شهادات خاصة جعفر الديري - أمينة الشيخ: الهاجس الذكوري مازال قائماً في مجتمعاتنا.. حوار مع شاعرة

الشاعرة أمينة الشيخ تبدو من خلال هذا اللقاء شاعرة مثقفة مسكونة بالشعر، شاعرة غير مهادنة ولا مرتكزة إلى جانب من دون آخر وانما هي حرة فيما تعتقد وفيما تطرح وإن كان هم المرأة الشاعرة لديها لا ينفصل عن همها كامرأة، ذلك أنها ترى أن الهاجس الذكوري هاجس لايزال قائماً في مجتمعاتنا في حين أن المرأة تجاوزت هذه الحال واستطاعت العطاء وتلمس الكثير من الموضوعات بكثير من العمق.
والشاعرة أمينة الشيخ تحدثت في هذا اللقاء بكثير من الشفافية والصراحة عن تجربتها وتجربة الشاعرة الشعبية في البحرين وعن الساحة الشعرية والهواجس التي تشغلها وعن أهمية القراءة حين تصبح على رغم الافتتان بها عائقاً أمام انطلاق الشاعر. ومع أمينة الشيخ كان هذا اللقاء...
* بداية حدّثينا عن تجربتك؟
- التجربة لم تتعد الثلاثة أعوام كنت خلالها أراقب ما أكتبه، وطالما أعدت صوغ بعض القصائد والبعض الآخر تبرأت منه ربما لأنه كان مشحوناً بانفعال اللحظة الأمر الذي كشف عن سذاجة كبيرة في بعضها. قرأت لكبار الشعراء في الخليج، وكنت على تواصل مع معظم المطبوعات والمجلات المتخصصة في هذا المجال.
وبصريح العبارة مثل تلك القراءة والتتبّع دفعاني الى أن أتريث في مسألة النشر، ولم يشكل لي أي هاجس، وخصوصاً أن الصفحات وقتها لم تكن مغرية والساحة في حال فوضى ربما تجاوزت ما هي عليه الآن، فيما كثيرون ظلت عملية النشر بالنسبة اليهم هي المحك الأول والأخير، وفي اعتقادي تلك نظرة قاصرة وتفتقد إلى الكثير من الوعي، ما دفع هذه الساحة إلى أن تنوء بعدد من الأسماء التي أصبحت عالة، وبعض القصائد التي أصبحت نسخة مصغرة من «الكباريهات» أو «مشروعات للتهريج».
* تساءل كثيرون عن أمينة الشيخ... هذا الاسم الذي ظهر فجأة في الساحة المحلية... أين كنت طوال هذه الفترة؟
- ربما بدا الاسم مفاجئاً ضمن عملية النشر، ولكن في الأوساط التي اختلط بها أنا حاضرة ولي مشاركات وخصوصاً ضمن نطاق ضيّق تشبه القراءة بصوت عالٍ في غرفة محكمة الإغلاق، اذ الاختبار الحقيقي لايقاع القصيدة وجرس المفردة. ثم ان الساحة وكما أشرت في اجابتي على السؤال السابق لم تكن مغرية بالظهور في ظل خلافات وتكتلات وجبهات متعددة التوجهات، ما يذكر بمشروع حرب أهلية.
* من متابعة لعدد من المقالات التي نشرتها تتضح روح مشاغبة وصدامية... هل تتعمدين التصادم؟ وما مشكلتك مع الساحة الشعرية هنا في البحرين؟
- أنا لا اتعمد التصادم مع أحد، بل هي أوضاع الساحة عموماً ما يبعث على تسجيل موقف وبصوت عال، هناك ما يشبه التورية والمداراة و«الطبطبة» على كتف هذه الساحة، وهي بحاجة الى من يتسلل اليها وهي في عمق نومها ويصرخ بصوت عال جداً لإحداث حال من الفزع لديها فربما تعيد التفكير في تعاطيها مع الأصوات الشعرية هنا، ترضى عن هذا وتسخط على ذاك، تخلع على فلان ما شاءت من الألقاب والصفات وترجم آخر بما أوتيت من مواهب اللعنات. كل ما أسعى اليه هو طرح الحقيقة والرأي والفكرة بعيداً عن التعمد في إثارة المشكلات. باختصار بعض الأصوات في الساحة لا تنمو وإنْ باعاقة الا بافتعال المشكلات والطعن في موهبة هنا والتشكيك في موهبة هناك، وكل ذلك يدل دلالة واضحة على أن الأصوات المقبلة لن يكون حظها أفضل من الأصوات التي كرست نفسها في الساحة، فهناك من يتربص بها وتجده يتخوف بمجرد أن يطل صوت جديد وخصوصاً الصوت النسائي، وكأن في ذلك تهديدا لرجولته.
* اللغة التي تكتبين بها قصيدتك لغة مغايرة... ويمكنني اعتبارها «لغة فيها الكثير من الرجولة» بحدتها... هل أنت أنثى بقلم رجل؟
- اعتقد حتى بعد قرن من الآن سيظل الهاجس «الذكوري» والتعالي يطال كل شيء في مجتمعاتنا العربية، وهنا في الخليج الأمر أكثر حدّة، ويمكن تلمّسه في كل موقع، في العمل في الجامعة في المراكز الدينية في الشارع وحتى في حملات الحج! هذا التمييز والتعالي لا يقره ديننا الحنيف، انما أقرته الثقافة التي هي «بشرية دنيوية» بالدرجة الأولى وبالتالي يظل المزاج مهيمنا على انساق تلك الثقافة. مثل هذا التوصيف أو التحليل الذي يذهب الى أنني أنثى بقلم رجل لا ينفصل عما ذهبت اليه قبل قليل، ويكشف عن اصرار يبدو انه مدروس في تكريس مثل تلك النظرة الى المرأة لمجرد إنها امرأة.
أنا لا أدعي تميزاً في اللغة التي أكتب بها، وانما أسعى إلى أن لا أشبه أحداً، فقط أن أشبه نفسي، أن أجد في اللغة والصورة والمفردة التي أكتب بها شيئاً من ملامحي واشتغالي على المشروع الذي أنا بصدده لم يتأت من فراغ وانما من قراءات متنوعة الكثير منها لا علاقة له بالشعر وهو ما يفتح أفقا رحباً وخصباً للقصيدة وموضوعاتها. وكثيرون هم في الساحة من اتهموا القلم النسائي بالضعف والسطحية ربما لتكرار الأفكار أو لضعف اللغة، أو لأن الساحة لم تستطع أن تفرز أو تنجب أسماء جديدة قادرة على الدخول بقوة في مواجهة حال رجولية ظل الرجل مهيمناً عليها وخصوصاً في الشعر لأكثر من 1500 عام. بينما أرى أن المرأة الشاعرة استطاعت أن تقارب وتتلمس الكثير من الموضوعات والقضايا بكثير من العمق ربما تجاوزت بكثير تلك التي تناولها الرجل ، ثم ان مثل ذلك التصنيف والتمييز على مستوى الشعر يكشف عن مأزق حقيقي يطال الثقافة في مجملها.
* كثيراً ما اطرح هذا السؤال على الشعراء هنا في المملكة بشأن الفجوة الواضحة بين القصيدة المثقفة... والشاعر السطحي... بمعنى أن هناك عمقاً في القصيدة، فيما الشاعر سطحياً حين يواجه في حوار... ما السبب في ذلك؟
- أعتقد أنه آن الأوان لأن نسمي الأشياء بأسمائها... لغة التورية والتحفظ والمجاملة لم تعد تجدي في ساحة تعاني الكثير من الأمراض المزمنة، وهي أمراض يبدو أن لا أمل في الشفاء منها لأنها تطال جانباً أخلاقياً، واستبدت بضحاياها لدرجة انهم فقدوا طريق العودة الى العافية مرة أخرى.
فيما يتعلق بالتشكيك فلست أول ولا آخر من يتعرض له، هناك شاعرات في البحرين تعرضوا لما تعرضت له فقط لأسمي بعضهن: الشاعرة الكبيرة ريمية على رغم تاريخها وحضورها الكبير في الساحة الخليجية تعرضت لمثل ذلك وتجربتي تكاد لا تذكر مقارنة بها، اذ اتهمت أن أحدهم يكتب لها ولم يتحرجوا من ذكر قائمة بأسماء الذين يكتبون لها وإن كان ضمن نطاق ضيّق، كذلك الأمر بالنسبة للشاعرة ظما الوجدان، بعد أن برزت وكان لها حضور في الأوساط الخليجية على رغم أنني لا أعجب بكثير من قصائدها بحكم الفذلكة التي تتعمدها وضمن اطار تقليدي بحت يذكرنا بالشعر قبل 75 و80 عاماً مضت، وامتد الأمر ليشمل حتى الشعراء الشباب عدا عن النساء، هذا الأمر يكشف عما سبق وأكدت عليه عن حال مرضية مستعصية بحاجة إلى مراجعة أكثر من جهة مع ثقتي من ان تدراك مستوى التدهور فيها يبدو بعيد المنال.
الزميل الشاعر جعفر الجمري لمّح في أحد أعمدته وتحديدا في عموده «تحويل المنتديات الى عنابر»، وهو تماماً ما تعرضت له من قبل أحدهم وتم كشف شخصيته من خلال مراقب الموقع، بسبب خلاف بشأن ما يكتب من جهة وأيضاً محاولة لتجاوز أخلاقي بدر منه وتم ايقافه عند حده وهو حق طبيعي لي، فيما يرى انه خلاف ذلك، ما دفعه لمثل ذلك التشكيك، على رغم أنه قبل الخلاف المذكور كان يشيد بالتجربة في صورة بدت مبالغة في بعض الأحيان أما اليوم فرأيه أن أحدهم يكتب لي.
ما أريد الوصول اليه هو انني اشتغل على مشروعي الشعري بعيداً عن كل المهاترات التي تصدر من هذه الساحة، والمشكك المذكور يحتاج الى 20 سنة مقبلة لتحقيق ما حققته في 3 سنوات! وربما من أهم النتائج التي خرجت بها صفحة «تراث» في الـ «الوسط» انها كشفت عن المستوى الفكري والثقافي الذي ظهر به كثير من الشعراء ولا أقول جميعهم، إذا ما استثنينا اللقاء الذي أجري مع الشاعر فيصل الفهد، ربما يكون هو الشاعر الوحيد الذي استطاع أن يقدم قيمة ومستوى يُعتد به، أما الآخرون فكانوا عبارة عن مشروع للثرثرة والارباك والهروب من مضمون السؤال.
هو تماماً ما ذهبت إليه في سؤالك: إن بعض القصائد هنا ذات مستوى ثقافي عالٍ، فيما الشاعر أقل بكثير منها على مستوى رؤيته وادراكه وفهمه لطبيعة التعامل مع العملية الابداعية وما يرتبط بها. ليست القراءة وحدها المسئولة عن هذه السطحية التي يظهر بها بعض شعرائنا، بعضهم يقرأ وربما بإدمان ولكن السؤال هو: ما الذي يقرؤه تحديداً، فنوعية القراءة هي التي تشكل مدارك الشاعر وتوجهه الى ارتياد مجالات وأفكار جديدة في قصائده التي يشتغل عليها. فكم من الشعراء لدينا يقرأون الرواية والقصة والنقد الأدبي ومتابعة المعارض التشكيلية والمسرح والموسيقى، كل تلك الأساليب التعبيرية لها دور كبير في تشكل أي مشروع ابداعي مغاير سواء كان شعراً أو نثراً.
* سؤالي عن مستوى النصوص هنا في البحرين... أريد الاجابة من زاوية النظر اليها بعيداً عن حدودها هنا في البحرين... بل وصولاً إلى الخليج كيف ترينها؟
- أنا لي رأي ربما يبدو مختلفا بعض الشيء. اعتقد أنه - على رغم كل الظروف والاختلافات التي تعانيها الساحة - على الشاعر والشاعرة البحرينية أن يكرّسا حضورهما هنا بالدرجة الأولى ولا يعني ذلك ألا يطل الشاعر أو الشاعرة بين فترة وأخرى على الصحف والمجلات الخليجية فذلك أمر غاية في الأهمية ولكن عليهما أن يثبتا هنا ويأسسا مشروعاً شعرياً يستطيع أن يكون نداً للتجارب الشعرية في دول المنطقة، فحضورنا المتكرر خارج الدائرة لن يضيف إلى الساحات شيئاً هناك مع وجود أسماء كبيرة، على التجارب هنا أن تختمر أولاً وتنضج بما فيه الكفاية، ولدينا من الأسماء من نعتز بهم، لدينا ريم الرفاع، سعد الجميري، إياد المريسي، جعفر الجمري، عيسى السرور، فيصل الفهد، عبدالله حماد، يونس سلمان، فاروق عبداللّه، بدر الدوسري ولحدان الكبيسي وغيرهم.
أمينة الشيخ: بعض القصائد نسخة مصغرة من «الكباريهات»!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى