عبد العزيز الراشدي - هكذا هو السبت، في مدينة بأسُها شديد..

ع العزيز.jpeg

العابرات من عنب إلى عنب، ومن عصيره إلى مائه، جرّبنَ تخمة الحب وتخمة الخيانة ودوخة المساء الأخير، فاكتفين بما تبقى من دخّان وأتقنَت أصابعهن نفضَ الأعقاب بعد تجربة طويلة من النظر في مرايا المحلات.

من شجرة إلى شجرة أوحائط إلى حائط أو مقعد إلى مقعد أو سرير إلى مطبخ، حفاة أو عراة أو نصف هامسات، كما تنتقل الطيور المهاجرة لتعود في شيخوختها إلى المستقرّ الدائم.

برهافة العطر الرخيص، برغبة حارقة في زجاجة الصباح، بأحلام الموسيقى الشعبية، بدلال اللون القمحي الذي سمّرته شمس الصيف الزائل بلا أسف، بالكثير من الأقارب في القرى والمداشر؛ يشحذن أجسادهن للتجربة والمصير. منذ الوزرة القصيرة في تاريخ المدرسة، حتى انطلاق الشعر في آفاقه الرتيبة تحت الدّرج الخفيّ، أو حتى عند قَصَّه، بعد ذلك، للبحث عن منطق جديد للهروب من خيبة الحب، والانتظار الذي أقتَنعت النفس بغزواته الباسلة.

من بداية النصّ، حتى خروج السطر الأخير إلى هامشه، يعبرن العنب وخلاصاته، متيقّنات أن الأقدام مرفوعة، مادام الجيب مشحونا بالمصائر ومادامت العائلة في القرية البعيدة بخير.

مع ذلك، يستمر المشي حثيثا (على الهواء) وينال الزمن حقّه فترتعد الجغرافيا في حافلات المحطة القديمة عند كلّ عيد، ويكتب الشعراء مزيدا من القصائد عن الحب المزيّف، بعد ليلة غلبَ فيها الخيال كلّ منطق أو حذر.

يرتّبن الوجود، يعبرن من منطقة ضوء إلى منطقة عتمة، ومع ذلك تحتفظ الأطراف بعنفوانها وتحمي البسمات الوجنتين فلا يُرى غير بياض يسيرٍ، وشعر منسدل بمشط الكوافير، وكأنّ الزمن لا يفهم المعادلة، أو كأنّ أوهامنا هي التي تبني العالم، فنحن لا نعرف في المرآة ما الذي تغيّر بالضبط إلا بعد أن نصحو من ليل قصير.

الراقصات في مساء السبت يعرفن جيّدا مصير الأوراق التي جاءت بمجدهن، من حركة الولد الجديد على المحلّ ومن ابتسامة المغني الشعبي الجامدة، حين يراقب كلّ منهما غريمه. الولد يشطح مبتسما، حاملا وشاحه (مع أنّ الوقت صيف) وكلما جاءت الأغنية الشعبية، يقفز من جديد ليرمي المال، الذي توزّعه الأيادي السكرانة، في ثقب السبت الآمن.

وهنّ، بنباهة التجربة، يعرفن مصير كلّ شيء في الطاحونة، وحين تتوقّف المتعة عن الجريان، تعرف الواحدة منهن أنّها قد استنفدت كل احتمالاتها، ولم يعد لديها سوى شيخوخة تسكن إليها، وكتاب يتجدّد ويتمجّد فيه ماضيها، سيكتبه الكاتب بعد قليل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى