سعيد فرحاوي - نورالدين حنيف ينفي حياة في مسعى الى ولادة اخرى بلا خرائط في معنى الغياب.

ما يشدني الى الشعر ويقربني من جنته ، هو السعي الدائم الى جعله من الوجود القريب من التمثلات ، موضوعا لادراكات غائبة في متاهة الموجود، في تفكير الشاعر المشحون برغبات لا حصر لها، في تيه وجدان يسيل بلا توقف ، أسئلة للفراغ في كل حيثيات حياة مرتبكة الى اقصى حدود من الفهم التام والناقص في نفس الوقت.
اقول هذا لأن صديقي نور حنيف أبو شامة، وأنا أمام حضرة واقعه الذي بناه من ورق، وملأ عمقه بعدة مواضيع، في غاية الأهمية ، جعلتني أعيد النظر في نفسي ، قبل أن افهم أغوار نفسه ، لأن ما كتب يعنيني أنا أكثر ما يعني ترتيباته الدقيقة التي كتبها، وغابت عنا نحن معا.
هي قصيدة مربكة لأنها كتبت عن الإرتباكات ، هي مستفزة لأنها قادرة على إخراجنا من صمتنا بصمت رهيب لا نعرف مجراه .
هي كتابة القبض على البرد لصناعة العوالم التي غالبا ما تكلم عنها الفلاسفة ونسجوها في شعرية الجنون، بل ادخلوها في متاهات الوجود المحيط بنا وفينا.
هو رجل ابتدأ خطابه نافيا ، لأنه يعرف أن المعنى الذي كتبه هو مسعى دائم في مخاطية الروح المنعرجة في النفس المتوهجة الغاضبة والرافضة ، او ، ربما ، البحث عن الفكرة التي جعلته يحيا في تيه مجرد ، او التقاط نفس الوهم المغلوط الذي يكتب عن الغياب في الارواح ليملأ الفراغ فيها ، فجاء رافضا منذ انطلاقته
استهل كلامه بنفي غريب يحدد لون السراب فيه ، فكانت الذات هي المنطلق ، ربما المغزى (انا)، باعتبارها موضوعا للادراكات الفارغة فيه، منها وفيها جاء الرفض التام محددا بشكل واضح اسرار لعبته الخفية لكل مجالات الجسد الذي يشكل اساس الدوامات فيه ، فكان الابتهال عشقا للفيض، كما تكلم عنه فراغ الرحلة في اعماق المنفلت السائب فيه ، ليصبح الطقس سلوكا مغايرا ومختلفا ، ربما اختيارا في مسار الاوقات التي يبحث فيها عنه داخل زمن منكسر
في البداية حدده كاسحا ، لانه منبثق من نظرية الفائض المشتت في مساعي الرفض في الذات ، بعدها يفر بطريقته ليدخلنا في جغرافية ما يبغي الاشتغال فيه وعليه، فجاء الزمن الذي بزغ من المساء الكسيح فيه هاربا ، ظهر معريا عن بهاء لون مغاير عن المألوف، جعل فيه محيطا للصبر الممتلئ بريح يحملها سراب جسر منكسر ، فقط ليولد الرجل خارج ظمأ الهواء الذي تنفسه بلا مراضيع ، فتصبح الذات التي كانت سابقا موضوعا للنفي المبهم ، محددة طقوس تحققها وتواجدها ، اختار لها مسكن المواجع ارضا خصبة لكل شغفه في الولادة التي يسعى اخراجها للذة حارقة ، اختار الدموع مطرا يسقي نموه
هنا يصبح البكاء لغة لمواجعه ، محتويا زمنه بتراتبية احترمت حكامة توزيع التقاربات ، كان الصبح متقطعا ، جاء النهار دامعا والليل موجعا والولادة بلا مراضيع ، فلم يبق سوى السراب عنوانا لحياة عمها انسيابه نحو نمو مضطرب ، وعليه كان من الطبيعي ان يمر ممشاه في رحلة اساسها النسيم المنتشي برائحة المراثي والمواجع التي ستبني وطنا على جبين مرور في نهار كليل وليل يتمظهر بصراخ غراب عليل ، فقط لانه مؤمن كما يقول :

موتي قريب ... يبيح المخادع.

فينتهي مرة اخرى بنفس ما ابتدأ به عندما قال :

انا... لا...

أسْلُو جَمِيلاً

( قصيدة من الشعر الحرّ ، اشتغال على وزن المتقارِب )

...
أَنَا ... لا ...
أنَا لا أَفِيضُ ابْتِهالاً
لِطَقْسٍ ... كَسِيحِ الْمَسَاءِ
وَ أَبْغِي اشْتِعالا
لِصُبْحٍ ، سَلِيلِ الْبَهاءِ
بَصِيرٌ ، صَبُورٌ
كَسِيرٌ ، جَسُورٌ
وَلِيدٌ ... بِلا مَرَاضِع
أنَا فِي طُقُوس الْمَواجِع
شَفيفٌ ، شَكُورٌ
بِلا مَراثِي ، تُجِلُّ الْمَدامِع
شَذَانِي نَشِيجٌ
يُبَكِّي الْمَهَاجِع
نَهارِي كَلِيلٌ
لِلَيْلٍ غُرابٍ
جَبِينِي دَلِيلٌ
لِحَقٍّ سَرابٍ
وَ مَوْتي قَرِيبٌ ... يُنِيخُ الْمَخادِع
أَسِيرُ امْتِشاقا
لِرِيحٍ ، سِبَاقا
هَوَتْ عِناقا
أجُرُّ انْتِشائِي
نَسِيماَ رِقاقا
وَأسْلُو جَمِيلاً ، تلُمُّ انْسِيَابِي
أحاجِي الْمَساءِ ... وِفاقاَ ... وِفاقا
...
نون حاء

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى