نقولا الحداد - قصتي يا قوم قصة.. صارت الظبية لصة! - قصة

تزود السيد ف. م بمائة ألف جنيه دولارات وأسترلينات وليرات إيطالية الخ، ومضى إلى معامل سكودا في تشكوسلوفاكيا فابتاع من أدوات التدمير والهلاك ما ثمنه 75 ألف جنيه، وأخذ فاتورة بمائة ألف!

ثم شحن البضاعة في باخرة تمخر نهر الدانوب، وكان على الباخرة أن تقف في تريستا وأنتظر هناك ثلاثة أيام دون أن تصل الباخرة، فلما أستخبر عنها مكتب وكالة الباخرة علم أنها أصيبت بقنبلة من ناحية مجهولة فاخترقتها وتعطلت ولم يستطيع إلا أن تجنح بميناء تريستا. وقد دخلها الماء وابتلعت البضائع فجعل السيد ف. م يستخرج بضاعته الجهنمية من الباخرة ويجففها ويهيئ ما لم يتلف منها للشحن. وبقي هناك أيام مشغولاً بهذا العمل المضني.

وفي ذات يوم بينما كان يتغدى في مطعم فاخر زاخر بالآكلين إذ وقفت أمامه حسناء والتمست منه أن يإذن لها بالجلوس إلى مائدة خالية تجلس إليها. فرحب بها. وولم تنته فترة الغداء حتى صار معرفتين، ثم صارا صديقين. والتقيا مساء في حالة زاهرة باهرة زاخرة بالحضار والراقصين والراقصات. ولم يخرجا من الملهى إلا عاشقين متعانقين.

وقد علم صاحبنا من حسنائه أنها تسمى راحاب رحماني من بيروت وأنها جاءت مع أخيها إلى تريستا في طريقهما إلى ميلانو لعمل تجاري وأنه تركها هناك مؤقتاً فإذا وفق في المهمة التي جاء لها استدعاها وإلا عاد خائباً، وهي في انتظاره أو انتظار خبر منه.

وقبل أن ينتهي صاحبنا من تهيئة بضاعته للشحن توسطت حسناؤه بينه وبين شار لها بثمن مغر. فرفض أن يبيع. ولما كانت مسمسرة في هذه الصفقة وكانت تود أن تتم، بذلت جهدها في إقناعه أن يبيع وأن يعود إلى سكودا فيشتري غيرها. فتردد، وطلب ثمناً أعلى، فلم تتم الصفقة.

ولما رأت الحسناء أنها لن تنجح في هذه السمسرة أشارت عليه أن يشحن بضاعته في باخرة يونانية صغيرة راسية في تريستا، وهي مبحرة إلى بيروت حيث يريد أن يفرغ شحنته فرضي، لأن الأجرة كانت رخيصة. وشحن البضاعة إلى بيروت.

وأخبرته الفتاة بعد ذلك أن أخاها كتب إليها ألا تنتظره، لأنه لم يوفق في مهمته، وأوعز إليها أن تتبعه إلى بيروت. واتفق الحبيبان على أن يسافرا بالطائرة معاً إلى عاصمة لبنان، وهناك ينتظر الباخرة التي تحمل بضاعته الجهنمية.

ولما حان موعد قيام الطائرة كان صاحبنا ينتظر حسناءه في المطار، وإذا هي قادمة تهرول تقول له إنها آسفة أن لا تركب الطائرة لأن جواز سفرها مع أخيها وقد تلفنت له أن يعود إلى تريستا لكي تسافر معه في طائرة أخرى. ووعدت صاحبنا أنه ستلقاه في بيروت وتبادلا العنوانين. وركب الطائرة آسفاً لهذه الخيبة آملاً أن يعوض عنها في بيروت.

وبقي السيد ف. م في بيروت يترقب قدوم الباخرة التي تحمل فوزه بالسلاح المرجو المنتظر بفارغ الصبر وغنم منه عمولة مقداره 25 في المائة. ومضت ثلاثة أيام وهو يسأل عن هذه الباخرة في وكالات البواخر فما وقف على خبر عنها ولا أثر لها.

وما لبث أن علم من أحد معارفه أن محطة الإذاعة في (عزرائيل) تذيع خبراً غريباً كل ساعتين، فأصغى في الميعاد فإذا صوت رخيم يقول: إن دولة عزرائيل تتشكر لحكومة بردي هدية السلاح الفاخرة التي أهدتها إياها؛ وستكافئها عليها خير مكافأة. وراحاب ترجو من صديقها أن يعذرها لأنها لن تتمكن من لقائه في بيروت، وتشكره له ألف شكر إهداءه إياها تذكرة الطائرة من تريستا إلى بيروت وتحسبها من قيمة السمسرة التي كانت تتوقعها من لو تمت صفقة بيع الأسلحة ثم تهنئه بسلامته لأنه لو صحب البضاعة في الباخرة المظنونة يونانية، لغرق هو في البحر وسلمت البضاعة. لذلك أسدت النصح إليه أن يعود إلى بيروت بالطائرة لأن راية عزرائيل التي كانت تخفق فوق الباخرة لم تكن لتحميه!

وهكذا عاد صاحبنا إلى حكومته بالخيبة، ورضي من الغنيمة بالأوبة، والذنب على الحب الذي يرد البصير أعمى والحكيم أحمق، فيضحي بخدمة الأوطان، في سبيل خدمة الأوطان، في سبيل خدمة الحسان!

نقولا الحداد

2ش البورصة الجديدة بالقاهرة


مجلة الرسالة - العدد 814
بتاريخ: 07 - 02 - 1949

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى