حسين راشد الصباغ: رحلتي الدبلوماسية منفذ للتراث والحضارة.. حوار مع دبلوماسي عربي - أجراه: جعفر الديري

من بيروت الى طهران الى نيويورك الى بكين الى تونس. خمس مراحل دبلوماسية عبرها السفير البحريني المخضرم حسين راشد الصباغ. الرجل الذي نشأ في أزقة المحرق وانفتحت مداركه في جمهورية مصر العربية ابان الدراسة على هذا العالم الواسع الأرجاء.
هو سفير مختلف فحين اختار أن يكون اعلاميا ودبلوماسيا بحرينيا اختار أن تكون تلك الرحلة بمثابة الحياة التي تتجدد مع كل بلد. فهو يلخص ما خرج به من تلك الرحلة الغنية بقوله "لقد خرجت بتجربة تراثية وحضارية عظيمة فليس من السهل أبدا أن تعيش في مدن خمس وتتشرب تراثها وثقافتها".
ذلك التراث وتلك الثقافة جديرة بالتأمل لذلك أصدر الصباغ كتابه الجديد "سفير عربي في الصين - يوميات ومشاهدات" وهو يحكي ما تركته الصين هذا العملاق الاقتصادي وما تركه أهله في نفسه من خواطر وأفكار.
وفي هذا اللقاء الذي نجريه مع السفير السابق نفتح دفتر ذكرياته تلك مع اهتمام خاص بالأوراق التي تتحدث عن تجربته الغنية في الصين.. فإلى هذا اللقاء..

* هل لنا - بداية - باطلالة على تاريخك الدبلوماسي؟
- مع نهاية العام 1976 التحقت بوزارة الخارجية، وفي يناير/ كانون الثاني من العام 1977 ذهبت الى بيروت بصفتي رئيس بعثة بحرينية وكان ذلك أول منصب دبلوماسي قمت به وكان معي الأخوان يعقوب يوسف ومكي سرحان وكانت فترة الذهاب الى بيروت فترة محفوفة بالمخاطر، فالحرب الأهلية في بيروت بدأت في العام 1975 وفي العام 1976 دخلت قوات الردع التي تقودها القوات السورية وقد دخلت هذه القوات لبنان بقرار من القمة العربية في القاهرة في العام 1976 وعندما دخلت هذه القوات بيروت استتب الأمن، ولكن الأعوام الثلاثة التي قضيتها في بيروت كانت مرحلة صعبة من حياتي اذ كان هناك تبادل دائم لاطلاق النار وقد التقيت هناك الرئيس ياسر عرفات رحمه الله وفاروق قدومي والرعيل الأول الذي أسس حركة فتح والتقيت أيضا السيد موسى الصدر والشيخ شمس الدين ولكن عندما نترك الحديث عن الجانب السياسي في بيروت جانبا فان بيروت كانت غنية بتراثها الثقافي وكنت ملتزما بالذهاب الى صحيفة "النهار" يوميا وقد جمعتني برئيس تحريرها غسان تويني علاقة محمودة الى جانب بعض كتابها كميشال أبوجودة.
تلك كانت المرحلة الأولى أما المرحلة الثانية فكانت في طهران في سبتمبر/ أيلول منذ العام 1979 حتى نهاية العام 1982 وكانت أصعب من الأولى، ولكن الفرق بين ايران ولبنان أن لبنان لم تكن به حكومة مركزية على عكس ايران، أما المرحلة الثالثة فبدأت من العام 1982 حتى 1987 حين كنت مندوبا دائما عن البحرين في الأمم المتحدة والواقع أنني استفدت كثيرا من هذه المرحلة فعدا عن الكلام عن مكتبة نيويورك ومكتبة الكونغرس فقد كانت مرحلة ذات تأثير كبير في حياتي وخصوصا أنني عملت فيها في الحقلين الاعلامي والثقافي أما المرحلة الرابعة فكانت في الصين والخامسة كانت في تونس بين العام 1997 حتى العام 2001 إذ شدتني في تونس الثقافة الجيدة والتعليم الجامعي الجيد الذي يولد القراءة الجيدة، وقد سعدت كثيرا في تونس بالدعوات التي كانت توجه الى المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري، إذ إن في ذلك نوعا من التكريم.

الصين ذات خصوصية

* ولماذا هذا الكتاب الذي يعنى بتجربتك في الصين بالذات؟
- لقد ذهبت الى الصين في سبتمبر/ أيلول 1989 ولم أجد فيها أي "سوبر ماركت" والحليب المبستر الذي تجده في البحرين منذ العام 1979 لم يكن يوجد في الصين، ولكن ما ان هل العام 1990 حتى وجدت في الصين الطرق العظيمة بمساراتها الأربعة والمجمعات الكبيرة، فقد بدأت الصين تغزو العالم بصناعاتها العظيمة، وتحول هذا البلد الى عملاق اقتصادي، وتحولت بكين إلى عاصمة رأسمالية خلال عامين. وقد كنت أول سفير في الصين اذ فتحنا أول سفارة للبحرين في الصين في ديسمبر كانون الأول من العالم 1989 فما إن هلت علينا الأعوام ،90 ،91 92 الا والصين عملاق اقتصادي. وهذا ما حدا بي الى تقديم هذا الكتاب قبل غيره. فقد ازداد انتاج النمو المحلي بشكل مخيف.
من الأمور التي لفتت نظري مثلا أن الصين بها عجز تجاري مع أميركا لمصلحة الصين يصل الى عشرين مليار دولار وحجم التجارة يصل الى فوق المئة مليون دولار. هذا فقط مع الولايات المتحدة الأميركية، وعجز تجاري مع جميع الدول الأخرى ولذلك حرصت على كتابة هذا الكتاب الذي أتصوره مهما.
وكتبت في مقدمة الكتاب أنني عندما كنت طالبا في ابتدائية المحرق تذكرت في مقرر القراءة الرشيدة صورة طفل يقرأ في كتاب ورأسه معقوف الى الكرسي بخيط بحيث إنه كلما تعب وغفت عيناه جذبه ذلك الخيط الى الكرسي وكلها ارهاصات جعلتني أهتم مبكرا بهذا البلد الكبير.

عملاق اقتصادي

* وما أسباب هذا الاهتمام بالصين؟ هل السبب راجع الى كونه عملاقا اقتصاديا؟
- إن الاقتصاد شيء مهم للغاية، ولو نظرنا الى الصين لوجدنا فيها ألفا وثلاثمئة مليون نسمة. ومع ذلك كان هناك استثمار للأيدي فيها، فالصين تطعم شعبها وتكسوه فمن ملاحظاتي مثلا أن الصينيين لا يمدون أيديهم الى أحد مع المشكلات الكبيرة التي تعترضهم، اذ تحدث لديهم فيضانات رهيبة مدمرة وفيضانات وأعاصير، ولكنهم لا يطلبون العون من أحد.
قارن مثلا بين الهند كنظام ديمقراطي وبين الصين، ستجد أن هناك اعتزازا كبيرا بالقومية الصينية بدليل أنك عندما تلتقي أحد الصينيين في الخارج ستجده يقول إنه يعتز بالنظام الصيني وعندما تقول له إن ذلك النظام نظام شيوعي وأنت رجل رأسمالي يرد بالقول إن هذا النظام الشيوعي أنجز الكثير فأنا اليوم في أميركا وساكن في نيويورك وأستعمل الأحذية والملابس والألعاب الصينية بحسب المواصفات الأميركية والأوروبية في الصناعة وأرخص من غيرها. فكيف لا أعتز بذلك.

* وما الصورة التي لاتزال عالقة بذهنك عن هذا البلد العريق؟
- العمل والطاعة والانضباط واطعام الناس، فأنا لا يهمني من يحكم هؤلاء الناس ولكن ما يهمني أن هذا الصيني هو مرفوع الهامة وهذا ما لمسته بنفسي وكدليل على ذلك أتذكر أن امرأة صينية كانت تعمل في سفارتنا في الصين وكان أن حدث أن هذه المرأة أنجبت والقانون بحسب البحرين كان يعطي خمسة وأربعين يوما اجازة للولادة ولكن مضت الخمسة والاربعون يوما ولم تعد الى عملها وحينما سألناها قالت إن هناك مرسوما صينيا يعطي المنجبة ثلاثة شهور اجازة وبعد اللتيا والتي وبعد تدوير الأمر استطعنا الخروج معها بحل وسط.

المهم هو الاستفادة

* هل وجدت ما يجمع بين الصين والبحرين؟
- نحن كدول في مجلس التعاون حاولنا التعاون مع الصين في المجال الاقتصادي، ولكن المهم هنا هو الاستفادة مما حققه الصينيون في مجال الاستثمار ولكن ليس على ظهور الأجانب وانما هذا المواطن البحريني والخليجي يستفيد. فمثلا عندما قام سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة بزيارتنا في الصين في العام 1990 قبل احتلال الكويت أعجب بالكمبيوتر وبتلك العمارة من أربعين دورا، إذ كان الصينيون يجمعون الكمبيوتر والآلة الحاسبة والسؤال لماذا لا تكون لنا صناعاتنا البسيطة التحويلية.
الصباغ: رحلتي الدبلوماسية منفذ للتراث والحضارة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى