جمال الغيطاني - رؤية صينية للشخصية المصرية

في عام 2008 زرت الصين بدعوة من أكاديمية العلوم الاجتماعية، إحدي مؤسسات النظام الشيوعي والتي لا تزال قائمة حتي الآن رغم سياسة الانفتاح الاقتصادي الواسعة التي قادها دنج هيساوبنج بعد رحيل ماوتسي تونج عام 1978 وأقرها الحزب الشيوعي في المؤتمر الثالث عشر والذي قال فيه دنج هيساوبنج من وحي تراث الصين وحكمتها:

ليس مهما لون القط.. المهم أن يأكل الفأر

هكذا بدأت انطلاقة الصين الكبري المستمرة حتي الان والتي وضعتها في مقدمة القوي العالمية، ولانني معجب بالصين وتراثها الروحي وكفاح شعبها منذ أن قرأت كتاب، الثورة الصينية لاستاذي محمد عودة، ثم توسعت في قراءة فكرها القديم ونشرت العديد من نصوصه الكبري في «أخبار الأدب» بعد ان طلبت من الدكتور محسن فرجاني الاستاذ بكلية الالسن ترجمتها من اللغة الصينية مباشرة الي العربية، الان توجد مكتبة كاملة قام بترجمتها الي العربية، خلال زيارتي تلك التي تم خلالها توقيع ترجمتين جديدتين من أعمالي الروائية «الزيني بركات» و«هاتف المغيب» رافقني خلال الرحلة المستعرب الصيني الدكتور بسام اسمه الصيني شوي تشينخ قوه، في الصين يتخذ المستعربون اسماء عربية، هو الآن عميد كلية الدراسات الادبية العربية بالاضافة الي مكانته الثقافية المرموقة ويعتبر من الخبراء بمصر تلميذته ماي زارت مصر العام الماضي، أرسلت الي مؤخرا ترجمة لمقال هام كتبه عن الشخصية المصرية فيما يلي نصه الكامل:

في المرآة الصينية

شربت من ماء النيل لاول مرة في صيف 1987 عندما التحقت بكلية الآداب في جامعة القاهرة كطالب مستمع لذا، تقترن ذكرياتي لمصر بحنيني الي عنفوان الشباب وريعان العمر، وكانت الشهور العشرة التي قضيتها في مصر فترة جميلة مازلت اتذكر كثيرا من تفاصيلها حتي اليوم، وتطفو علي خاطري، بين حين وآخر صور للانسان، المصري، وروائح للنكهة المصرية، بالإضافة الي النيل والاهرام والآثار المنتشرة في ربوع مصر العريقة.

وقد عدت الي مصر مرات بعد ذلك تصديقا للقول المأثور، من شرب من ماء النيل لابد ان يعود اليه، وحرصت بقدر الامكان ان أزور، بل أسلم علي اهرام الجيزة وشواطيء، النيل علي هامش كل زيارة، كما حرصت بقدر الامكان علي الخروج من الفندق، والغوص في الشوارع لأشم رائحة الخبز، والقهوة والنرجيلة، وأسمع أزيز السيارات ودردشات المارة بالعامية المصرية، وأري الابتسامات العريضة التي يستقبلني بها شرطي المرور، أو بائع العصير، أو الاطفال الذين يجرون ورائي مرددين تحيات بكلمات انجليزية أو صينية أو يابانية، هكذا لن يهدأ خاطري، ويرتاح بالي الا اذا عشت في الاجواء المصرية الحقيقية، غير أجواء الفندق التي لا تختلف كثيرا من بلد الي اخر، الاجواء التي تقول لي «دي مصر» أو «ّهنا القاهرة».

تقترن ذكرياتي لمصر أيضا ببعض كبار الادباء المصريين ممن تشرفت بلقائهم أو التعرف عليهم، والذين يمثل كل واحد منهم جانبا من الشخصية المصرية في نظري.

ويأتي في مقدمتهم نجيب محفوظ، أحد أعظم الأدباء الذين عرفهم القرن العشرون علي المستوي العالمي، والذي يمثل جانب الفكر والحكمة في الشخصية المصرية، وقد استمتعت بمتعة لا توصف في قراءة أعماله الروائية المثقلة بحمولات فكرية، بداية من ثلاثية «بين القصرين» حيث هزتني الازمة الروحية التي نغصت بال كمال أحمد عبدالجواد بعد احتكاك هذا الشاب الشرقي بالفكر الغربي، وكدرت صفاء بالي الذي تعود علي الهدوء والراحة في البيئة الثقافية الصينية.

أما «أولاد حارتنا» إحدي الروائع المحفوظية الجريئة التي أعادت النظرة الي العلاقة بين الله والانسان، فقد زادت وعمقت إدراكي لمسيرة الانسان الي الرقي المعنوي والمعرفي، المسيرة التي ما خلت أبدا من عثرات وعذابات وكان محفوظ في رواياته، التي سماها بالفن الماكر، سباقا بين معاصريه في تناول ظاهرة الاستبداد، والتنبؤ بالتطرف والارهاب، والتعاطي مع الثورة، ولكن بواقعية خالية من أي مسحة رومانسية لذا ليس محفوظ أديبا عظيما فحسب، بل كان ايضا مفكرا حكيما وفيلسوفا بارعا.

وكان لقائي الوحيد به في مبني جريدة الأهرام عام 1987 عندما قمت بزيارة له برفقة بعض زملائي الصينيين ومنهم الآنسة ديمة تشين دونغ يون المستشارة الثقافية في السفارة الصينية.. حاليا كان أديبنا الكبير في منتهي التواضع واللطف، أذكر أن مترجم الرواية «زقاق المدق» الي الصينية كان معنا ايضا. وعندما أهدي صديقي المترجم النسخة الصينية لهذه الرواية إليه، وأهداه معها تمثالا خزفيا ملونا لحصان، كعربون خجول للصداقة بدلا من حق التأليف، قبلهما الأديب الكبير بابتسامة، وشكر المترجم قائلا: «زقاق المدق في الصينية كمان؟!»

وأذكر أنه كان ثقيل السمع، فاضطررنا الي رفع الصوت والتكرار حتي يسمع، وأخبرنا في معرض الحديث أنه قرأ من الأعمال الصينية «كتاب الحوار» لكونفوشيوس، ورواية «الركشاوي» للأديب الصيني المعاصر، لاوشه، وأعجب بهما كثيرا.

وفي عام 2000حين عكفت علي ترجمة كتابه الجديد «أصداء السيرة الذاتية» كنت أذهب دائما الي نهر صغير قرب بيتي، أتمشي في ضفتيه متأملا لحل «الغاز أبي الهول» التي وضعها محفوظ في ثنايا هذا الكتاب، الصغير بحجمه الكبير بجماله الفكري والفني وكانت صورته اللطيفة تطفو كثيرا في مخيلتي.. وبفضل هذا الكتاب ازدادت معرفتي للحياة التي قال عنها «تبدو الحياة سلسلة من الصراعات والدموع والمخاوف ولكن لها سحر يفتن ويسكر»

أما الأديب الثاني، فهو جمال الغيطاني، الذي يجمع إبداعه الادبي بين الأصالة والحداثة المتلازمتين في الشخصية المصرية، إنه أدب ضارب بجذوره في التراث الفرعوني والإسلامي الصوفي من ناحية، ومنفتح علي الرؤي العصرية والاساليب الحداثية من ناحية أخري، مما مكنه من تقديم أدب بقدر ما يكون مصريا عربيا يكون عالميا كونيا، وأذكر أني أشرفت قبل سنوات علي جمع كتاب «نصوص مختارة من الأدب العربي الحديث» ووضعت فيه قصة قصيرة للغيطاني بعنوان «المحصول» وهي قصة تدور حول فلاح صعيدي يعيش علي زراعة البسلة وتعرض للغش والاستغلال من قبل أهل المدينة.

وقد كتبت في هامش القصة تعليقا جاء فيه ما يلي: يبدو أن الكاتب لم ينو توضيح مجريات القصة بقدر ما يقصد رسم شخصية ذلك الفلاح المصري، الذي يتصف بالطيبة والبساطة، والكرم والتسامح والتمسك بالرأي الي حد العناد، إنها بالذات شخصية الفلاحين المصريين بل الشخصية الحقيقية لمصر.

التقيت بالاستاذ الغيطاني عام 2008 عندما حضر الي بكين بمناسبة صدور الترجمة الصينية لروايتيه «هاتف المغيب» و«وقائع حارة الزعفراني» وقال لي «أثناء صحبتي له في زيارة بعض المعالم في بكين، إنه مولع بالموسيقي الصينية، والرسم الصيني والفكر الصيني الكلاسيكي وخاصة الفكر التاوي، ومعجب جدا بالتجربة الصينية الحديثة في التنمية لانها تجربة تمتاز بالحكمة والتعقل والسياسة الهادئة.

وكان أشد ما استرعي نظره في زيارته لبكين، مقابر أسرة مينغ التي تقع قرب سور الصين العظيم، وخصوصا الطريق الحجري الابيض المؤدي الي بوابة المقابر، أذكر أنه كان غارقا في التفكير طوال هذه النزهة ولم يتحدث إلا قليلا، حيث يبدو متأثرا بأجواء الموت التي تخيم علي المكان، لم أستغرب الأمر لان هموم الموت والحياة ورحلة الإنسان بينهما كانت طاغية علي كثير من أعماله الروائية والقصصية، وقرأت فيما بعد، كتابا أهداه لي بعنوان «مقاصد الأسفار» حيث سجل خواطره، عن أسفاره حول العالم ومنها هذه السطور عن المقابر الصينية، والطريق الحجري الابيض اليها.

إنه المكان الذي تركت جزءا من روحي فيه هناك.. يمكنني القول إن كل ما رأيته في جانب وهذا المكان في جانب آخر، مكان يقف بمفرده الآن في ذاكرتي، لا يضاهيه آخر، إنه أقوي مكان معبر عن الرحيل الابدي رأيته وعاينته في العالم.. يقول لي هذا الطريق، إن النهاية لا تأتينا، إنما نحن الذين نمضي اليها بخطي راسخة ولا ندري إلا عند الدنو، عند الاقتراب، ويأخذنا البهت، وتغمرنا الدهشة، كأننا قادمون للتو!

ولن تكتمل شخصية مصر إلا بجانب مهم آخر من هذه الشخصية، أي جانب الشباب والثورة، بدونه كيف يقدر هذا البلد العريق علي مواصلة مسيرتها الدائمة نحو التجدد والتقدم؟

وفي رأيي أن السيدة نوال السعداوي هي أفضل من يمثل هذا الجانب من الشخصية المصرية الرائعة، أقول ذلك ويتبادر الي ذهني حوار لطيف بيني وبين السعداوي في أول يوم من زيارتها الي الصين في الخريف الماضي، إذ قلت لها للتعبير، عن إعجابي بحيويتها ونشاطها «يا سيدتي العزيزة» لا يبدو أنك سيدة فوق الثمانين من العمر، بل يبدو أنك في الستينيات من عمرك علي الأكثر!! فردت علي ضاحكة «هل أنا كبيرة الي هذه الدرجة فعلا؟ ألا يبدو أني في الثلاثينات من عمري فقط!

نعم، تمتلك نوال السعداوي المسنة- الشابة- روحا شبابية ثورية قلما نجدها عند معاصريها من كبار السن بل عند الشباب أنفسهم، تتجلي هذه الروح في كتاباتها التي تحدت بجرأة تعريف الثقافة الابوية لمفهوم المرأة والأنوثة، ورفضت الأدوار التي يفرضها المجتمع الأبوي علي النساء، وثارت علي الفهم الخاطيء للدين الذي حوله الي اداة سياسية تخدم الطبقة الحاكمة أو القوي الظلامية، بل شاركت بنفسها في ثورة 2011 في ميدان التحرير. منادية بالعدالة والحرية والكرامة والمساواة بين الجميع بصرف النظر عن الجنس والدين والطبقة والعرق وغيرها.

وأشهد أن هذه الروح الشبابية الثورية- إضافة الي القيمة الفنية في إبداعاتها، قد أكسبتها تقديرا عاليا من قبل النقاد والكتاب الصينيين، ومحبة كبيرة من قبل الجمهور الصيني- الي حد أن أسرة صينية في جنوبي البلد قطعت نحو الف كيلو متر للسفر الي بكين لمقابلتها وتقديم هدايا اليها بعد قراءة أعمالها المترجمة الي اللغة الصينية!

وما أجمل ما كتبته الانسة واحة نيو زيمو، المدرسة الشابة في جامعتي التي اختارت ابداعات السعداوي كموضوع اطروحتها لنيل الدكتوراة، تلبس السعداوي وجه ابنة خائنة لا تتورع عن فضح مظاهر التخلف والقبح في المجتمع المصري، بينما تحمل قلب محب لا يدعو إلا الي الخير لاخوتها بني البشر داخل مصر وخارجها.

هذه هي بعض الجوانب للشخصية المصرية، ولست من السذاجة بحيث أتعامي عن الجوانب السلبية لمصر والمصريين، ولكن مصر المتدفقة بالحياة دوما مثل الحياة نفسها، بخيرها وشرها، بحسنها وقبحها، بنهوضها وتعثرها، إذا كنت محبا للحياة، فستكون محبا لمصروستقبلها كما هي أو تتمني لها الأفضل.

هكذا، أحب مصر وأحب الشخصية المصرية، لأني أحب الحياة.
شوي تشينغ قوه «بسام»
عميدكلية الدراسات العربية في
جامعة الدراسات الأجنبية ببكين
وزير يجب أن يرحل

الأحد :

زيارة وزير الاوقاف إلي فضيلة الامام الاكبر جاءت بعد فوات الاوان.. متأخرة وغير مقنعة.. كان يجب ان يرفع تقرير المؤتمر السريع الذي اعده في ساعتين إلي الامام اولا لاسباب كثيرة ليس منها فقط مكانة الشيخ الذي يقود اكبر وأهم مؤسسة علمية تعد المرجعية الرئيسية للمسلمين في العالم، انما لشخص الامام الجليل وهو العالم الزاهد المتجرد عن كل الاسباب الدنيوية صاحب الفضل علي وزير الاوقاف نفسه، هو الذي قدمه وباركه ورشحه ودعمه فكان جزاؤه خفة التصرف والحركة وسرعة اظهار الرغبة في الوثوب مما لاحظه الجميع في سابقة خطيرة في تاريخ العلاقة بين الازهر ومؤسسة اخري لها صلة بأوقاف المسلمين ان يرد انسان الجميل بالسلب امر عادي في السلوك البشري. اعتدت عليه، وما عاينته اكثر مما سمعته لكن يصبح الامر خطيرا في هذه المنطقة بالتحديد ويصبح اخطر في هذا التوقيت بالذات الذي يحدق بالاسلام فيه خطر متعدد المصادر. الارهاب، التطرف، مخطط يستهدف الإسلام بواسطة المسلمين. إضعاف الازهر وإيذاء شيخ الإسلام كان هدفا رئيسيا للاخوان اثناء سعيهم إلي الحكم وخلال حكمهم الذي خلعهم الشعب منه.

الاخوان ومن والاهم من الدواعش وما شابه لا يريدون مؤسسة قوية لها مرجعية تم تكوينها عبر الف وستين سنة يريدون تحطيمها حتي يسود منطقهم ومرجعياتهم هم. تحمل فضيلة الامام ما تحمل خلال حكم الاخوان، وصل الامر إلي حد الاهانة العلنية عندما وصل إلي مكان احدي المناسبات فلم يجد مقعدا له فانصرف في غضبة صعيدية قاسية علي مرأي ومسمع من العالم. هل رجل بهذه المكانة وتلك الارادة، وهذا التكوين يعامل من احد تلاميذه الذين عضدهم ودفعهم بهذا الشكل؟. كنت اتمني الا يقبل الامام تلك الوثيقة التي قدمها اليه وزير الاوقاف بعد فوات الاوان وبعد ان رفعها إلي المستوي الاعلي في السلطة السياسية، غير ان الرئيس اقدم علي لقاء الامام الاكبر في نفس اليوم مؤكدا دعمه للازهر ودوره. سماحة الامام غلبت، استقبل الوزير الذي سعي بسلوكه الخفيف المتعجل إلي اضعاف الازهر. تماما كما فعل الاخوان وقوي التطرف وان اختلفت السبل وبدلا من ان يحافظ الوزير علي اوقاف المسلمين والمساجد النادرة المستباحة ليلا ونهارا وتنهب نفائسها كما جري لكرسي المصحف الخاص بمسجد قايتباي ومنبر المارداني الذي لا يشبهه اثر في العالم، بدلا من ان يكرس جهده لاستثمار اوقاف المسلمين وتطوير اساليب الدعوة . دعا إلي مؤتمر استغرق ساعتين لتجديد الخطاب الديني متجاوزا وثائق الازهر الصادرة منذ ثلاثة اعوام وتمثل حجر الزاوية في قضية اصلاح الخطاب الديني كما اكد الباحث المتعمق الدكتور نبيل عبدالفتاح. سلوك وزير الاوقاف الخفيف، الوهج ،المتعجل، تجاوزه علي الازهر وشيخه الجليل العظيم لا تمحوه هذه الزيارة المقصود بها الاعلام وفي رأيي انه لابد من اقالته، هذا وزير لا يمكن ان يكون مفيدا للدعوة، ولا للاوقاف، ولا قضية تجديد الخطاب الديني، المرحلة دقيقة وحساسة ولا تحتمل وجود امثال هذه التصرفات التي تصب في النهاية ضد مصلحة المسلمين والاسلام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى