند حدود المفهوم العام للفن وإنما يضفي تصورا مفاده أن الفنون ما برحت في تزاوج وتلاقح. فالفنان إبراهيم بوسعد الذي أثرى مخيلتنا يوما بتجربة "وجوه" مع الشاعر قاسم حداد والفنان خالد الشيخ يعود اليوم ليعزف لنا خلقا جديدا يؤكد فيه أن الفن لم يكن يوما بمعزل عن الفنون الأخرى.
وفي هذا اللقاء الذي تجريه "الوسط" مع الفنان بوسعد مساحة رحبة للحديث عن الكثير من الموضوعات التي تشغل ذهنه وإضاءة على معرضه وعلى رؤاه تجاه الفن والإنسان البحريني... نفرد هنا اللقاء:
* الفنان إبراهيم بوسعد هو أحد فناني العقود الثلاثة الماضية التي شهدت تطورا ملحوظا في حركة الفن التشكيلي وأسهم مساهمة كبيرة في أن تحتل التجارب الفنية مواقع متقدمة في مسيرة الثقافة العربية الحديثة، والسؤال: هل استطاع الفنان إبراهيم بوسعد أن يتكامل والعطاء الثري والمقدر للإنسان البحريني في تفاعله مع المنجز العربي والإنساني والقيم الحضارية في الثقافات المختلفة وأن يخرج بصيغة فنية ذات خصوصية تميزه عن بقية الفنانين البحرينيين؟
- إن قضية التميز والتفرد لا تشكل بالنسبة إلي هاجسا، وإنما هاجسي الحقيقي أجده في البحث عن مشكلات العمل الفني التقنية والفكرية، من أجل الوصول إلى عمل يتوافر فيه التجانس والنضوج، من الناحية الفكرية والتقنية، فأنا أعتقد أن العمل الفني أكبر من أن نحصره في قضية تميز أو تفرد، وخصوصا عندما تقف عند تجربة مستمرة على مدى ثلاثة عقود، إذ إنه بعد هذه التجربة والبحث المستمر تستطيع أن تقدم عملا يقترب من التكامل لأن مخزون الفنان يبدأ بالتبلور على هيئة مادة محسوسة وهي اللوحة.
* وهل يتكئ الفنان بوسعد على تجربة مشرقية سبقته في خوض مغامراته؟
- بداية أنا لا أعتقد بوجود مدرسة شرقية خاصة بالوطن العربي، هناك تجربة لاشك لكن لا يمكن تصنيفها كمدرسة لها خصوصيتها ولها تفردها وأبعادها على طريقة المدارس الأوروبية، فلو قمنا بالتأمل في الفن العربي المعاصر لوجدناه امتدادا للفن التشكيلي الأوروبي، إذ إن غالبية الفنانين الذين بدأوا منذ مرحلة الأربعينات على مستوى الوطن العربي كانوا من خريجي المعاهد الأوروبية، وإذا فقد قاموا بنقل التقنيات والتصورات الأوروبية إلى الوطن العربي بما فيه البحرين، سواء كانون رسامين بشكل متفرع أو كانوا رسامين وأساتذة في الجامعات، فبالتالي لا توجد لدينا خصوصية بالمفهوم المعاصر للفن التشكيلي، ولكن توجد محاولات لإيجاد خصوصية لهذا الفن وأخص هنا التجربة العراقية وجماعة البعد الواحد التي كانت لها تصوراتها بالارتباط بالمحلية العربية، ولكنها لم تتبلور بالشكل الصحيح الذي يمكن أن نطلق عليه صفة المدرسة. والفن التشكيلي في الوطن العربي لايزال في طور البحث والتجريب، ومع وجود فنانين على مستوى رفيع في الوطن العربي يمكنك الشعور بأنهم ربما كونوا نواة لتحقيق توجه خاص بالفن العربي.
* وماذا عن الخروج من التقليدية السياحية إلى عوالم اللوحة المعاصرة؟ هل استطاعت تجربة بوسعد أن تعيد صوغ الرؤية في إطار الفهم الحي للمكان والبيئة وروح الإنسان الذي تحتضنه الميثولوجيا وصراع القدر وخصوصا أننا نعيش في جزيرة بحرية لها خصائص وجودها؟
- إن تجربتي لم تنفصل يوما عن تجربة الإنسان، إذ لا توجد لوحة من أعمالي تخلو من الإنسان، فالهاجس الحقيقي عندي هو الإنسان، سواء كان في ظرف معاناة أو راحة أو جمال، فهمي هو البحث عن الحقيقة من أجل الوصول إلى مشهد إنساني جميل راق - كما ذكرت في بيان المعرض - وهو الجميل الرائع، وتلك فلسفة يونانية قديمة لها رؤيتها في خلق إنسان مثالي روحانيا وجسديا، وهو تصور يبدأ من خلال التركيز على المحيط والواقع، فالفنان لديه مخزون تقني وفكري متى ما تصادم مع شيء محدد في المحيط والواقع خرج وتشكل على هيئة رؤية تشكيلية وهي اللوحة، في ظل عالم منفتح.
* وماذا عن علاقتك بالمدرسة البغدادية؟ هل صحيح أنها مثلت هيمنة على إنتاجك التشكيلي، وخصوصا من الناحية التعبيرية الغرافيكية؟
- أنا اعتبر نفسي امتدادا للفن التشكيلي العراقي المعاصر، فقد تشكلت شخصيتي الفنية والثقافية في العراق، من خلال الاحتكاك بالفنانين العراقيين، والأساتذة أمثال فايق حسن الذي كنت أتعلم على يديه التلوين والتخطيط والرسم، وحافظ الدروبي وفرج عبو وهؤلاء كانوا عمالقة الفن التشكيلي ليس العراقي فحسب بل العربي. أيضا من الناحية البصرية تتلمذت على يد ضياء العزاوي، رافع الناصري، نعمان هادي وشاكر حسن آل سعيد. وهؤلاء الفنانون لا يمكن أن تلغيهم ذاكرتي ويعود لهم الفضل في تكوين كياني الفني.
* يخيل الي وأنا أشاهد لوحاتك وكأنها على ارتباط وثيق بالايقاعات الموسيقية، فهل شكل ذلك بعدا مهما فيها بالنسبة إليك؟
- أنا من محبي آلة العود وأعزف عليها بشكل متقطع، وغالبية لوحاتي يتوافر فيها العود، وهناك مقام موسيقي يسمى مقام الهزام، وهو جميل وعندما تباشر العزف عليه تشعر بعاطفة وحنين وشيء من الوله، وأنا أب لولدين مسافرين هما سعد وحمد، وعندما أبدأ العزف على هذا المقام أشعر بحنين واشتياق إليهما، وعندها تتوافر الموسيقى مع الوله وهو الاشتياق، وعندها تكون لدي عنوان لهذا المعرض وهو "موسيقى الوله" وذلك مرادف فقط لاسم المعرض، لكن البعد الحقيقي للتجربة هو إضفاء صورة واضحة عن الجميل الرائع مع حرصي على عدم تشويه الجسد لكي لا يتحول إلى لوحة ملأها التشظي تسير بها إلى القبح الذي نشاهده في الفضائيات، فالمطلوب الوصول إلى حال تعبيرية تلمس الجانب الروحي وهو الموسيقى التي هي غذاء الروح في محاولة للحفاظ على القيمة الجمالية للجسم البشري.
* التجربة الغنية التي قمت بها مع الشاعر قاسم حداد وخالد الشيخ في "وجوه"، هل هي تعبير عن انعتاق من جذورك إلى سماء العالمية إذ نجد في هذه التجربة ريادة على المستوى المحلي والخليجي؟
- إن معرض وجوه من أجمل التجارب التي خضتها، وخصوصا عندما يتم العمل بين مجموعة تربطها مودة ومحبة وتوافق وانسجام، فهذا الأمر يدفع بالعمل إلى الخروج بشكل رائع متميز. وهي تجربة بدأت بانجاز اللوحات، وكان تصوري هو إلغاء الفراغ بين المتلقي والعمل، وأن يتحسس المتلقي العمل ويدور في فراغاته، إلى جانب تأكيد القماش، فالإنسان يخلق على القماش وينتهي بالقماش، فهو يخلق بالمهد وينتهي بالكفن، فالإنسان لا يمشي عاريا وإنما يفصل القماش على جسم الإنسان، فهناك إذا علاقة حميمية بين الإنسان والقماش. والأمر الثالث المهم هنا هو عملية التقاطع بين الشعر والرسم والخط والموسيقى.
فتجربة "وجوه" وجدت من أجل التعبير عن حال نفسية متجانسة كنت أعيشها مع قاسم وخالد الشيخ. وهي تجربة لاشك أنها شكلت ضجة وصدمة ليس على مستوى البحرين والخليج فحسب، وإنما على مستوى الوطن العربي، وحتى على مستوى بعض دول العالم التي اطلعت على المعرض ولاتزال حتى اليوم تطالب بعرضه.
[SIZE=4]
معرض "موسيقى الوله" تجانس بين الجسد والروح[/SIZE]
العدلية - إبراهيم بوسعد
إن معرض "موسيقى الوله" يجسد مفهوم الرائع والجميل "الجميل الرائع" معتمدا على نظرية الكمال "بمفهوم خلق إنسان مثالي" روحيا وجسديا.
وإن الإنسان محور هذا الكون، وكل المعطيات تشير إلى إيجاد أسس وأطر لتكوين صحيح لهذا المخلوق الذي اؤتمن على نفسه وعلى الكون من حوله.
وهنا يكمن هاجس التشظي الروحي من بعده الجسدي، ذلك أن القتل والإبادة الجماعية والتفنن في إيذاء الروح والجسد بطرق وحشية من صفة الغاب والحيوان وليس من صفة التحضر.
فمن الأجدى إعادة صوغ الأفكار مبنية على فلسفة الجميل الرائع لإعادة الاعتبار للروح والجسد، إذ إن الحفاظ على هيئة البناء والتكوين والاتزان في جميع عناصر اللوحة والمبالغة التعبيرية المحدودة في الجسد لإعطاء تأثير بصري يكون خارج عن المرئي المألوف، مع الحفاظ على مقومات الأبعاد الجمالية للجسم البشري مرتبطا بالموسيقى التي تعتبر غذاء للروح، للوصول إلى حال من التجانس المنطقي بين الجسد والروح.
بوسعد: "موسيقى الوله"... معرض للجميل الرائع غير المتشظي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى