خيرة جليل - التشكيلية شامة المؤذن

الناقدة التشكيلية خيرة جليل شامة الموذن تجربة تشكيلية ترسم حكايات كفاح ومعاناة المرأة المغربية المثقفة بألوان متمردة على خشبة حالمة



حين قال أبو حامد الغزالي: " من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره ،فهو فاسد المزاج ليس له علاج" فهذا بوح صريح على إدراك جمالية المنظر أو اللحظة والنغم ، وما بعد تحريك المزاج يأتي الإبداع وقد يكون إبداعا نصيا أو فنيا عموما . إن المبدع يبدع غناء أو رقصا أو تشكيلا . مما يحيلنا على الوقوف عن معنى التشكيل كتعبير فني عن الانفعالات النفسية التي ترتبط بالذات المبدعة في حد ذاتها أو المجتمع ككل . من هنا نقول : الفن التشكيلي هو كل شيء يؤخذ من طبيعة الواقع . ويصاغ بصياغة جديدة . أي يشكل تشكيلاً جديداً، وهذا ما نطلق عليه كلمة (التشكيل) . والتشكيلي: هو الفنان الباحث الذي يقوم بصياغة الأشكال .آخذاً مفرداته من محيطه. ولكل إنسان رؤيته ونهجه ، لذا تعددت المعالجات بهذه المواضيع ، مما أضطر الباحثون في مجالات العطاء الفني أن يضعوا هذه النتاجات تحت إطار ( المدارس الفنية). وفي دراستنا لأعمال التشكيلية تكون أول وقفة لنا هي محاولة تصنيف أعمالها في اطار مدرسة فنية معينة.وللوصول لهذا التصنيف أو التبويب لأعمالها وجب علينا الوقوف أما م الإشكاليات التالية : ما هو مسارها الفني التشكيلي ؟ كيف تعاملت مع الألوان من حيث المزج والتركيب و الكتلة اللونية والفضاء والتوزيع فوقه؟ كيف تعاملت مع الضوء ومركز انبعاثه وتوزيعه ؟ كيف كانت ضربات الفرشاة على هذا المنشأ التشكيلي ؟ وما هي النتيجة التشكيلية النهائية كإبداع قائم بحد ذاته ؟ والى أي حد يتوافق منشأها التشكيلي مع مدرسة فنية معينة ؟
الفنانة شامة الموذن فنانة تشكيلية عصامية من مواليد مدينة أسفي ، سيدة تعليم متمكنة وشاعرة مبحرة في بحر الكلمة ومروضة الريشة والخشبة. بدأت كفنانة عصامية لكنها سعت إلى تلقي تكوين مستمر فني ذاتي في المجال التشكيلي ، لكن من خلال دراسة أعمالها المتعددة وعبر مراحل عمرية مختلفة فهي راكمت تجربة تشكيلية عميقة وغنية، كما يظهر تأثرها بالعمل المسرحي وما يحتاجه من تربية فنية لتأثيث فضائه من مرجعية فكرية وفلسفية لتحقيق أهدافه الثقافية والفكرية عامة ، خصوصا في أعمالها بالسنوات الأخيرة سواء من حيث الدوامات اللونية التي تؤثث فضاء لوحاتها أو الألوان المستعملة أو المواضيع التي تعالجها فأين يتجلى ذلك ؟
إذا كان اللون يشكل في اللوحة التشكيلية أساس التعبير لأنها تعتمد على تمييز الأشياء من خلال اللون، وترميز وضع المرسوم، بمعزل عن الحقبة، التي أظهرت في تيارات الرسم الحديث تجارب وأساليب عديدة، فإنه تباين فيها استعمال اللون لدى التشكيلية شامة ليوضح غايتها في إظهار التناقضات الاجتماعية والاكراهات اليومية التي تتعرض لها الأنثى المبدعة خاصة والمرأة الإنسان عامة كموضوع وتيمة لتتجرد من الذات المعذبة وتتحرر كفراشة من يرقتها المغلقة الضيقة نحو الذات الحالمة المبدعة والخلاقة والمتطلعة لغد هو أحسن من الأمس واليوم . وبما أن اللون كان وما يزال في مصلحة ما يُلَوَّن في بنية لوحة الرسام ، فإن مكونات لوحات التشكيلية لدى شامة الموذن تبرز في عناصر أربعة تشكل المَحاور التشكيلية الجمالية لديها ، هي أولا
- الأشكال forms وهي في معظمها أجساد نسائية وأطراف منها مع اختلاف زوايا النظرة كشخوص متمردة وحالمة ومتطلعة ،
- ثم الألوان colors ..... وهذا يحيلنا على عمق ثقافتها المسرحية وتحكمها في حركات ذاتها على الخشبة المسرحية ، فهي تنظر الى الفرشاة كذات متحركة فوق خشبة المسرح والذي هو لوحتها البيضاء التي تسعى الى تفصيل كساءها اللوني كما تكتسي الذات المتحركة فوق خشبة المسرح، فبالإضافة إلى الألوان الأساسية فالتشكيلية تعاملت مع ألوان أخرى امتدت تدريجا بين الغامق والفاتح وهذا راجع الى ثورتها الروحية على العديد من العوائق الفنية والاجتماعية التي تعترض الذات المبدعة في الواقع المحيذ بها الذي يسعى جاهدا الى تكبيل ارادتها بسلاسل وأغلال تربطها بواقع هي غير راضية عنه أصلا....،
- والتكوين composition وتعتمد أحيانا على صباغة الاكريليك على القماش واحيانا على الصباغة الزيتية وأحيانا تبتكر موادها اللونية
- وأخيراً الملمس texture الذي يستثير إدراكاً حسياً لمسياً تارة أملس متجانس مع الانتقالات من شكل إلى آخر وتارة أخرى خشن تظهر فيه النقلة بين شكل أو رمز وأخر على شكل رولييف وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى الانفعالات النفسية للمبدعة في حد ذاتها والى الضربات القوية والعنيفة بالفرشاة والمرتبط بمعانات نفسية داخلية تسعى الفنانة إلى إخراجها في فنها دون أن تثير فضول المتطفلين على حياتها، والهادئة أحيانا أخرى بضربات مسترسلة بسلاسة وببطء ينسجم مع السكينة الروحية التي أفرزتها في لحظة انتشاء فني ونضوج فكري وارتياح ذهني لتعبر عن الرضا الذي يجتاحها وهي تعانق أحلامها لتعبر عن التصالح الكلي مع ذاتها رغما عن ما يحيط بها. كما أن الطلاء اللوني أكسب لوحاتها ثنائية الأبعاد صفة ملموسة تُشكِّل بعدها الثالث مما يجعل لوحاتها تدخل في مرحلة انسيابية فكرية وكأنها تحكي عن الموروث الثقافي للذات المبدعة آو حكاية معاناة يومية لأنثى متمردة على معيقات اجتماعية واقتصادية وفكرية وثقافية. أو تحكي قصة حبكت بدقة متناهية يصعب التمييز فيها بين البداية والنهاية وتظهر العقدة في اطار النسيج الحكائي اللوني لتدرك أن الحل كان هو بداية السرد القصصي التشكيلي في رسم الشخوص التشكيلية نسائية بأوجه مختلفة وملامح متمردة منذ البدائية ، وهذا حكي تشكيلي دائري يصعب التحرر من حبكة التشويق فيه من تلك الرسومات الفنية للتشكيلية التي كلها دائرية الحركة البصرية ففي الوقت الذي تعتقد انك مسكت بخط بداية رسم للشخوص اللوحة ورموزها تدرك انك أمسكت بخط متناهي لتكميل رسمة سابقة تعج بالحركة والانكسارات الخطية والضوئية واللونية . والدوامات اللونية ، فتصبح اللوحة حلقة متداخلة من اللوحات لشخوص متدمرة ومتطلعة وحالمة يصعب التمييز بينها
وبهذا نلاحظ أن مجمل الكُتَل والأشكال والتوازُن والخطوط والإيقاع والألوان والنسيج والضوء والظل عند الفنانة شامة الموذن غنية مما يجعل لوحتها تعج برموز وطلاسم عفوية فتتقاسم الفضاء لكن تجعل منها أنثى متمردة على واقعها المعتم هذا. وفي بعض الأعمال ظلال أشخاص من امتدادات لا متناهية لترسم ذات حالمة بغد أحسن. وعليه فهي تتطلع لرسم هويتها المغربية من خلال استعمال دوامات لونية بالأزرق بجميع درجاته تعبيرا عن دوامات الحياة، أو بصمات يدوية مخضبة باللون متدرجة تمزج بين عدة ألوان جميلة. وهذا في حد ذاته يرجع إلى غنى مخزونها الذهني بهذه الأشكال التي تتردد أمام عينيها يوميا بالدرب آو الحارة أو ببيت وهي طفلة وترددها على مناطق الصناعات الخزفية الرائعة الألوان التي تتميز بها مدينة أسفي. أو قد تكون استمدتها بلعبها بدروب المدينة العتيقة بين دكاكين بيع الزرابي والأواني الفخارية وهي طفلة صغيرة إلى أن أصبحت سيدة راشدة حين تتردد عليها لقضاء أغراضها اليومية آو تتجه نحو عملها اليومي ،مما جعل ذاكرتها مفعمة بالحركية والطاقة الخلاقة التي تمدها بالطاقة اللازمة للانعتاق والتحرر من عبء معاناتها اليومية لتختلط بعبق الأزقة والألوان الحمراء المستمدة من بيئتها المتوسطية الغنية بالضوء والشمس نحو اللانهاية وهذا واضح في أشكالها التي تنبعث من لا شيء وتمتد نحو اللا محدود ،ويظهر ذلك جليا في عملها الذي لا يتخذ خطوط مؤطرة للعمل لتتركه متحررا وسط المنشأ التشكيلي .
كما تسعى جاهدا التشكيلية في كل عمل تشكيلي إلى التغلب على الطبيعة المسطحة للصورة ذات البُعدَين، وتعمل على خلْق الإيهام بوجود عمق أو بُعد ثالث للإطار أو الكادر، وذلك من خلال حسن تنظيم مُكمِّلات المقدمة والوسط والخلفية. وتكمن لدى الفنانة التشكيلية شامة خاصية محور تكوين اللوحة التشكيلية الثابتة لديها في فن رسم السكون بحيث تعتمد على السكون لتفتح الآفاق نحو الحركة اللونية والرمزية فأتت ألوان أعمالها لتتوافق مع ما جاء به دولز فوجدنا أنفسنا نتدرج من مرحلة لونية إلى أخرى كالتالي :
- اللون السطحي للسطوح الواسعة ذات اللون الموحد في الرسم وفي جميع أعمالها هو عبارة عن اللون الرمادي أو اللون الأزرق أو تقاسم بين اللون الأحمر والأزرق الغامقين وما لذلك من رمزية ودلالة نفسية .
• اللون الجوّي الذي يُخصِّب كافة الألوان عادة في أعمالها واللونين الأسود والبنفسجي لرسم الحدود اللامتناهي بين أجساد تؤثث الفضاء التشكيلي ....
• اللون - الحركة الذي ينتقل من درجة لونية إلى أخرى وهنا يظهر تحكم الفنانة في ألوانها بحيث تولد ألوانا متدرجة من كل لون سبق أن أبحرت فيه لتخرج ما بجعبتها لتتماها الأجساد الأنثوية لتظهر أجزاء بارزة من جسدها أو وجوه تتقاسم الفضاء التشكيلي بشكل مفعم بالحركة والانزياح نحو تمثلات ذهنية فريدة من نوعها تحمل بصمتها الشخصية.
فيأتي اللون لدى هذه التشكيلية من حالة الأنثى كما تتصورها كرمز للخصوبة والعطاء و الكرم الروحي وكما تحبها أن تكون. ويبقى الرمز في اللون أيضا حسب حالة المتلقي لأن لكل لون حالة وقصة وحضور في اللوحة وفي الحياة تتناوله حسب مزاج الذات المبدعة و للصورة التشكيلية وتمثلاتها الذهنية لدى المتلقي .
عموما إن التشكيلية من خلال لوحاتها فهي تؤسس لرؤية فنية واضحة لا يهمها قرع طبول الموضة لأنها تطمح لشيء اسمه فن إنساني كوني يتعدى نظرة تنحصر في مدارك ملموسة ومحدودة يفهمون وإنما تحرص على الدقة في عملها وإنتاج مجموعات فنية هادفة وتنظيم معارض تشكيلية تستجيب لطموحها التشكيلي ومشروعها الفني ، خصوصا أن القارئ والمحلل العادي قد يرى أن لوحاتها لا تخضع لأي قانون أكاديمي لكن المتمرس يجزم أنها لا تخرج عن اطار جميع القوانين الفنية بل تنتظم في اطار المدرسة الفطرية لتبصم لنفسها بصمتها الخاصة والتي تميزها عن أعمال فنانين آخرين ، فحين تقف أمام أعمالها أنت تخرج من المجال البصري المرئي اللامتناهي لتغوص في المجال الشعري الحر الانسيابي او الحكي القصصي المسترسل والمشوق فنندمج تلقائيا في مشاهدة لوحات هي جزء من فلم الحياة اليومية مما يولد حالة من التماهي بين المتلقي واللوحة ، وهذا ما فسرته المؤلفة Christine N. Brinckmann حالة التماهي واندماج المشاهد في نوع من المشاركة العاطفية بأنها بشكل عام تلك القدرة على محاكاة التخدير التي تصيب المشاهد ليندمج مع حالة فعل لشخص آخر .
.

- أبو حامد الغزالي إحياء علوم الدين، 2/275
. - جاك فونتاني. سيمياء المرئي. دار الحوار. اللاذقية/سورية. 2013 ترجمة. دز علي اسعد.
- Christine N. Brinckmann . Farbe, Licht, Empathie (Zürcher Filmstudien) Broschiert – 1. März 2013
- L’art vecteur du mieux vivre ensemble
- :1 Rédacteur art: Nadim Rachiq
- Secrétariat rédaction: Fatima Chbibane
- Pluton-Magazine Facebook Page
- La peinture Marocaine au rendez vous de l histoire : Molim Elaroussi et Edmond Amrane ElmalEh : Editions Espace Wafabank. 1989
- Gibert Lascault :Eleiments d un dossier sur le gris in Revue d’Esthetiq 1976 /1.Paris.
- _ René Huythije , Dialogue avec l invisible .Paris 1955.P.131
-
عن الكاتب
خيرة جليل
https://www.facebook.com/khira.jalil
https://www.facebook.com/KhiraJalilArt/
https://www.facebook.com/KlmtWmny/
https://www.facebook.com/%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%DB%8C-%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%DB%8C%D8%A9-101273344766649/

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى