محمد الشرادي - عتبات النص

دشن درس البلوغ الذي قدمته أستاذة الطبيعيات مرحلة جديدة في سلوك هيفاء نحو جسدها.أصبحت أكثر اهتماما بنضوجه، و ما يعتريه من تغيرات. بشغف بالغ، تقيس يوميا انتفاخ نهديها، و اتساع حوضها. و تلقي نظرة متفحصة على زغب إبطيها،و عانتها. كلما ربا جسدها،و اهتز، انبجست مفاتنه. واكب هذا الانفجار الأنثوي ظهور فطنة باهرة.أتاحت لها الحصول على شهادة البكالوريا بأعلى رتبة في تاريخ ثانويتها.
شكلت نباهتها هالة احتجب خلفها جمالها. ولفرط ما انتبهوا لنبوغـها، نسجوا حوله حكايات موغلة في الخيال، تتضايق من سماعها. لأنها كانت تهفو إلى شاب مليح يغازلها... تجلس إلى جانبه على شط البحـر ليقصا عليه أحلامهما، و يحكي لهما هو أساطير الحوريات، و سر افتتان البحارة بهن. و حين يسافر يبعث لها رسائل الغرام مع عودة أول سرب من الطيور المهاجرة.
ولجت باب الجامعة، و قد سكنتها فكرة واحدة، أن تنال الإطراء الذي يبهج قلبها. لكن سوء الطالع مازال يلاحقها، و تجاهل الآخر لأنوثتها هـو لعنتها الأبدية. لم تدرك أنها صارت خارج أسوار الكلية، إلا حين رأته جالسا بباب المنزل. لم يكن مباليا بما يدور حوله. لكنه حين سمع صوت نعلها.رفع عينيه: وجهه صاف...عيناه بنيتان...شعره مصفف بعناية بالغة. شعرت بقلبها يرفرف في صدرها كفراشة جذلى. تلاحقت خطاها، و أنفاسها.سعت جاهدة لتجاهل ملاحظة ثاقبة عنت لها حين تعانقت أعينهما.كانت نظرته باردة،و وجهه محايدا كليا.


عتبة العنوان
اعتدلت جالسة أمام حاسوبها، صانع أنوثتها. متوجهة إليه بالكلام:
- بمساعدتك سأصنع الجمال. سأجعل من وجهي...عنوان جسدي، روضة غناء مترعة بالجمال.
ضغطت على زر التشغيل، و بسرعة البرق، صارت تسبح في بحر مـــن مواقع التجميل.في البدء، اختارت التسريحة المناسبة لشعرها، و لشكـــل وجهها، ثم حددت الألوان التي ستبرز بها مواطن اللذة: عينيها..خديها..
شفتيها.لم يمض وقت طويل حتى قامت تستعرض ما صنع حاسوبها.
انسدل شعرها خلفها كرفل فستان زفاف منسوج من أشعــة الشمس،بينما تدلت نواستها على جبينها لتطل على عينين أرجوانيتين تتفتحان على الأديم الناعم لوجهها العاجي كزهرتي خزامى تفتقتا لتوهما من دم قديم... أطفت على شفتيها مسحة من حمرة خفيفة، ثم طلت فوقهما مادة براقة،فبدا ثغرها كباقة ورد تتلألأ على حمرته حبات الندى.
لم تطف على وجهها مسحة من الجمال فحسب،بل صبت فيه كل أحلامها،ثم انطلقت، و هي تسير بدلال. حذاؤها يصدر وقعا رخيما...التفت صوبها...حدق جهتها لمدة وجيزة جدا، أرسل ضحكة غامضة، ثم أشاح بعينيه بعيدا. لم تصدق ما حصل. أسرعت الخطى كي تبتعد ما أمكن. وعلامات الإحباط، و الارتباك بادية عليها. ثم شرعت تحدث نفسها:
- أي فتى متعجرف هذا الذي ابتليت به. لم يحدق في وجهي أكثر من بضع ثوان، و أرسل ضحكة مفعمة بالسخرية، كأنه رأى مهرجا.

عتبة الغلاف
فتحت باب غرفتها. عالم يغرق في الرمزية...أيقونة قرمزية اللون... مبخرة فضية... صورة رجل مصاب بالعمى...صور رجال آخرين بأقنعة كلاب... ثم حاسوب كتبت فوقـه بخط بارز – حاسوبي صانع أنوثتي-. جلست أمامه و ألقت نظرة متفحصة على مواقع المشاهير و النجوم ، مُثُلها العليا في الأناقة و الجمال. مركزة على عارضات الأزياء اللواتي يشبهنها، في القد، و لون الشعر، و البشرة، و العيون... لتقتبس من أسلوبهن في اللباس ما يناسب جسمها الغض الطري.
مُسْتَرْشِدَة بما قدم لها حاسوبها من نماذج الأناقة،فتحت صوانها، الذي تزخر رفوفه بأصناف الملابس الراقية. جربت العديد من البذل الباهظة الثمن. فاستقر رأيها على أن جسدها العاجي يبدو أكثر أنوثة ولذة في قميص أسود، ينفتح على صدرها، بشكل يتيح لكل متلصص رؤية رافعة نهديها الأرجوانية. ينتهي انسدال القميص عند وركيها تماما. لتبقى تضاريس نصفها الأسفل بارزة من تحت سروال خفيف السواد. في قدميها انتعلت حذاء أسود بدون عقب، يتيح لها مرونة في الحركة.قبل الخروج،وقفت أمام المرآة فزينت أذنيها بقرطين على شكل حلقتين كبيرتين من لجين، وشت حواشيهما من الأسفل خيوط ذهبية تشع على طرفي وجهها فيزداد وسامة و قسامة.
لقد خططت هذه المرة لمباغثته، وجسمها الجميل ينساب نحوه كحلم وردي لم يسبق له أن حلم به في نومه أو في يقظته. مرت أمامه خفيفة رشيقة كقطة فارسية.لم ينتبه لمرورها إطلاقا.ظلت عيناه ملتصقتين بالأرض. شعرت بالمهانة. أحست بتيار بارد يسري في جسمها. تمنت حينها، لو أن جناحين عظيمين ينبتان على ظهرها، لتطير بهما نحو الشمس فتحترق هناك، ثم تعود إلى الأرض رمادا تعصف بها الرياح.

عتبة التجنيس
كلما أوغل في هذا الشيء الذي هو بصدد كتابته، ساورته هواجس تجنيسه. لقد شعر في قرارة نفسه أنه كتب جسدا...جسدا مخادعا...حربائيا، و إن كان بملامح أنثى ، فإنــــه محايـــد تماما. و يتسم بالقدرة على التجلي في هويات متنوعة،و يمتلك من المرونة ما يمكنه من التلبس بملامح متعددة...

عتبة الإهداء
إليك أنت الذي رفعت عينيك إلى وجهي من دون الناس، فهيجت أشواقي...
لقد شغفني طيفك حبا.
لست أدري إن كانت لي في قلبك منازل؟
و لا أريد أن أعرف. إليك سأهدي نسخة معدلة من جسدي...من روحي... أو بالأحرى ما تبقى منهما.

عتبة الاستهلال
جلست أمـــام حاسوبها و هي تردد:
- امنح ذاك الفتى جسدا شبقيا... فاجرا...خليعا. ابدأ بالعنق أول امتداد للوجه، فالصدر، ثم ما تبقى من الجسم.
حلت جيدها البديع بعقد تتوسطه قلادة أرجوانية لتتناغـم و
رافعة الصدر.لكنها، سرعان ما قدرت أن صدرها الباذخ لا يحتاج إلى رافعة، فنهدان يافعان متحرران أحلى و أبهى. كانت ذراعاها مكشوفتين و عليهما تنمو باستحياء شعيرات دقيقة ، تشع تحت الضوء إشعاعا لطيفا، أسبغ عليهما مسحة من النظارة و الجمال. أسفل القميص، ارتدت جبة مخملية تصف بشبقية ردفيها الرشيقين. لاحظت أن الجبة تصل إلى ركبتيها،فرفعتها حتى باتت كل ريح خفيفة تداعبها، يظهر من تحتها تبان وردي أخذ وسطه شكل الأخدود الشهي الذي يحتجب خلفه.
وقفت أمام المرآة لإجراء آخر الترتيبات قبل الاستعراض. فتذكرت أن الرجل كالكلب، لا يقتفى أثر امرأة بدون رائحة. حتى ولو كانت نتنة كالتي تنبعث من المواخير، أو من أسِرَّة الخيانة و الغدر. صبت على قميصها عطرا زكيا، ثم انطلقت. حذاؤها ذو الكعب الطويل يرسل صوتا رخيما.كان هناك، في نفس المكان. يجلس في سكينة كملاك نزل من السماء في مهمة إلهية. وقف و عيناه مصوبتان إلى الجهة التي يتدفق منها شلال العطر. رماها بنظرة ساحرة لكنها هذه المرة واضحة، و معبرة. باذلته بأعذب منها. أفرج عن بسمة هبت عليها نسيما عليلا هيج مشاعرها و رفع من وثيرة الانفعالات في أعماقها. باذلته البسمة بأحلى منها.طفرت من عينيها دموع ساخنة بقيت تتلألأ على أهذاب مقلتيها المليحتين. فكرت في أن ترمي حقيبتها، و تجري نحوه، لتقفز في أحضانه و تمطر عينيه القاتلتين بقبلات حارة...تحفه بذراعيها بكل قوة و لا تتركه أبدا. في تلك اللحظة رأت بيده كيسا أبيض. دس يده بداخله، ليخرج منه شيئا مطويا . سواه بيديه الاثنتين, حتى صار عكازة بيضاء، و سار يتلمس طريقه ليتلاشى في بياض الدروب الملتوية.

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى