روبرت فالزر Robert Walser - استراحة غداء.. قصة قصيرة - ترجمة: أحمد الزناتي

في يوم من الأيام اضطجعتُ خلال استراحة الغداء فوق العشب تحت شجرة تفاح. كان الطقس حاراً، وبدا كل شيء أمام عينيّ سابحًا في ضوء أخضر خفيف. هبّت نسمة رقيقة عبر الأشجار، هزّت العشب الجميل.

خلفي مباشرةً، بدت حافة الغابة مُعتمةً بسبب أشجار التنوب المتجهمة. لعبتْ الأمنيات برأسي. تمنيّت لو هبطتْ عليَّ معشوقة تكمل جمال هذه النسمة الحلوة العطِرة. أغلقتُ عندها عينيَّ، ووليت وجهي ناحية السماء، مستلقيًا بهدوء على ظهري، أدندن أغنية صيفية، ومن بين النور الساطع للسماء والبحيرة، لمحتُ عينيْن تنظران نحوي برقةٍ وحنوّ لا حدود لهما. رأيت الخدّين رؤية واضحة، اقترب الخدّان مني كما لو كانا يودّان ملامستي. وعبر نسمة الهواء الزرقاء المخضبة بلون ورديّ خفيف، دنا مني فمُّ ذهبي جميل، مغزول من أشعة الشمس، له شفتان مكتنزتان، دنا الفمّ كما لو كان يودَّ ملامستي. بدتْ السماء، التي رأيتها بعينيْن مغمضتيْن، زهرية اللون، ومسربلة بمخمل أسود فاخر. خلتني أنظر إلى الفردوس. لكنني، وبمنتهى الحماقة، فتحت عينيَّ فجأة، فتلاشى كل شيء: اختفى الفمُّ الذهبي، والخدّان والعينان، وسُلبتْ مني القبلة السماوية العذبة.

-

كان الوقت قد حان للعودة إلى المدينة، وإلى المكتب، وإلى العمل اليومي.

بحسب ما أذكر، نهضت متثاقلًا على مضض، بسبب مفارقة العشب الجميل، وشجرة التفاح، والنسيم وانتهاء الحُلم. لسوء الحظّ فكل ما يأسر قلوبنا في هذا العالم، ويُسعد أرواحنا عمره قصير، ولكن، ولحسن الحظ أيضاً، فكل ما يبعث على القلق، ويثير الضيق في نفوسنا عمره قصير. ولما فطنتُ إلى ذلك، قفزت من فوري، متجهًا إلى مكتبي البارد، مواصلًا العمل بسعادةٍ ونشاط حتى نهاية اليوم.


* نقلا عن:
أوكسجين | نصف شهرية ثقافية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى