رفعت العلان - «الحذاء».. لفان كوخ

وضع فان كوخ كل إمكانياته التقنية وتجاربه في اللون بلوحة (الحذاء) التي رسمها بأوضاع مختلفة، ليعبر عن بؤس الإنسان إلا انه مرسوم بإتقان وجمالية عالية لدرجة يمكن مقارنتها مع أية لوحة أخرى عن حياة جامدة رسمها فنان من عصر النهضة يتقن صنعته.
في العام 1886 انتقل فان كوخ إلى العاصمة الفرنسية، كان عمره في ذلك الوقت 33 عاما، وكان يتمنّى أن يصبح جزءا من مشهد الفنّ الطليعي في باريس.
رسم هذه اللوحة في محترفه، وفيها يصوّر زوجا من الأحذية القديمة والرثّة.
اثارت هذه اللوحة غضب طبقة المجتمع المسيطر، فهم لم يتعودوا أن يعلقوا في صالوناتهم مثل هذه الأعمال (كطبيعة جامدة) وهم الذين خلقوا بؤس محتذيه، والحذاء قد يكون أحيانا مجرّد وعاء للقدم، لكنه في بعض الحالات يمكن أن يتضمّن الكثير من المعاني والرموز.
في احد الأيّام زار كوخ احد الأسواق الشعبيّة في باريس، وهناك رأى زوجا من الأحذية الخشبية البالية، وقرّر أن يشتريهما واحضرهما معه إلى محترفه في حيّ مونمارتر، وبعد فترة قصيرة قام برسمهما. وسرعان ما أصبح هذان الحذاءان أشهر حذاءين في تاريخ الفنّ الحديث، بالنظر إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه اللوحة في الفلسفة الحديثة وعلاقتها بعالم الأفكار.
لم يكن كوخ يتوقّع أن تثير فردتا حذاء رسمهما في باريس عام 1886م نقاشا فلسفيا ساخنا، وحتّى هذا اليوم ما يزال الفلاسفة ومؤرّخو الفنّ ينظرون إلى هذه اللوحة ويثيرون من خلالها أسئلة تتمحور حول وظيفة الفنّ وطبيعة الأشياء.
كان بدأ الجدل عام 1936 عندما رأى الفيلسوف الألماني مارتن هايديغر اللوحة في معرض بـ أمستردام، وفي ما بعد، تحدّث عنها في مقال حمل عنوان “أصل العمل الفنّي”، وكتب هايدغر وصفا عميقا للوحة كنص فلسفي لا يخلو من نفس شعري حالم، منها: « من خلال الفتحة المظلمة للحذاء البالي تبدأ خطى العامل المتعبة، من الثقل الوعر لزوج الأحذية هناك تراكم في الجرأة؛ جرأة المشي الثقيل في حقل واسع كنسته ريح صريحة، على جلد الحذاء تقبع رطوبة التراب ووفرته تحت النعلين تنزلق وحدة الطريق بينما المساء يتقدم».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى