علوي الهاشمي: الإنسان البحريني نخلة غطيت بلحم ودم.. حوار: جعفر الديري

اختتمت فعاليات الأسبوع الثقافي البيئي «النخلة رمز الحضارات» والذي أقيم بصالة مركز الفنون بمتحف البحرين الوطني في الفترة من 23 الى 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بأمسية شعرية منتخبة للناقد والشاعر البحريني علوي الهاشمي.
ألقى الشاعر مجموعة من قصائدة المنتقاة في النخلة والبحر وهما العنصران اللذان ظلا يشكلان بالنسبة إلى الهاشمي محور اهتمامه. وأطرب الهاشمي الحضور بتلك القطع الشعرية البديعة التي حكت العشق والهيام والأفق المفتوح على مختلف التأويلات والأفكار المتجددة. خصوصا عندما كان يلقي رائعته من ديوان «العصافير وظل النخل» «وان صنت يوما هواك وخنت بلادي، اذبحيني به انني طالع لك من وجع الأرض نخلة عشق طويلة، لك الثمر الحلو مني تهويمة السعفات الظليلة، وفي الأرض ترحل كل جذوري».
«الوسط» التقت بالناقد والشاعر علوي الهاشمي على هامش أمسيته الأخيره وكان لها معه هذا الحوار عن تجربته وتقييمه لهذه الفعاليات الفنية والثقافية.
* هل لنا بداية أن نتعرف على أمسيتك الجديدة هذه الليلة وعلاقتها بالنخلة؟
- ان أجمل ما في هذه الفعالية هو أنها لم تطلب مني جديدا وانما طلبت منتخبات منتقاة كأنما هي دار نشر تطلب مني منتخبات لتنشرها في كتاب. والمنتخب اليوم هو منتخب نقدي. الا أن المنتخب أعجبني أيضا وهما «النخلة و البحر» وهما اللذان يستأثران باهتمامي وهما اللذان يشكلان بالنسبة القانون الأساسي لتجربة الانسان البحريني في كل ميادين الابداع والحياة، فأنا دائما أشبه الانسان البحريني بأنه نخلة غطيت بلحم ودم، وبين النخلة واهابه أمواج البحر وذكرياته فهما كيان معجون داخله يلتقي فيه كيان الأب والأم.

* وكيف تنظر الى مثل هذه الفعاليات التي تجمع بين أكثر من طيف ثقافي وفني؟
- أتصور ان هذه الفعالية تدل على تبلور في الفكر النقدي، فأن تختار قيمة معينة أو مفردة أو عنصر خصوصا عندما يكون هذا العنصر مفتاحاً لتجربة معيشية، حضارية وثقافية مشبعة أو متكاملة كالنخلة والبحر أو كليهما. والنخل والبحر وجهان لعملة واحدة إذ إنك لا تستطيع أن تفصلهما عن بعضهما، فعندما تقوم باختيار هذا الاختيار المفتاحي - ان جاز التعبير- أو الجوهري فأنت تكشف عن تبلور لقراءة فكرية أو نقدية متكاملة، وأنا أتذكر وأنا أحضر هذه الفعاليات المتنوعة التي تتمحور حول النخلة ووجها الآخر البحر أتذكر تجربتي الأولى الفردية في النقد وهي «ما قالته النخلة للبحر» فعندما وردت الى متن كبير في الشعر في البحرين يمتد على ما يقرب من نصف قرن أو أكثر؛ نصوص مختلفة الأشكال والمراحل واللغة كانت المشكلة بالنسبة لي من أين أمسك بطرف الخيط أو ما هو المفتاح الذي أفتح به هذا العالم المتشابك، الى أن هدتني التجربة نفسها بركامها أو بطبقاتها المتراكمة الى مفردة العلاقة بين النخلة والبحر ثم اكتشفت هذه العلاقة المتطورة بين المفردتين. اليوم وبدلا مما كان يقال في الندوات والفعاليات السابقة اذ كان يقال «التجربة الشعرية» أو «التجربة الفنية» وتقدم أي شيء، أصبح اليوم من يقيم هذا النشاط يضع أمامك هذه المفردات أو العناوين. وقد كنت حريصا أن لا يفهم من هذا الاختيار أنه اختيار نخبوي أو يفهم منه الجزئية لأن هذه المفردات ليست جزئية، وانما عنيت أنه عندما تُذكر النخلة رمز الحضارات يُذكر البحر لأنهما أم وأب وهما لم يتطلقا أبدا وظلا متزوجين منذ وجدا في الأسطورة حتى الديلمونية في هذه الأرض المباركة وظلا منجبين مدى التاريخ في كل الحياة والتجارب، فكان حريا بمن أقام النشاط أن يبحث عن عنوان يفرز هذه العلاقة. فعندما تتحدث عن أن النخلة هي أم الحضارات فبالتأكيد أن في داخل كل نخلة بحر وداخل كل امرأة رجل وداخلها هذا التاريخ الخصب والتجارب الحية التي انتجتها النخلة من رحمها الحضاري، فكان بالتأكيد للبحر دور تخصيب هذه النخلة.

* لو تكررت تجربة «ما قالته النخلة للبحر» أكان من الممكن أن تدخل فيها تجربة التصوير الفوتوغرافي، كعنصر مهم في الدراسة نفسها؟
- لقد كتبت هذه التجربة قبل أكثر من ربع قرن من اليوم اذ كانت في العام 1972 والعام 1973 فقبل ثلاثين عاما من اليوم لم تكن العلاقة تبادلية أو مكشوفة بين الفنون كما هي اليوم، ففي الوطن العربي لم يكن هناك الحاح عليها، بينما اليوم أصبحت هذه العلاقة التراسلية بين الفنون مهمة وظهرت أعمال كثيرة تربط بين الموسيقى والغناء والفنون والرسم والمسرح، وهناك أعمال كثيرة منها موجودة لدينا في البحرين، وتجربة وجوه واحدة من هذه الأمثلة، وأنا شخصيا وعندما ألقيت الضوء على تجربة الشعر نفسها بعد أعوام بين درجة الماجستير والدكتوراه التفت بالفعل الى مسألة الفنون وتبادلها.

* هل تجد أن مثقفينا وكتابنا يعانون فعلا من قصور في معرفة الثقافة البصرية والتعامل معها؟
- ان الثقافة البصرية هي ثقافة العصر هذا اليوم، الى الحد الذي أصبحت فيه الأذن تشكو من طغيان ثقافة البصر، فمعظم فنوننا اليوم تقع في هذا الفضاء من تلفزيون وسينما الخ، وهي ثقافة جديدة على الانسان العربي اللهم الا في الشعر وفن الزخارف العربية اذ هي مدخل للفنان الى عالم الحداثة فبالتأكيد أن الدخول اليها أبطأ بكثير من الارث السمعي الذي يغمر كيان الانسان العربي ومنه الفنان في البحرين لذلك نجد أن هذه الفنون تتطور ببطء وليس بالسرعة التي يتطور بها الشعر مثلا، فحتى القصة التي لها جانب لغوي وله علاقة بالسمع، ولكن هذا كله في جانب، والثقافة البصرية في جانب، فالكاميرا مثلا شيء جديد كتصوير والرسم، فما عدا الزخرف والخط فكل شيء في البصري هو فن حديث خصوصا في اتصاله بالتكنولوجيا وأجهزة الاتصال الحديثة.
الهاشمي: الإنسان البحريني نخلة غُطيت بلحم ودم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى