عبداللطيف بنيحيى - لِطنجةَ عادتُها..

لم أعرف شخصا في حياتي، يحمل في قلبه حبا لطنجة وحسرة عليها مثل خاي احمد أَوْ أَوْ، وكنت أستغرب كيف ظل إلى حين رحيله يجهر لمن يطمئن إليه بأن الحال سيصير غير الحال، وأن هجوما كاسحا قد حان إليها وعليها لرهط المجانين والمعتوهين والمشردين والعاهرات من كل حدب وصوب والمجرمين والنشالين والنصابين والوافدين من كل مداشر الوسط والجنوب وما بينهما بحثا عن وسيلة لعبور البحر من جحيم إلى (نعيم) ..ومن جحيم إلى رصاص حي، والخارجون عن القانون و (الدَّاخلون) فيه بالعرض وبالطول.
وكان عندما يحدثني عن هذا المآل يحشو شقف سْبْسِيِّه بالكِيف من مَطْوِيِّه الجلدي العتيق..ويأخذ نفَسا عميقا، ثم يَتوتُ بمهارة ويردد بصوته الواهن أغنية لا أعلم لحد الآن مصدرها:
-- مْشَى مْسْيو جانو وجانا سِيدي جاني
ادَّا لْحَمُّو حْمارتو..خْطْفْ لِيَ جْناني
هاداك..هاداك..مْنْ كْساتي عَرَّاني
وهاداك ف الزُّوبْيا دْلاني..
وهاد الدنيا شحال تْقْلبت
ولَّى المسلم كْفَرْ من النصراني.
ولم أنصرف من زيارتي لقبره الراقد تحت أغصان صفصافة عجوز، حتى نثرت عليه غُصَينات الريحان وأنا أودعه بصوت متهدج..الله يرحمك يالحبيب.
مرت الآن بالتمام والكمال أربعون سنة على رحيل الرَّائي الحكيم خاي احمد أَوْ أَوْ، وقد أحسست به عندما زرت قبره في مقبرة سيدي المختار على مشارف المرتفع الصخري المطل على مرقالة..أحسست به يهمس لي من تحت التراب : ماشي أُولْتالْءْ..اللِّي أُولْتْلْءْ هُوَ اللِّي آيْنْ.
وكم كان يطلب مني وأنا في بداية محاولاتي الشعرية الأولى أن أكتب عن معشوقته طنجة فلم أتمكن..والآن بعد رحيله أنصاع لرغبته ورغبتي في الآن نفسه:
ولِيَ الجنون حين أمارس فيها غوايتي
مثلا: أُسَمِّي الشارع الرسميَ سوقا للمؤخراتww ..والمستعملة
والمُتَأَنِّقين في المقاهي..خنازيرَ أو سَفَلة
ونهد مريمَ المشاعَ..رمانة في مزبلة
والبحرَ عاشقا لِنَورسةِِ معتقلة
هكذا أحبك
وأشتهي فيك الذي لا أشتهي
عطشي يجرني إلى رماد جمرتك
وشهوتي لا تنتهي..
لطنجةَ عشاقُها..
اللقطاءُ وبائعو السجائر بالتقسيط
والجاريات المتبركات بدولار قريشِِ..وما أدراك ما قريش
والعاهرات المتقاعدات بالكامل أو بالنسبي
والخارجون عن القانون..والداخلون فيه
وأنا
ياليلُ يا عيْنُ وياجرحا تَوَرَّمَ في الرئة
كيف عليَّ أن أحبكِ دون أن أقرأ في طوق الحمام
ودون أقراص مهدِّئة
عارية كسفرجلة
وجارحة كَمُدْيةِِ صدئة.



* عبداللطيف بنيحيى
اعلامي وشاعر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى