جعفر الديري - تمارين ذهنية عناصرها قهوة وحنّاء ورمل.. فن تشكيلي

[SIZE=6]«تمارين ذهنية»، هو عنوان المعرض الذي أقامته صالة الرواق للفنون التشكيلية مساء الأربعاء 25 فبراير/ شباط الماضي، والذي انصهرت فيه أعمال أربعة فنانين عرب هم: مصطفى علي، عبداللطيف الصمودي، طلال معلا وحكيم الغزالي لتشكل دلالة ذهنية بصرية لتجريب يقصد منه اعادة انتاج المرئي بصور مختلفة يصنعها الاحساس بوجوده.
وليس المقصود من هذه الأعمال - بحسب ما يوضحه الفنانون الأربعة - تمرين العين المبصرة على المشاهدة أو تحسس السطح التصويري أو ادراك الرؤية للمادة الخام بقدر ما تسعى إلى انتاج ثقافة بصرية. فالفنانون الأربعة في محطتهم الأخيرة ضمن جولتهم بهذا المعرض كثيرا ما يستخدمون المواد المتنوعة والمخلوطة والمواد العادية البيئية غير المتوقعة كالشاي والقهوة والحناء والرمل في سعيهم إلى عتق اللوحة من اشتراطاتها التقليدية كاللون مثلا.
نبصر هنا محاولة لتحرير الفن من واقعه الراهن عبر طرح بدائل قادرة على تقريبه من الحياة المتغيرة المتبدلة كي يكون قادرا على الانسجام مع الطرائق والأفكار الجديدة. وما بين شكل وآخر من أشكال اللوحات المعروضة يتحسس المشاهد النخبوي الترابط المنطقي بين هذه الأشكال التي تستبدل صورة اللوحة وتضع مكانها مفهوما آخر في لحظة بصرية. فهذه التمرينات اذا تأخذ بعين المتذوق محاولة الايحاء اليه بأن ما يراه ما هو الا تركيب بصري قابل لاعادة التشكيل والبناء باعتبار أن كل شكل منجز يكون مفتاحا لما يليه من أشكال، باعتبار أن هذه الأشكال وحدة متميزة من وحدات الايقاع التجريبي التي يلجأ اليها المبدع سواء كان نحاتا أو مصورا أو غرافيكيا.
يدرك المتذوق أن الفنانين الأربعة في هذه التجربة المشتركة لا يدعون الى حال انسجام كما يوحي اسم المعرض، وانما يعمدون بالتعبير عن طبيعة الأشكال والمفاهيم المطروحة الى طرح نوع من التضاد والتناقض، كما أنهم يلقون العنان للأدب والشعر خاصة حين يعتبرونه بمنأى عن سلطة اللغة لاعادة بناء المفاهيم والدلالات والقيم الجديدة. ولكننا مع كل ذلك نستطيع أن نلمس العلاقات البصرية لكل فنان على حده.
غنائية الروح ووجدانية التعبير ركيزتان أساسيتان في أعمال عبداللطيف الصمودي ينشيء عليهما لوحاته، فالخط عنده بؤرة تنسج غنائية شعرية كثيرا ما أخذت بالعين الى موروث شرقي واسلامي بسبب ما تتشبع به من جماليات التجريد الروحي، ما يجعلنا نشعر بسلام وانسجام كبيرين، والعلة راجعة الى ميزة الحرف الذي هو بحسب تعبير الصوفيين «مجموعة نقاط انبعثت معا نقطة واحدة لتجسد وحدة الوجود».
وفي أعمال حكيم غزالي نجد الحروفية تمتد الى تقنيات الجدار وجماليته، فهو يستلهم تآكل الحائط، فحتى في وسخ الجدار وفراغاته ما يمكن أن يوحي بفكرة التقشف ذاتها. والخلفيات اللونية الصافية لدى غزالي لا تخرج عن الألوان الباهتة أو السماوية، كما أن الضباب الذي يشيع ويعطي الانطباع بشحوب اللوحة، يرمز الى الخلفية التي وجد الفنان نفسه بها، وهو ما يفسر الشجن والخوف اللذين يؤطران أعماله.
أما مصطفى علي الذي يأتي من مناخ مختلف والذي يشكل الدافع الثقافي أهم مكونات تجربته فيخرج من المادة النحتية سواء كانت برونزا أو حديدا أو طينا أو حجرا، مكونا موضوعا شاعريا أسطوريا، وللأسطورة في فن مصطفى علي مكان مركزي، فهذا التكوين الشاعري يعكس قوة الفنان الحرفية وسعة خياله وثقافته.
ولكننا أمام أعمال طلال معلا نشعر وكأن بياض الدفتر كثيرا ما أغرى الفنان بملء أوراقه رسوما ينفذها باستخدام مواد طبيعية، فهو يحدثنا عن حرارة الأمكنة الغافية في ذاكرته، ومهمته في ايقاظها وبعث الروح فيها.
من المؤكد أن الفنانين الأربعة في معرضهم المشترك بصالة الرواق حاولوا ما استطاعوا ايقاظ حرارة الأمكنة الغافية في الذاكرة، واعادة انتاجها بصورة مختلفة، في ضوء تمارينهم التجريبية المتجهة الى البصر
تمارين ذهنية عناصرها قهوة... حنّاء ورمل [/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى