أدب السجون مازن كم الماز - من هو السجين هنا ؟ - بول غريغوري.. عن حراس معسكرات الغولاغ

الصورة الكلاسيكية عن الهولوكوست هي حارس معسكر الاعتقال الجماعي : ضابط إس إس متوحش و سادي يرتدي جزمة عسكرية سوداء نظيفة , يرافق بلامبالاة السجناء اليهود إلى غرف الغاز أو ألوية العمل . كانت معسكرات الاعتقال الجماعي النازية معسكرات إبادة ( جماعية ) في الأساس , كان السجين يعدم فيها على الفور أو يعمل حتى الموت . الرجال و النساء الذين حرسوا هذه المعسكرات كانوا ينتمون إلى قوات الإس إس المتعصبة أو تم تجنيدهم ( خاصة الحارسات الإناث ) في منظمات مشابهة على أساس الدعاوي العنصرية . في 1945 ضمت معسكرات الاعتقال النازية حوال 700 ألف سجين يحرسهم 55 ألف حارس . عند وفاة ستالين في عام 1953 ضمت معسكرات اعتقاله 2,5 مليون سجين . بينما كان النازيون يديرون مئات معسكرات الاعتقال الجماعية , خاصة في أوروبا الشرقية , كانت إدارة غولاغ ستالين تدير 3274 معسكر اعتقال و مستوطنة , 52 سجنا , 120 مستوطنة لعمل الأطفال , و 748 دار أيتام ( لأبناء المعتقلين و الذين تم إعدامهم – المترجم ) و مستشفى انتشرت على امتداد المساحة الهائلة للاتحاد السوفيتي . لإدارة هذه الإمبراطورية استخدمت إدارة الغولاغ 446 ألف شخص , كان أكثر من نصفهم ( 234 ألفا ) في وحدات الحراسة العسكرية . هذا الفصل يحكي قصة الربع مليون حارس الذين قاموا بأعمال الخفارة , و رافقوا المساجين إلى العمل , و طاردوهم عندما كانوا يحاولون الفرار . كان قليل منهم هناك فقط لأسباب إيديولوجية . و ضباطهم أيضا أرسلوا إلى هناك كعقوبة , و كان الحراس أنفسهم خليطا غريبا من سيئي الحظ , و كانوا ذوي تعليم سيء و يحصلون على أجور متواضعة أيضا , لم يكونوا في الأغلب أعضاءا لا في الحزب الشيوعي و لا منظمته الشبابية . كانت وحدات حراسة الغولاغ تقع في أسفل هرم وزارة الداخلية . و كان على رأس ذلك الهرم موظفي التشيكا العاملين الذين كانوا يلقون القبض على أعداء الدولة السوفيتية و يسجنونهم و يعدمونهم . أما من كان يحرس هؤلاء فقد كانوا في الأسفل , أو في القاع . لم تكن مهمة هؤلاء الحراس و لا ضباطهم إعدام السجناء , وحدات الإعدام الميداني في ذلك الوقت قامت بتلك المهمة بشكل أفضل و من دون تكلفة نقل المحكومين لمسافات بعيدة . كانت مهمتهم بدلا من ذلك هي الحفاظ على النظام و الانضباط في معسكرات الاعتقال الجماعي , و منع هروب السجناء و أخذ السجناء إلى العمل في المؤسسات الصناعية و المناجم الملحقة بمعسكرات الاعتقال و إعادتهم .

لماذا ليس الأفضل و ليس الأذكى ؟
كان حراس معسكرات الاعقتال النازية يؤمنون بغالبيتهم بالإيديولوجيا النازية العرقية , يعملون في معسكرات تبعد سفرة قطار فقط عن برلين , و إذا لم تكن الإيديولوجيا هي دافعهم , كان يدفعهم لهذا العمل الإمكانيات الهائلة للفساد ( من خلال سرقة ممتلكات السجناء ) . أما حراس نظام الغولاغ فقد عاشوا على بعد آلاف الأميال من بيوتهم في أحد أقسى طقس في العالم . رغم أن بعض المعسكرات و المستوطنات كانت تقع في المناطق الوسطى , لكن المعسكرات الأكثر أهمية كانت تنتشر في الأركان البعيدة البائسة للاتحاد السوفيتي الهائل . و بنيت قرب المصادر المعدنية و الغابات الكبرى في أقصى الشمال و سيبريا و كازاخستان . رغم أن السجون في بقية المجتمعات أيضا لا توجد عادة في مناطق قريبة , لكن لا يمكن مع ذلك مقارنتها بالبعد و مشقة الحياة في سجون الغولاغ السوفيتية . خلق ( نظام ) الغولاغ حاجة كبيرة لتجنيد الحراس في مجتمع كان يعاني من نقص مزمن في اليد العاملة . كان عدد نزلاء السجون في الاتحاد السوفياتي عام 1953 15 مرة ضعف عدد السجناء في الولايات المتحدة , و هي بلد تعادله من حيث عدد السكان . جاهدت إدارة الغولاغ باستمرار من أجل تجنيد حراس جدد و المحافظة عليهم . في أي نظام عقابي ( "إصلاحي" ) , تكون مهمة الحراس هي نفسها تقريبا : كل المجتمعات تعزل الأشخاص العدوانيين و الخطرين الذين يشكلون تهديدا على سلامة و أملاك المواطنين . في الحالة السوفيتية كان قد حكم على معظم السجناء في معسكرات الغولاغ بسبب الاشتباه بمعارضتهم للدولة السوفيتية . أن يقوم الحراس بعملهم على أكمل وجه كان أمرا ضروريا جدا بالنسبة للقيادة . إذا لم يعمل نظام الحراسة كما يجب قد يغرق الأشخاص "الخطيرين اجتماعيا" المجتمع المدني و ربما نقلوا عدوى آرائهم المعادية للسوفييت إلى الآخرين . لكن كانت هناك أسباب كثيرة تحول دون أن يكون حراس الغولاغ هم "الأفضل أو الأذكى" . كان على الحراس أن يعملوا في مناطق نائية حيث نادرا ما يأتي أحد لكي يعمل "طوعا" . و كون الحراسة هي عمل شاق و وحشي و غير مجزي بحد ذاته , فكيف ستكون في الطقس القطبي . ما لم تدفع إدارة الغولاغ مرتبات و مكافآت مجزية فلا يوجد أي سبب كي يتطوع أشخاص مؤهلين جيدا في أعمال الحراسة هناك . تظهر الإحصائيات الرسمية لوحدات الغولاغ العسكرية لعام 1945 أن 12 % منهم فقط كانوا أعضاءا في الحزب , المستوى التعليمي ل 90 % منهم هو الدراسة الابتدائية أو أقل , و 80 % منهم بدؤوا العمل منذ سنة فقط . إذا استثنينا الضباط ( الذين يشكلون حوالي 10 % ) تصبح هذه النسب الخاصة بالحراس العاديين أسوأ حتى . لكن ضباطهم لم يكونوا أفضل حالا منهم . ضباط الشرطة السرية الروسية ( مفوضية الشعب للشؤون الداخلية , سأستخدم مصطلح الشرطة السرية السوفيتية أو الروسية لأنه أكثر تعبيرا و أقل بيروقراطية عن واقع هذه المؤسسة - المترجم ) ذوي التدريب الجيد و الخلفية الاجتماعية الأرفع اختاروا العمل في الإدارة المركزية أو في الإدارات العملانية الأرفع مستوى . كانت وحدات الحراسة منفى للضباط الأدنى الذين أرسلوا إلى معسكرات الغولاغ تحت شعار "يمكنك أن تأخذ من لا نحتاجه هنا" . كان يجب ملء مناصب الضباط في معسكرات الغولاغ على أساس "العمل الطوعي" , مما يعني وجود نقص في الضباط أيضا . في 1948 تم شغل 26254 من ال 63033 منصب ضباط "بالعمل الطوعي" . و بما أن معظم هذه المعسكرات كانت ممنوعة على المدنيين , كان أكثر هؤلاء الضباط "المتطوعين" إما من السجناء أنفسهم أو سجناء سابقون . حقيقة أن الغولاغ لم يكن مكانا مرغوبا للعمل فيه يتجلى في أن 337484 وظيفة في معسكرات الغولاغ كانت شاغرة أو 21 % من مجموع الوظائف ( في عام 1948 ) . أثناء بناء قناة البحر الأبيض – بحر البلطيق كانت معظم الوظائف الإدارية الدنيا و التقنية مشغولة من قبل السجناء أنفسهم . رغم أن إدارة الغولاغ حاولت الحد من استخدام السجناء كحراس لأسباب مفهومة لكن عدد السجناء – الحراس كان كبيرا بالفعل . في يناير كانون الثاني من عام 1939 من بين 94921 حارسا مسلحا في معسكرات و مستوطنات الغولاغ , كان 25023 منهم من السجناء أنفسهم . استمر استخدام السجناء كحراس طوال تاريخ الغولاغ عمليا . استخدمت إدارة الغولاغ طرقا أخرى للحصول على "متطوعين" لوظيفة حارس . كان كثير من السجناء يصبحون حراسا بعد إنهاء فترة محكوميتهم لأن سلطات إصدار جوازات السفر الداخلية لن تسمح لهم بالحياة في أي مكان آخر . بعد الحرب العالمية الثانية , جنود الجيش الأحمر , و الأسرى السابقين , و الأشخاص الذين تم إبعادهم إلى خارج مناطقهم و كل من كان في ألمانيا أو في أي مكان آخر في الخارج أرسل بشكل أوتوماتيكي إلى معسكرات "التصفية" ( الفلترة ) . كثيرون ممن نجوا من الاعتقال في تلك المعسكرات أصبحوا حراسا لمعسكرات الاعتقال . آخرون أخذت منهم وثائقهم و لم يبق أمامهم أي خيار إلا أن يبقوا هناك كحراس . في بداية 1946 بلغ عدد مثل هؤلاء "الحراس" 31 ألفا . الظروف المأساوية لحراس الغولاغ يمكن تلخيصها في الرسالة التالية إلى وزير الشرطة السرية بيريا في أغسطس آب 1945 : "في الوقت الحالي معظم الحراس هم كبار في السن و من غير المؤهلين للخدمة العسكرية . كثيرون طلبوا إعفاءهم من الحراسة على أساس قرار الدولة بإعفاء كبار السن . ردت إدارة الغولاغ على مثل هذه الطلبات بالقول أن قانون الإعفاء لا ينطبق على أفرادها . مثل هذا الجواب قد يكون صحيحا حتى اليوم لكن المشكلة هي في المستقبل لأن معظم الحراس تجاوزوا ال 40 عاما و غير لائقين للخدمة العسكرية لأسباب صحية أو من النساء أو غير لائقين للخدمة أصلا . إن محاولاتنا تجنيد الجنود المسرحين لم تنجح حتى اليوم . هناك نواقص أخرى مهمة . مثلا لدينا في القيادة بين الضباط عمالا متطوعين تم تجنيدهم من المزارع التعاونية و المدن بأزياء مدنية" . رغم أن جنود الجيش الأحمر السابقين يعرفون استخدام السلاح لكن الذين جندوا من المزارع التعاونية لا يعرفون عنها شيئا . لا يعرف الحراس كيف ينظفون أسلحتهم و إحدى الحارسات ذهبت إلى نوبتها و قد حشرت قطعة قماش في فوهة بندقيتها .

ظروف العمل و الانضباط
كانت رواتب الحراس سيئة و كذلك تسلحيهم و تدريبهم . في تقرير إلى بيريا في أغسطس آب 1945 أعطي الوصف التالي لحراس الغولاغ : "حراس الكثير من المعسكرات لا يرتدون أزياءهم العسكرية . إنهم يرتدون أحذية ممزقة و ملابس رثة . في الصيف يرتدون قبعات شتوية , و بناطيل محشوة , و و جاكيتات مبطنة . إن منظرهم أسوأ من منظر السجناء رغم أن قواعد الانضباط المطبقة في الجيش الأحمر تنطبق عليهم" . كان الاقتراح المقدم إلى بيريا : تحويل حراس الغولاغ إلى جزء من القوات الخاصة للشرطة السرية الروسية . رفض الاقتراح بسبب كلفته العالية و صعوبة تجنيد حراس للغولاغ . كان حراس الغولاغ يعملون ساعات طويلة في ظروف مأساوية غالبا و في طقس قاس . يقول تقرير صادر في مارس آذار 1950 "العمل اليومي للحارس شاق جدا , و يستمر عمليا من 10 إلى 12 ساعة , و يكون أطول في الصيف . و أيام عطلتهم غير منتظمة و غالبا لا يأخذون أية إجازة سنوية أو يأخذوها في الشتاء فقط" . في 20 يناير كانون الثاني 1950 أظهر تقرير إلى رأس إدارة الغولاغ أن ظروف حياة هؤلاء الحراس لم تتحسن : "في وحدات كثيرة يعيش الحراس في ظروف بائسة , بعضهم في عربات و بعضهم في أكواخ مدفئة" . كان على حراس الغولاغ أن يقوموا بالحراسة في درجات حرارة منخفضة جدا . حسب فولكلور الغولاغ كان السجناء يسخرون من الحراس الذين يناوبون في أبراج المراقبة في الطقس المتجمد بعيدا عن ثكناتهم "من السجين هنا ؟ نحن أم أنتم ؟" . في إحدى المرات أصيب حارس بصدمة كهربائية و هو يحاول وصل مدفئة بدائية بسلك كهرباء . في التحقيق التالي لوفاته تقرر أن 43 حارسا قاموا بوصل مدافئ بدائية بأسلاك الكهرباء في أماكن حراستهم "دون أخذ موافقة القائد" . عمل الحراس مقابل أجور زهيدة و في ظروف صعبة و في أحيان كثيرة أجبروا على العمل . لذلك ليس مستغربا أن يكون انضباطهم و معنوياتهم منخفضة . أعدت إدارة الغولاغ تقارير منتظمة عن الإجراءات العقابية ضد مستخدميها في قطاع المعسكرات . في 1 ديسمبر كانون الأول 1948 كان هناك 276661 مستخدم يعمل في المعسكرات غالبيتهم من الحراس . طرد منهم أو ترك العمل 61729 ( 21 % ) في عام 1948 فقط . 13003 منهم تركوا العمل بسبب العمر أو المرض , لكن قرابة 20 ألفا طردوا بسبب عدم انضباطهم أو بسبب جرائم تتعلق بالوظيفة الخ . يذكر التقرير أن 30 % من مستخدمي المعسكرات ( 36521 ) وبخوا أو اعتقلوا أو سجلت إنذارات في ملفات خدمتهم في عام 1948 فقط . أخذا بعين الاعتبار النقص في عدد الرجال كانت الأسباب التي أدت إلى هذا الطرد خطيرة عادة . من الذين طردوا عام 1948 طرد منهم 4370 من قبل الإدارة المركزية للشرطة السرية الروسية .
التآخي
داخل المعسكرات كان "العاملون" أو "المراقبون" على احتكاك مباشر بالمساجين . كانوا يحددون لهم أعمالهم و يراقبون أماكن تواجدهم داخل المعسكر و يتجسسون عليهم . بحسب ملفات المعسكرات كان هناك قرابة 140 ألف "مخبر" بين السجناء , نصفهم بلغ عن محاولات الهروب . كان الاتصال بين الحراس و السجناء ممنوع بصرامة . كان الحراس يتواجدون في أبراج المراقبة و يقومون بأعمال الدورية حول المعسكرات و يرافقون السجناء إلى العمل و منه و ينقلونهم من معسكر لآخر . عدا عن ذلك كان يفترض ألا يقع بينهم أي اتصال . مثل هذه القواعد ضد التآخي كانت تهدف لمنع الحراس من تبادل المعلومات مع السجناء , كيلا "تصيبهم عدوى" آرائهم السياسية , أو كيلا تتطور بينهم علاقات صداقة قد تدفعهم لمساعدتهم في الهرب . كان حراس الغولاغ يخضعون "للتثقيف السياسي" , الذين كان يقول لهم أنهم يحرسون أعداء الشعب الأشرار و الخطيرين . يمكن للمرء أن يتخيل الأسباب التي قد تدفع الحراس لتجاهل هذه القواعد . كثير من السجناء السابقين كانوا قد أنهوا مدة محكوميتهم و ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه . آخرون مروا عبر معسكرات التصفية عند نهاية الحرب وبالكاد نجوا من الاعتقال هم أنفسهم . آخرون أخذت منهم وثائقهم و أصبحوا سجناء في هذه المعسكرات . لو أن الحراس التزموا بقواعد عدم التآخي كان عليهم أن يصادقوا فقط حراسا مثلهم و ربما حرموا من مصادقة النساء التي كان من الممكن أن "يجدوها" مع السجينات . كان التآخي ( بين الحراس و السجناء ) شائعا بالفعل : تقرير الشرطة السرية لعام 1946 ينتقد "العمل التثقيفي السياسي غير الكافي لأفراد المعسكرات و حالات الاتصال بالسجناء و تناول الكحول الجماعي و إثارة الشغب" . تقرير آخر ( يعود إلى أكتوبر تشرين الأول 1941 ) بعنوان "مساكنة الحراس مع السجينات , تناول الكحول و تجاوزات أخرى للانضباط العسكري" يقول "الانضباط بين الحراس ضعيف . هناك حالات من حراس يأتون إلى الخدمة و هم سكارى , و حالات مساكنة مع السجينات ... قائد الوحدة شيفتشوك , يعلم بها دون أن يأخذ أي إجراء . في الفصيلة الرابعة الحراس ريزيبوف , غريشوك , غيرنييف يتساكنون مع سجينات . أحد حراس هذه الفصيلة , نوفيكوف , يتساكن أيضا مع السجينات توملينا , أرخيبوفا , كباردينوفا , و فاسيلييفا . و عندما ذاع الخبر في فصيلته انتحر . ( لا نعرف إذا كانت كلمة المساكنة هنا كانت ترمز للاغتصاب أم لا ) .. حارس آخر من فصيلته , تشوركين , بينما كان يحرس تسعة سجناء في قسم زانا أركا ترك السجناء لوحدهم و ذهب ليتناول الكحول مع صديقة و بقي معها حتى وجده السجناء بأنفسهم" . مقتل اثنين من السجناء على يد حارس معسكر اعتقال أغرينسكي بدأ بحالة تآخي لكنه انتهى بخلاف قاتل . نقلت تفاصيل الحادثة مباشرة إلى رأس إدارة الغولاغ و نائب وزير الشرطة السرية من خلال التقرير التالي في عام 1942 : "في المحطة الكهربائية لموقع البناء رقم 203 , اختلف الحارس أنانيفي و السجين خافاتوفي على السجائر . أثناء الشجار الذي نشب بينهما ضرب خافاتوفي الحارس , التقط بعدها الحرس مطرقة و قتله بضربة على الرأس . عندما جاء سجين آخر و "عامل متطوع" ليروا ما الذي يجري . و خوفا من أن يلقى القبض عليه في مكان الجريمة قتل أنانيفي سجينا آخر بضربة من المطرقة على رأسه و أصاب العامل المتطوع بجروح بليغة أفقدته الوعي . بينما كانت جرائم القتل تلك تقع عاد بقية السجناء من عملهم" . ينتهي التقرير بتعليق مختصر : "اعتقل الحارس و التحقيق ما زال جاريا" . إذا أخذنا بالاعتبار أصحاب المناصب العالية التي قدم لها هذا التقرير يمكن افتراض أن عقوبة الحارس كانت شديدة بالفعل . كانت التهم الرئيسية التي وجهت للحارس هي محاولة قتل عامل متطوع أولا , و ثانيا أنه مارس التآخي مع السجناء . في 1942 لم يكن قتل أحد السجناء سيجلب كل ذلك الاهتمام . وصلت بعض حالات التآخي إلى مستويات كوميدية : في 2 يناير 1951 يصف تقرير قيام أحد الحراس في مقاطعة كراسنويارسك "بمهام رئيس قافلة , اصطحب سجينين إلى خارج موقع الإنتاج و شرب معهما الكحول حتى السكر . أعطى الحارس الثمل بندقيته الآلية للسجين الذي أطلق النار عليه و أصابه في قدمه" . ينتهي التقرير بالكلمات التالية : "مثل هذه الحوادث ليست نادرة" . الممارسة المنتشرة للتآخي بين الحراس و السجناء لا تعني عدم ممارسة الحراس للوحشية و العنف ضد السجناء . بعض الأمثلة عن ذلك هي : أن يقوم مراقب بمساعدة السجناء الذكور أحيانا بحلاقة شعر السجينات بالقوة و ضربهن . كان الحراس المسؤولون عن نقل السجناء كثيرا ما يمنعون عنهم الطعام و الشراب أثناء نقلهم , كان كثيرون من هؤلاء يصلون إلى محطتهم الأخيرة في حالة جوع حقيقي . و كان الحراس السكارى يسرقون ممتلكات السجناء و يغتصبون السجينات و يضربون السجناء دون سبب أحيانا . كان السجناء يجبرون أحيانا على الوقوف متجمدين في الثلج بينما تراقبهم كلاب الحراس .

السجناء كموارد
في 1953 كان هناك 2,6 مليون سجين في معسكرات و مستوطنات الغولاغ . كانوا يساهمون في إنتاج المعادن و في الزراعة و الغابات و أعمال البناء . رغم أن سجناء الغولاغ كانوا يشكلون 2 % فقط من قوة العمل , لكن في بعض الحالات , مثل صناعة النيكل و الذهب , كانوا يعطون 100 % من الإنتاج . أما في البناء خاصة في الأماكن النائية و الطقس القاسي فقد شكل سجناء الغولاغ 20 % . من الواضح أن أية إدارة "عقلانية" للغولاغ كانت ستعمل على الحفاظ على أثمن مواردها : السجناء أنفسهم . بالفعل نقلت في عام 1946 مسؤولية الأعمال الاقتصادية للغولاغ في أكثرها إلى الإدارات الاقتصادية المستقلة التي كانت تتبع مباشرة للشرطة السرية . تركت لإدارة الغولاغ مسؤولية السجناء و لم تعد مسؤولة عن تحقيق أهداف الإنتاج . و عرفت إدارة الغولاغ أيضا أن بإمكانها أن تؤجر سجناءها مقابل المال للوزارات الصناعية . عند هذه النقطة يظهر الأرشيف تغيرا في الموقف من السجناء . بدأت إدارة الغولاغ تذكر مسؤولي معسكراتها بقواعد التغذية و بقية القواعد فيما يتعلق بصحة و سلامة "العمال" . في كل سجن كانت حياة السجناء تتوقف على الحراس و مراقبيهم و الطاقم الطبي و أيضا على القرارات الآتية من المركز . إن عمل حراسة السجناء , عالميا , ليس عملا فاتنا على الإطلاق . إنه عادة ما يجتذب الساديين الذين يسعدهم أن يكونوا قادرين على الإساءة أو التلاعب بالآخرين . كما أن أجور الحراس المنخفضة و ظروف الطقس الصعبة جدا ليست ظروفا مناسبة لخلق بيئة صديقة للسجناء . لذلك من المتوقع ألا يكون حراس الغولاغ قد أدوا "مهمتهم" على "أكمل وجه" , و أنهم قد عصوا الأوامر بعدم التآخي مع السجناء و أن كثيرون منهم كانوا قساة جدا . في السنوات الأخيرة من عمر الغولاغ , أدى ضعف نظام الحراسة إلى انهيار كامل . الطريقة الوحيدة التي كان يمكن بها لمسؤولي المعسكرات أن يحافظوا على "النظام" هو عن طريق نقل مسؤولية الحفاظ على النظام إلى عصابات السجناء المنظمة التي أصبحت تدير هذه المعسكرات فعليا . عجز إدارة الغولاغ عن الحفاظ على النظام في المعسكرات كما تجلى أخيرا في انتفاضاتها الكبيرة التي تطلبت تدخل القوات المسلحة كان أحد أسباب إنهاء نظام المعسكرات هذا ابتداءا بعام 1953 .

تعليق من المترجم : هذه السطور للشباب الحالم بالحرية , بالخلاص من السجون , كي يفهموا حقيقة المشروع البلشفي , كيلا يصبحوا هم أنفسهم جلادين مأجورين و كيلا يصبح حلمهم كابوسا لملايين من السجناء القادمين


مازن كم الماز - من هو السجين هنا ؟ - بول غريغوري ... عن حراس معسكرات الغولاغ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى