أدب السجون حلوة زحايكة - في المعتقل

الساعة الرابعة بعد الظهر، اليوم الخميس، موعد زيارة زميلنا راضي الجراعي، المعتقل منذ ستة اشهر، وقد علمنا بأنه تم نقله الى معتقل المسكوبية بالقدس، منذ ثلاثة أسابيع، فذهبت أنا وزميلتي مها وصيفة وحسن أبو حشيش لزيارته قبل أسبوعين، هناك أعداد كبيرة من الأهالي الذين قدموا لزيارة ذويهم، يصطفون بأدوار طويلة ينتظر كل منهم دوره، وملامح التعب واضحة عليهم، بشكل أكبر فنحن في نهاية الشهر الفضيل، هناك شرطيان يجلسان براحة وعلى أقلّ من مهلهما يناديان ذوي المعتقل، ويتفنون باذلال المتواجدين، وعند بدء التسجيل لأسماء المعتقلين تقدمت أسجل أسماءنا، وعندما سألني عن صلة القرابة، قلت له أننا زملاء عمل، فرفض السماح لنا، جلسنا ننتظر حتى نشاهد من نعرفه من الأهالي وجاء لزيارة عزيزه، كانت زوجة فهد الحاج، قد جاءت لزيارة زوجها، لقد تعرفنا عليه لأنه كان يأتي كثيرا لزيارة أصدقائه، الذين أمضى معهم عمرا كاملا في سجون الاحتلال، فراضي، وحسن أبو حشيش قد تم الافراج عنهم في 20/5/1985 في عملية النورس لتبادل الأسرى، التي قام بها أحمد جبريل، وكان حكم كل منهما 25 عاما، تقدمنا منها واخبرناها من نكون، كنا قد احضرنا بعض الفاكهة، وطلبنا منها ان تقوم بادخالها معها الى راضي، وكتبنا أسماءنا على قرون الموز والتفاح والبرتقال، وفي الأسبوع الذي يليه عندما ذهبنا تقدمت لتسجيل أسمائنا، واتفقت مع زميلتي على أن نقول بأن واحدة منا خطيبته والثانية قريبته حتى يسمح لنا، ومع ذلك رفضونا أيضا، عملنا كما بالمرة الأولى، ناولنا الفاكهة الى زوجة فهد لادخالها. أمّا هذا الأسبوع فقد اتفقت مع زميلتي على ان تكون واحدة منا زوجته والثانية اخته، حتى لو سألنا عن الهويات كنا حضرنا كذبة كبيرة، اذا دقق في صلة القرابة أقول: لم أقم بتغير بطاقة هويتي الشخصية من عزباء الى متزوجة، وهي شقيقته بالرضاعة، حتى نستطيع أن نقنعهم بالدخول، تقدمت وسجلت اسمي وصفة القرابة، وافق على ادخالنا، هذه المرة وحسن لم يحضر، قال اذهبا انتما لعل حظكما يكون هذه المرة افضل، نادى علينا الشرطي سرنا خلفه، نحن وزوجة فهد، وصلنا الى الباب الرئيسي بالساحة الخارجية لمبنى المسكوبية، أدخلنا في غرفة صغيرة لا يتجاوز عرضها مترا في مترين، أقفل الباب خلفنا، باب سميك جدا، تقدمت من زميلتي وقلت لها يبدوا أن كذبتنا قد كشفت ولن نخرج من هنا، وهناك كرسي خشبي طويل، ونافذتان على مستوى الشخص وهو جالس، مساحة النافذة تقريبا 50×50سم، عليها شبك حديدي مربع، يفصله عن الطرف الآخر فراغ مسافة متر، ثم يكون هناك أيضا مقابله نافذة بنفس الحجم، جلست زوجة فهد على احدى النوافذ، وجلسنا نحن على نافذة واحدة، جاءا من الداخل، استطاعا ان يريانا قبل أن نراهما، لأنهما تعودا على عتمة المعتقل، بينما نحن لم نتعود بعد لأننا قادمون من النور، ذهل راضي من وجودنا وكيف استطعنا الدخول، صرت أمازحه، وأقول له كيف لا أدخل وأنا زوجتك وتلك أختك، ضحك من قولي وقال تستطيعين فعل أي شيء عندما تصرين عليه، كان سعيدا جدا بوجودنا، فهي المرة الأولى التي يزوره أحد منذ سبعة أشهر، فوالدته امرأة عجوز في السبعين من عمرها، تعرفت عليها، عندما كنا نقوم بزيارتها أنا وزميلتي مها وصيفة وأحكام الدجاني، عندما تحضر الى بيت ابنها في قرية سردة قضاء رام الله، فهي تقطن قضاء نابلس، وشقيقه الآخر يقبع في أحد السجون، انتهت الزيارة سريعا... لم تتجاوز العشرة دقائق، ووعدناه ان نزوره ما دمنا نستطيع، الأسبوع الذي يليه، ذهبنا في نفس الوقت، استخدمنا نفس الكذبة، هذه المرة اخذتنا الشرطية من مكان، آخر، وانا انظر الى زميلتي وأحدثها بلغة العيون، هذه المرة يبدو اننا لن نخرج بتاتا، ولكننا فوجئنا عندما وجدنا راضي يقف خلف الشّبك مباشرة ونستطيع ان نسلم عليه من خلال الشبك باصبع واحد، كنا سعداء أننا رأيناه عن قرب، واطمأنينا على حاله اكثر، لأننا رأيناه بوضوح هذه المرة، وسألنا عن حال صديقه فهد، فقال لنا انه فقد بصره، كان بجواره شرطي، نحن في شهر رمضان، طلب منا أن نحضر لهم في المرة القادمة حبات من القطايف، فقلت له ولا يهمك انت وزملاؤك، ما دمتم هنا سوف نحضر لكم ما تريدون، ولكن للأسف عندما عندنا الخميس الذي يليه لم يكن له زيارة، ولم نعرف السبب، وعدنا نجر اذيال الخيبة من جديد.


حلوة زحايكة - في المعتقل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى