عبد القادر وساط ( أبو سلمى ) - من أحلام فرانز كافكا

رأى فرانز كافكا، فيما يرى النائم، أنه يشتغل بشركة هاراكو للتأمين، بشارع نيرودوڤا، بمدينة براغ، وأن المديرة الجديدة للشركة - التي لم يرها بعد - أمرته بالصعود فورا إلى مكتبها بالطابق الثالث.
قبل دخوله المكتب، طلب منه الحارس أن يخلع ملابسه كلها، باستثناء ربطة العنق، وأن يتركها أمام الباب، تنفيذا للأوامر، فامتثلَ في الحال.
فوجئ عند دخوله أنّ المديرة هي فيليسيا باور، البرلينية الحسناء، التي عرفَها قبل سنوات في بيت صديقه ماكس برود، ثم صارت خطيبته فيما بعد، قبل أن يقرر إنهاء علاقته بها بكيفية مفاجئة.
طلبت منه المديرة أن يقترب أكثر، ثم شرعت تحدق بنوع من الفضول في جسده العاري، وعندما حاولَ إخفاء أعضائه الحميمة بيديه، انتهرته وأمرته بلهجة حازمة أن يُبقي يديه خلف ظهره، ثم عادت تحدق في تلك المنطقة من جسده من خلف نظارتيها الطبيتين.
بعد ذلك ناولتْه عددا من جريدة ليدوڤي نوڤيني LIDOVÉ NOVINY، وطلبت منه أن يقرأ ما كُتبَ عنه وعن عشيقته الشابة أمالكا نوڤاكوڤا.
لم يكن باستطاعة كافكا أن يقرأ ذلك المقال دون نظارتيه.
كان قد ترك النظارتين مع ملابسه أمام باب المكتب.
- حسنا إذن، قالت المديرة، يمكنك أن تمضي إلى قاعة الانتظار لتقرأه بإمعان، وأن تلبث هناك حتى يُنادىٰ عليك من جديد.
حين غادرَ المكتب، لم يجد نظارتيه حيث تركهما، ولم يجد ملابسه. سأل الحارس عن سبب ذلك فهز كتفيه بازدراء ولم يجبه.
في قاعة الانتظار، لم يكن هناك كرسي فارغ، فلبث الكاتب التشيكي واقفا وعاريا، وقد ستر أعضاءه الحميمة بجريدة ليدوڤي نوڤيني.
كان هرمان، والد فرانز كافكا، جالسا هو أيضا في تلك القاعة. وكان قد جلبَ معه نافذة ذات مصراعين زجاجيين.
- تبا لهذا الشقي، قال كافكا في قرارة نفسه، لقد اعتراه جنون النوافذ من جديد!
كان الأب يمسك النافذة بكلتا يديه، ويضعها قبالة وجهه، فتارة يفتحها ويطل منها على من حوله، وتارة يغلقها، ويخفي وجهه خلفها، دون أن يتوقف عن شتم ابنه بصوت مسموع:
- أيها المختل! ألا تخجل من وقوفك عاريا في هذه القاعة؟
كان الحاضرون يتابعون ما يحدث دون اهتمام حقيقي.
عاد الأب يقول لابنه:
- ستأتي والدتك جوليا بعد قليل، وكذلك شقيقاتك غابرييلا وڤاليري وأوتيلي، لأن المديرة ترغب في رؤيتهن، فأخبرني أيها المجنون، هل ستقف أمامهن عاريا كما أنتَ الآن؟ حتى تلك الفتاة المسكينة، ابنة الإسكاف لاديسلاڤ،التي حطمت حياتها بأنانيتك، ستَكون بيننا، وكذلك السيدة ميلينا، تلك المرأة الطيبة التي كانت تريد ترجمة كتبك التافهة إلى اللغة التشيكية!
في تلك اللحظة، جاء الحارس ونادى فرانز كافكا كي يعود لمقابلة السيدة المديرة، فامتثل في الحين ومضى مسرعا باتجاه مكتبها، مع أنه لم يقرأ بعد ما جاء في تلك الجريدة.
كان والده يتابع حركاته من خلال النافذة، ويقول لمن حوله:
- ينبغي أن يُطرد هذا الخبيث من شركة التأمين هذه!
وعندما تجاوز فرانز كافكا باب المكتب، لاحظت المديرة أنه يخفي أعضاءه الحميمة بواسطة الجريدة، فانتهرته من جديد.


-----------------------------------------
( من كتاب: النمر العاشب)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى