نصيرة تختوخ - ساعي الأحلام

بعد أن انتصف الليل و نام أهالي القرية المتعبون خرج يطوف البيوت بيتا بيتا ينثر على الوسادات مزيجا من أحداث اليوم و الأمس وبعض المنى الملونة، كلٌّ حسب عمره و مزاجه وسعة خياله.
كان ساعي الأحلام كجاسم صانع الخزف يمارس الطقوس ذاتها لكنه يخرج من الدوران و الانحناء ات شكلا جديدا كل مرة , إلا معها هي.
بالقرب من سريرها كان يحضر البحر لا شي آخر غير البحر بزرقته المنعشة وبعض الصخور و بعض النوارس.
كانت تجلس على نفس الصخرة كل ليلة وتستمع لصوت الموج يغدو و يجيء، تغيب خلفه النوارس و تعود لتمشي بالقرب منها دون خوف أو وجل.
في ذلك الصباح استيقظت على صوت ضجيج في الطابق السفلي ، طارت النوارس من حولها و هي تفتح عينيها الناعستين.
الشيخ فواز يقيم مأدبة بمناسبة عودة ابنه المغترب، ذاك الذي كان يقال أنه غادر من أجل تحقيق الأفضل، ذاك الذي كان يحدث أن تسمع جدتها تحكي عن طيبته و أن يشهد والدها بشجاعته و هو من تتعالى الأصوات على ذكره هذا الصباح .
بيت الشيخ رحب،فسيح كسيرة كَرمه يدخله المرء فيشعر بطمأنينة تفتح أزرار الروح و تطرد التشنج والانقباض . جلست مع بنات الشيخ يتسامرن وحين قامت معهن تحمل صحن الحلوى في يدها اصطدمت به يخرج من المطبخ حاملا كوب ماء مالبث كالبحر أن بعثر موجه أمامها و أرسل إليها رذاذه .
بلل كُمَّ ثوبها وانتشر زجاج الكأس من حولها وحطت يده كنورس عليها ماإن لامسها حتى هرب.
'' لم يحدث شيء ' قالتها في ارتباك وانحنت لتجمع زجاجا أبى أن يتركها تلتقطه بيديها الناعمتين.
عادت إلى مكانها بدون نشوتها و ضحكتها وبعد منتصف الليل كان ساعي الأحلام يراها تنقلب يمنة ويسرة و ضوء القمر يفضح دمعات تتلألأ في عينيها.
أبت أن تتناول شاي أمها الساخن وخبزها الصباحي الذي تعودت أن تفرشه بالجبن و العسل ،شربت ماء ا باردا و عادت إلى سريرها .
ساعة الظهيرة باغتتها جدتها وهي تتصبب عرقا في سريرها وجسدها تلهبه حرارة مخيفة.
أفاقت على الصوت ذاته ينتشلها من أمام موج البحر و على النورس الخاطف يلمس يدها الملتهبة ؛ إنه هو ابن الشيخ يضع في فمها ملعقة دواء ويرجوها أن تتجرعها.
نفذت رجاءه وهي تنظر إليه ودموعها تغلبها ، تفيض على يديه فيمتص ملحها وهو في الطريق لبيت والده.
ثلاثة أيام أو أربعة مضت وكانت كافية ليفهم أن المقويات لوحدها لن تخرجها من البحر وأنه قبلها أصيب و الحلوى تتطاير من صحنها على قميصه وتطبع مسائه.
أتى الشيخ وزوجته يطلبان يدها لابنهما وهي تتماثل للشفاء ووجهها الصبوح شاحب كوردة تذبل .
بعد شهر لم يجدها ساعي الأحلام في سريرها، كانت وسادتها الخالية تحمل رائحتها وآثار عبراتها .
في غرفة من غرف المنزل الرحب رآها وعلى ظهرها يد العائد كنورس حط في أمان، أبعد عنها ضوء القمر وعوض أن يُخرج البحر وضع خالا صغيرا على كتفها ورمى برعما ورديا في حلمها ومضى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى