نضال حمد عبدالله - حكــــاية للجميع.. قصة قصيرة

ترجل بحذر عن جواده عندما تهادى الى أذنه صوته وهو يدندن في تلك الغابة المترامية الأطراف..
ضغط بقوة على بندقيته التي يحملها ، فهو يخشى أن يتسلل الجبن إلى قلبه خلسة فيتحول سلاحه الى قطعة حديد جامدة..
راحت أصابعه تتحسس الزناد كأنها غير واثقة من وجوده بينما راحت قطرات العرق تنساب من جبهته لتزحف نحو مساحات وجهه المتوترة..
ترك جواده بعيدا مقتربا من ذلك الصوت - الذي لا يسكت- بخطوات يائسة مرتبكة.
توارى خلف شجرة قريبة ، وأسند جسده المتهالك إليها وراح صوته يحتويه تماما ، فيزيد في شكوكه في مقدور فعل تلك الرصاصة.
تحدث مع نفسه ليمنحها ثباتا تخلى عنها:
- أأخشاه؟؟ لماذا أخشاه وهناك الثروة والجاه والإسم ينتظرني ، والأجر باهض لقاء رصاصة واحدة.. رصاصة واحدة ينتهي كل شيء هنا ، لتبدأ كل الأشياء هناك...
وعاد يتأمله بنظرات طويلة شاردة وكأنه يكلمه وجها لوجه..
كم أحمق أنت عندما تمضي هكذا تكلم الناس عن الظلم و الاستغلال.. ها .. كلمات تقولها تعلمتها من كلاب...
ورجع يحدث نفسه:
لا شك في أن الرصاصة واحدة هنا ستقتل كل الناس هناك..
تنفس الصعداء رافعا بندقيته إلى كتفه بيدين مرتعشتين مصوبا باتجاه ذلك الفم الذي لا يسكت ، بينما راحت سبابته المرتجفة تتلمس الزناد برفق في محولة لائتلافه.
وفي غفلة من الزمن انطلق صوت النار، امتزج على إثره الصدى بأصوات ألم مريرة ، عم بعدها الغابة سكون مهيب سكن هو معها جسدا وحسا ، جامدا ينظر صوب فريسته
قذف البندقية بعيدا مسرعا نحو تلك الجثة التي احتضنتها ارض الغابة الخضراء..
وبينما هو يستكشف ذلك الجسد المتدفق دما ، انتفض فجأة عندما طرق سمعه صوت قريب ، التفت اتجاه صدوره فلمح طيرا منتصبا على غصن متدل فوقه ، انطلق صوب بندقيته بنوبة هيستيرية ، وهم باطلاق النار باتحاهه ، لم يجده...
غرق بعرقه وقلقه مرددا بصوت متقطع :
يجب قثل شاهد جريمتي بأي ثمن، ما العمل ؟ إني لم أميزه.؟
عند الصباح وجدت الجثة وجميع طيور الغابة مقتولة..

4/3/1981

نضال حمد عبالله / بغداد

تعليقات

تعرفت على الأديبة والصديقة العراقية نضال حمد عبدالله ببداية الثمانينات من القرن الماضي.. خريجة كلية التكنولوجيا برمجة كومبيوتر.. وتكتب نصوصا قصصية ناضجة .. كنت اراسل شقيقها مضر حمد السعيد الذي فقد في حرب الخليج الاولى سنة 1983. واستمرت مراسلاتنا حوالي عشرة اعوام.. وقد ارسلا لي بعض النماذج . منها قصائد شعرية ، وهذه القصة القصيرة التي ادرجها للقراء ضمن مختارات الانطولوجيا... وهو ركن خاص للنصوص المختارة الجيدة التي ننتقيها مما ينشر بالنت.
القصة رمزية في مجملها . ملتزمة في موضوعها بالمفهوم الواسع لمغزى الالتزام .. دالة في عنوانها الذي يعني انها موجهة للرأي العام وللجميع ، وتناقش مسألة قمع الراي .. وكبت الحريات، واغتيال الرموز الثورية التواقة للحرية من طرف الأجهزة البوليسية .. وذلك بحس انساني يحس بعذابات المسحوقين، ويستشعر مآسيهم .. و يرمز البهم الطائر الشاهد الرئيس على الجرائم المقترفة .. والقاتل المسخر لطمس معالمها.. نص شائق. بلغة متينة واسلوب جميل به تشويق واشتغال على الرمز
 
أعلى