دراسات في التراث أبوعبدالرحمن مختار شلوف - ابن الونان الفاسي - قصيدة الشمقمقية (حديقة ابن الونان)

أجمعُ قصيدةٍ قِيلتْ في الحكمِ والأمثال (القصيدة الشمقمقيّة) لنابغةِ وقتِه، وسحبانِ أهل زمانِه، الشيخ الأديب/ أبي العـبّاس أحمد بن محمد بن محمد الحِميري المعـروفِ بـ(ابنِ الونّان) المتوفى سنة (1187هـ) وهذه القصيدة مشهورةٌ في الأدب باسم (حديقة ابن الونان) وعـدتها (275) بيت وهي:

مَهْلاً على رِسْلِكَ حَادِي الأَيْنُقِ = ولا تُكَلِّفْهَا بِمَا لَمْ تُطِقِ
فَطالَمَا كَلَّفْتَها وَسُقْتَها = سَوْقَ فَتًى مِنْ حالِها لَمْ يُشْفِقِ
ولَمْ تَزَلْ تَرْمِي بِها يَدُ النَّوى = بِكُلِّ فَجٍّ وفَلاةٍ سَمْلَقِ
ومَا ائْتَلَتْ تَذْرَعُ كُلَّ فَدْفَدٍ = أذْرُعُهَا وكُلَّ قاعٍ فَرَقِ
وكُلَّ أبْطَحَ وأجْرَعَ وجِزْ = عٍ وصَرِيمَةٍ وكُلَّ أبْرَقِ
مَجاهِلٌ تَحَارُ فِيهِنَّ القَطَا = لا دِمْنَةٌ لا رَسْمُ دارٍ قَدْ بَقِي
لَيْسَ بِها غَيْرُ السَّوافِي والحَوا = صِبِ الحَراجِيجِ وكُلِّ زِحْلِقِ
والمَرْخِ والعَفَارِ والعِضَاهِ والْـ = ـبَشَامِ والأثْلِ ونَبْتِ الخَرْبَقِ
والرِّمْثِ والخُلَّةِ والسَّعْدانِ = والثَّغِرِ وشَرْيٍ وسَنَا وسَمْسَقِ
وعُشَرٍ ونَشَمٍ وإسْحَلٍ = مَعَ ثُمَامٍ وبَهَارٍ مُونِقِ
والسِّمْعِ واليَعْقُوبِ والقِشَّةِ والـ = سِّيدِ السَّبَنْتَى والقَطا وجَوْرَقِ
والليْلِ والنَّهارِ والرِّئالِ والـ = ـهَيْثـَمِ مَعْ عِكْرِمَةٍ وخِرْنِقِ
ولَمْ تَزَلْ تَقْطَعُ جِلْبابَ الدُّجَى = بِجَلَمِ الأيْدِي وسَيْفِ العُنُقِ
فمَا اسْتَرَاحَتْ مِنْ عُبُورِ جَعْفَرٍ = ومِنْ صُعُودٍ بِصَعِيدٍ زَلَقِ
إلاَّ وفِي خَضْخَاضِ دَمْعِ عَيْنِها = خَاضَتْ وغَابَتْ بِسَرابٍ مُطْبِقِ
كَأَنَّمَا رَقْرَاقُهُ بَحْرٌ طَمَا = والنُّوقُ أمْواجٌ عَلَيْهِ تَرْتَقِي
وكُلُّ هَوْدَجٍ عَلى أقْتابِها = مِثْلُ سَفينٍ ماخِرٍ أوْ زَوْرَقِ
مَرَّتْ بِها هُوْجُ الرِّياحِ فَهْيَ فِي = تَفَرُّقٍ حِيناً وحِيناً تَلْتَقِي
وَكَمْ بِسَوْطِ البَغْيِ سُقْتَ سُوقَهَا = سَوْقَ المُعَنِّفِ الذي لَمْ يَتَّقِ
حَتَّى غَدَتْ خُوصاً عِجافاً ضُمَّراً = أَعْنَاقُهَا تَشْكُو طَويلَ العَنَقِ
مَرْثُومَةَ الأيْدِي شَكَتْ فَرْطَ الوَجَى = لَكِنَّهَا تَشْكُو لِغَيْرِ مُشْفِقِ
قَدْ ذَهَبَتْ مِنْها المَحَاسِنُ بإِدْ = مَانِ السُّرَى وقِلَّةِ التَّرَفُّقِ
كَأَنَّها لَمْ تَكُ قَبْلُ انْتُخِبَتْ = من كُلِّ قَرْواءَ رَقُوبٍ فُنُقِ
دَوْسَرَةٍ هَوْجاءَ وَجْنَى مابِها = مِنْ نَقَبٍ ومِنْ وجًى وسَلَقِ
مِنْ بَعْدِ ما كانَتْ هُنَيْدَةً غَدَتْ = أكْثَرَ مِنْ ذَوْدٍ ودُونَ شَنَقِ
وإِنْ تَمَادَيْتَ على إِتْعَابِهَا = ولَمْ تَكُنْ مُنْتَهِياً عَنْ رَهَقِ
فَسَوْفَ تَعْرُوكَ على إتْلافِهَا = نَدَامَةُ الكُسَعَيِّ والفَرَزْدَقِ
وكُنْتَ قَدْ عُوِّضْتَ عَنْ أَخْفافِهَا = خُفَّيْ حُنَيْنٍ ظافِراً بِالأَنَقِ
لأنْتَ أَظْلَمُ مِنْ ابْنِ ظالِمٍ = إِنْ كُنْتَ مِنْ بَعْدُ بِهَا لَمْ تَرْفُقِ
رِفْقاً بِها قَدْ بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَا = واتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى المُرَتِّقِ
وَهَبْ لأَيْدِيهِنَّ أيْداً وَلَهَا = مَتْناً مَتِيناً ما خَلا عَنْ مَصْدَقِ
فَمَا لِظُعْنٍ حَمَلَتْ مِنْ مِرَّةٍ = بِظَعَنٍ أوْدَى بِها في الغَسَقِ
أَسَأْتَ للغِيدِ وللنُّوقِ وَلِي = إسَاءَةً بِتَوْبَةٍ لَمْ تُمْحَقِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحُبِّ حِلْمِ أحْنَفٍ = والمِنْقَرِي قَلْبِيَ ذا تَعَلُّقِ
حَمَلْتُ رأسَكَ على شَبَا القَنا = مُرَوِّعاً بِهِ حُدَاةَ الأَيْنُقِ
فَسُقْ فَلاَ نَعِمَ عَوْفُكَ ولا = أمِنَ خَوْفُكَ ولا تَدْرَنْفِقِ
وَدَعْ يَسُوقُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَقَدْ = دَنَا وُلُوجُهَا بِوَعْرٍ ضَيِّقِ
وَلْتَتَّخِذْنِي رَائِداً فَإِنَّنِي = ذُو خِبْرَةٍ بِمُبْهَمَاتِ الطُّرُقِ
إِنْ غَرَثَتْ عَلَّفْتُهَا وَلَوْ بِمَا = جَمَعْتُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقِ
أَوْ صَدِيَتْ أوْرَدْتُهَا مِنْ أَدْمُعِي = نَهْْرَ الأُبُلَّةِ ونَهْرَ جِلَّقِ
رِفْقاً بِهَا شَفِيعُهَا هَوَادِجٌ = غَدَتْ سَمَاءَ كُلِّ بَدْرٍ مُشْرِقِ
مِنْ كُلِّ غَيْدَاءَ عَرُوبٍ بَضَّةٍ = رَعْبُوبَةٍ عَيْطَاءَ ذاتِ رَوْنَقِ
خَرِيدَةٍ مَمْسُودَةٍ رَقْرَاقَةٍ = وَهْنَانَةٍ بَهْنَانَةِ المُعْتَنَقِ
وَقُلْ لِرَبَّاتِ الهَوادِجِ انْجَلِيـ = ـنَ آمِناتِ فَزَعٍ وفَرَقِ
فإِنَّنِي أَشْجَعُ مِنْ رَبِيعَةٍ = حَامِي الظَّعِينَةِ لَدَى وَقْتِ اللُّقِ
فَرُبَّمَا يَبْدُو إذا بَرَزْنَ لِي = رِئْمٌ إِلَيْهَا طَارَ بِي تَشَوُّقِي
لُبْنَى ومَا أَدْراكَ ما لُبْنَى بِهَا = عُرِفْتُ صَبًّا مُغْرَماً ذا قَلَقِ
تَسْبِي بِثَغْرٍ أَشْنَبٍِ ومَرْشِفٍ = قَدْ ارْتَوَى مِنْ قَرْقَفٍ مُعَتَّقِ
ونَاعِمٍ مُهَيْكَلٍ وفاحِمٍ = مُرَجَّلٍ وحَاجِبٍ مُرَقَّقِ
وعَقِبٍ مُحَجَّلٍ ومِعْصَمٍ = مُسَوَّرٍ وعُنُقٍ مُطَوَّقِ
ومُقْلَةٍ تَرْمِي بِقَوْسِ حَاجِبٍ = ثَلاثَةٌ مِثْلَ الأثَافِي في الرُّقِ
حُقَّانِ مِنْ عَاجٍ وقَعْبُ فِضَّةٍ = مِنْ ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ كالشَّفَقِ
وزَادَ مِسْكُ الخَالِ وَرْدَ خَدِّهَا = حُسْناً وقَدْ عَمَّ بِطِيبٍ عَبِقِ
وقَبَّلَتْ أقْدَامَهَا ذَوائِبٌ = سُودٌ كَقَلْبِ العَاشِقِ المُحْتَرِقِ
كَمْ أَوْدَعَتْ في مُقْلَتِي مِنْ سَهَرٍ = وأَضْرَمَتْ في مُهْجَتِي مِنْ حَرَقِ
ولا يَزَالُ في رِياضِ حُسْنِهَا = يَسْرَحُ فِكْرِي ويَجُولُ رَمَقِي
ولا تَسَلْ عَمَّا أَبُثُّ مِنْ جَوًى = ومَا تُرِيقُ مِنْ دُمُوعٍ حَدَقِي
يَوْمَ اشْتَكَى كُلٌّ بِمَا في قَلْبِهِ = لِحِبِّهِ بِطَرْفِهِ بِمَا لَقِي
ما عُذْرُ مَنْ يَشْكُو الجَوَى لِمَنْ جَفَا = وَهْوَ لِدَمْعِ جَفْنِهِ لَمْ يُرِقِ
آهٍ عَلَى ذِكْرِ لَيالٍ سَلَفَتْ = لِي مَعَهَا كالبَارِقِ المُؤْتَلِقِ
في مَعْهَدٍ كُنَّا بِهِ كَنَخْلَتَيْ = حُلْوانَ فِي وَصْلٍ بِلا تَفَرُّقِ
نِلْنَا بِهِ مَا نَشْتَهِي مِنْ لَذَّةٍ = وَدَعَةٍ في ظِلِّ عَيْشٍ دَغْفَقِ
أَزْمَانَ كانَ السَّعْدُ لِي مُسَاعِداً = وَمُقْلَةُ الرَّقِيبِ ذَاتُ بَخَقِ
والْيَوْمَ قَدْ صَارَ سَلامُ عَزَّةٍ = يُقْنِعُ مِنْ لُبْنَى إذا لَمْ نَلْتَقِ
والله لَوْ حَلَّتْ دِيارَ قَوْمِهَا = واحْتَجَبَتْ عَنِّي بِبابٍ مُغْلَقِ
لَزُرْتُهَا والليْلُ جَوْنٌ حَالِكٌ = وَجَفْنُهَا لَمْ يَكْتَحِلْ بِأَرَقِ
مَعِي ثَلاثَةٌ تَقِي صَاحِبَهَا = مَا لَمْ تَكُنْ نُونُ الوِقَايَةِ تَقِي
سَيْفٌ كَصَمْصَامَةِ عَمْرٍو بَاتِرٌ = لا يُتَّقَى بِيَلَبٍ وَدَرَقِ
وبَيْنَ جَنْبَيَّ فُؤادُ ابْنُ أَبِي = صُفْرَةَ قَاطِعُ قَرَا ابْنِ الأَزْرَقِ
وفَرَسٌ كَلاَحِقٍ ودَاحِسٍ = يَوْمَ الرِّهَانِ شَأْوُهُ لَمْ يُلْحَقِ
تَقْدَحُ نِيرَانَ الحُبَاحِبِ حَوا = فِرُهُ عِنْدَ خَبَبٍ وطَلَقِ
كالرِّيحِ في هُبُوبِهِ والسِّمْعِ فِي = وُثُوبِهِ وكَالْمَهَى فِي فَشَقِ
بِهِ أَجُوسُ فِي خِلالِ دُورِهَا = وأَنْثَنِي كالْبَارِقِ الْمُؤْتَلِقِ
فَإِنْ تَكُ الزَّبَّا دَخَلْتُ قَصْرَهَا = وكَقَصِيرٍ سُقْتُهَا لِلنَّفَقِ
وَمَنْ حَمَاهَا كَكُلَيْبٍ فَلَهُ = جَسَّاسُ رُمْحٍ رَاصِدٍ بِالطُّرُقِ
لا بُدَّ لِي مِنْهَا وَإِنْ تَحَصَّنَتْ = بِالأبْلَقِ الفَرْدِ وبِالخَوَرْنَقِ
لا بُدَّ لِي مِنْهَا وإِنْ عَثَرْتُ فِي = ذَيْلِ الحُسَامِ والسِّنَانِ الأزْرَقِ
فَإِنْ ظَفِرْتُ بالْمُنَى مِنْ قُرْبِهَا = بَالَغْتُ في صِيانَةِ العِرْضِ النَّقِي
وإِنْ بَقِيتُ مِثْلَ ما كُنْتُ فَلاَ = زِلْتُ بَغِيضَ مَضْجَعِي ونُمْرُقِي
أَشُنُّ كُلَّ غَارَةٍ شَعْوا عَلَى = مَنْ يَحْمِها فِي مِقْنَبٍ وفَيْلَقِ
وفِي خَمِيسٍ مِنْ خِيارِ يَعْرُبٍ = ذَوِي رِماحٍ وَخُيُولٍ سُبُقِ
مِنْ أُسْرَتِي بَنِي مُلُوكٍ فَهُمُ = أَطْوَعُ لِي مِنْ سَاعِدي ومِرْفَقِ
سَلْ ابْنَ خَلْدُونَ عَلَيْنَا فَلَنَا = بِيَمَنٍ مَآثِرٌ لَمْ تُمْحَقِ
وَسَلْ سُلَيْمَانَ الكَلاعِي كَمْ لَنَا = مِنْ خَبَرٍ بِخَيْبَرٍ والْخَنْدَقِ
ويَوْمَ بَدْرٍ وحُنَيْنٍ وتَبُو = كَ والسَّوِيقِ وَبَنِي المُصْطَلِقِ
بِهِمْ فَخَرْتُ ثُمَّ زِدْتُ مَفْخَراً = بِأدَبِي الغَضِّ وحُسْنِ مَنْطِقِي
وزَانَ عِلْمِي أَدَبِي فَلَنْ تَرَى = مَنْ شِعْرُهُ كَشِعْرِيَ المُنَمَّقِ
فَإِنْ مَدَحْتُ فَمَدِيحِي يُشْتَفَى = بِهِ كَمِثْلِ الْعَسَلِ المُرَوَّقِ
وإِنْ هَجَوْتُ فَهِجَائِي كالشَّجَا = يَقِفُ في الحَلْقِ كَمِثْلِ الشَّرَقِ
فَإِنْ يَكُ الشِّعْرُ عَصَى غَيْرِي فَقَدْ = أطَاعَنِي فِي عَيْهَقٍ وحَنَقِ
وإنْ يَكُنْ سَيْفاً مُحلّى فَقَدْ = أبْلَى نِجَادَهُ عِنَاقُ عُنُقِي
وإِنْ يَكُنْ بُرْداً فَقَدْ صِرْتُ بِهِ = مُعْتَجِراً دُونَ جَميعِ السُّوَقِ
وإنْ يَكُنْ تاجاً فَقَدْ زادَ سَنًا = جُوْهَرُهُ مُذْ حَلَّ فَوقَ مَفْرِقِ
وإِنْ يَكُنْ حدِيقةً فَطَالَمَا = نَزَّهْتُ فيها خَاطِري وحَدَقِي
وإِنْ يَكُنْ بَحْراً فَقَدْ غُصْتُ على = جَوْهَرِهِ وكُنْتُ نِعْمَ المَنْتَقِ
وهَلْ أنا إِلاّ ابْنُ ونَّانَ الذِي = قَرَّبَهُ كَمْ مِنْ أَميرٍ مُرْتَقِ
أحَقُّ مَنْ حُلِّيَ بالأسْتاذِ والشَّـ = ـيْخِ الفقيهِ العالِمِ المُحَقِّقِ
وبالمُحَدِّثِ الشَّهيرِ والأدِيـ = ـبِ والمُجِيدِ والبليغِ المُفْلِقِ
وأعْلَمُ الناسِ بدُونِ مِرْيَةٍ = سِيَّانِ مَنْ بمَغْرِبٍ ومَشْرِقِ
بالشِّعْرِ والتَّاريخِ والأمْثالِ والأنْـ = ـسَابِ والآثارِ سَلْ تُصَدِّقِ
فَبَشِّرَنْ ذاكَ الحسودَ أنَّهُ = يَظْفَرُ في بَحْرِ الهِجَا بالغَرَقِ
وقُلْ لَهُ إذا اشْتَكَى مِنْ دَنَسٍ = أنْتَ الذي سَلَكْتَ نَهْجَ الزَّلَقِ
وفُقْتَ في الْجُرْأَةِ خاصِي أسَدٍ = فَمُتْ بِغَيْظِكَ وبالرِّيقِ اشْرَقِ
ومَا الذي دعاكَ يا خَبُّ إلى = ذِي الأُفْعُوانِ ذي اللّسانِ الفَرَقِ
نَطَقْتَ بالزُّورِ أمَا كُنْتَ تَعِي = أنَّ البَلا مُوَّكَلٌ بالمَنْطِقِ
ولَمْ تَخَفْ مِنْ شاعرٍ مَهْما انْتَضَى = سَيْفَ الهِجَا فَرَى حِبالَ العُنُقِ
يا صاحِ سَلِّمْ للوَرَى تَسْلَمْ ولا = تَسُمْ فَصِيحَ النُّطْقِ بالتَّمَشْدُقِ
فذاكَ خَيْرٌ لَكَ واسْتَمِعْ إِلى = نُصْحِ الحَكيمِ الماهِرِ المُحَقِّقِ
فَكُنْ مُهَذَّبَ الطِّباعِ حافِظاً = لِحِكَمٍ وأدَبٍ مُفْتَرِقِ
وعاشِرِ النَّاسَ بِحُسْنِ خُلُقِ = تُحْمَدْ عَلَيْهِ زَمَنْ التَّفَرُّقِ
ولا تُصاحِبْ مَنْ يَرَى لِنَفْسِهِ = فَضْلاً بِلا فَضْلٍ وغَيْرَ المُتَّقِ
وكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ = فَضْلٍ فَلا تُطْمِعْهُ بالتَّمَلُّقِ
وفَوِّقَنْ سَهْمَ النُّمَيْرِيِّ لِمَنْ = لِطُرُقِ العلْياءِ لَمْ يُوَفَّقِ
وافْعَلْ بِمَنْ تَرْتابُ مِنْهُ مِثْلَ فِعْـ = ـلِ المُتَلَمِّسِ اللَّبيبِ الحَذِقِ
ألْقَى الصَّحيفةَ بِنَهْرِ حِيرَةٍ = وَقَالَ يا ابْنَ هِنْدٍ أرْعِدْ وأبْرِقِ
ولا تَعِدْ بِوَعْدِ عُرْقوبٍ أخاً = وفِهْ وَفَا سَمَوْأَلٍ بالأبْلَقِ
شَحَّ بأَدْرُعِ امرىءِ القَيْسِ وقَدْ = تَرَكَ نَجْلَهُ غَسَيلِ العَلَقِ
ومِثْلَ جارٍ لأبي دُؤَادَ لا = تَطْمَعْ بِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ بالأحْمَقِ
واحْمَدْ جَلِيساً لا تَخافُ شَرَّهُ = وكابْنِ شَوْرٍ لَنْ تَرَى مِنْ مُطْرِقِ
وَلْتَكُ أبْصَرَ مِنَ الهُدْهُدِ والزَّرْ = قَا بِعَيْبِ نَفْسِكَ المُحَقَّقِ
وَكُنْ كَمِثْلِ وَاسِطِيٍّ غَفْلَةً = عَنْ شَتْمِ ضَارِعٍ وعَتْبِ سُقُقِ
واعْدُ على رِجْلَيْ سُلَيْكٍ هارِباً = مِنْ قُرْبِ كُلِّ خُنْبُقٍ وسَهْوَقِ
وَكُنْ نَدَيمَ الفَرْقَدَيْنِ تَنْجُ مِنْ = مُنَغِّصٍ ومِنْ طُرُوِّ الرَّنَقِ
وَكُنْ كَعَقْرَبٍ وَضَبٍّ مَعَ مَنْ = عَلَيْكَ قَلْبُهُ امْتَلا بالحَنَقِ
ثُمَّتَ لا تَعْجَلْ وكُنْ أبْطَأَ مِنْ = غُرابِ نُوحٍ أوْ كَفِنْدِ المُوسِقِي
مَضَى لِنارٍ طالِباً وبَعْدَ عَا = مٍ جَا بِهَا يَسُبُّ فَرْطَ القَلَقِ
وخُذْ بِثأرِكَ كَمَنْ أتَى = بِالجَيْشِ خَلْفَ شَجَرٍ ذِي وَرَقِ
وانْتَهِزْ الفُرْصَةَ مِثْلَ بَيْهَسٍ = وبِالمُدَى لَحْمَ العُداةِ شَرِّقِ
وكابْنِ قَيْسٍ بِهِمُ كُنْ مُولِماً = وَلِيمةً شَهِيرَةً كالفَلَقِ
يَوْمَ مِلاكِهِ بأمِّ فَرْوَةٍ = عَرْقَبَ كُلَّ ذاتِ أرْبَعٍ لَقِي
ولا تَدَعْ وإنْ قَدَرْتَ حِيلَةً = فَهْيَ أَجَلُّ عَسْكَرٍ مُدَهْرِقِ
إنْ كانَ في سَفْكِ دَمِ العِدَا الشِّفَا = سَفْكُ دَمِ البَريءِ غَيْرُ أَلْيَقِ
ولا تُحارِبْ ساقِطَ القَدْرِ فَكَمْ = مِنْ شِّهَةٍ قَدْ غُلِبَتْ بِبَيْذَقِ
وَكَمْ حُبَارَى أمَّهَا صَقْرٌ فَلَمْ = يَظْفَرْ بِغَيْرِ حَتْفِهِ بِالذَّرَقِ
وكَمْ عُيُونٍ لأسُودٍ دَمِيَتْ = بالعَضِّ مِنْ بَعُوضِها المُلْتَصِقِ
والْخُلْدُ قَدْ مَزَّقَ أقوامَ سَبَا = وهَدَّ سَدّاً مُحْكَمَ التَّأَنُقِ
ولا تُنَقِّصْ أحَداً فَكُلُّنَا = مِنْ رَجُلٍ وأصْلُنَا مِنْ عَلَقِ
لا تُلْزِمِ المَرْءَ عُيُوبَ أصْلِهِ = فالمِسْكُ أصْلُهُ دَمٌ في العُنُقِ
والخَمْرُ مَهْمَا طَهُرَتْ فَبَيْنَهَا = وبَيْنَ أصْلِهَا بِحُكْمٍ فَرِّقِ
ولا تُؤَيِّسْ طامِعاً في رُتْبَةٍ = لِنَيْلِهَا نَظِيرُهُ لَمْ يَرْتَقِ
فالزَّرْدُ يَوْمَ الغَارِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ = فَضْلٌ وكَانَ الفَضْلُ للخَدَرْنَقِ
وَقَوْسُ حاجِبٍ بِرَهْنِهَا لَدَى = كِسَرَى اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِمَا لَقِي
لا تَغْشَ دارَ الظُّلْمِ واعْلَمْ أنَّهَا = أخْرَبُ مِنْ جَوْفِ حِمَارٍ خَلَقِ
ولا تَبِعْ عَرْضَكَ بَيْعَ أبِي = غَبْشَانَ بَيْعَ الغَبْنِ والتَّبَلْصُقِ
باعَ السِّدَانَةَ قُصَيَّا آخِذاً = عِوَضَهَا نِحْياً مِنْ أمِّ زَنْبَقِ
ولا تَكُنْ كَأَشْعَبٍ فَرُبَّمَا = تَلْحَقُ يَوْماً وافِدَ المُحَرِّقِ
ولا تَكُنْ كوَاوِ عَمْروٍ زائِداً = فِي القَوْمِ أو كَمِثْلِ نُونِ مُلْحَقِ
واعْضُلْ كَهَمَّامٍ بَنَاتِ فِكْرةٍ = ضِنًّا بِهَا عَنْ غَيْرِ فَحْلٍ مُعْرِقِ
كي لا تَقُولَ بِلسانِ حالِها = مَقَالَ هِنْدٍ ألْقِ مَنْ لَمْ يَلِقِ
وسَلْ مُهُورَ كِنْدَةٍ إِنْ تُهْدِهَا = لِذِي نَدًى كالبَحْرِ في تَدَفُّقِ
لا تَنْسَ مِنْ دُنْياكَ حَظاًّ وإلى = كالطَّالَقَانِي والخَصِيبِ انْطَلِقِ
لا تَهْجُ مَنْ لَمْ يُعْطِ واهْجُ مَنْ أَتَى = إلى السَّرابِ بالدِّلاءِ يَسْتَقِي
وَعُدْ لِمَا عُوِّدْتَ مِنْ بَذْلِ اللُّهَى = فالعَوْدُ أَحْمَدُ لِكُلِّ مُمْلِقِ
ولا تَعُدْ لِحَرْبِ مَنْ مَنَّ ولَوْ = مَنَّ فَمَا غلَّ يداً كَمُطْلِقِ
والعَوْدُ يُخْتَارُ على مَنْ كانَ كالـ = ـمُخْتارِ أوْ مَنْ كانَ ذا تَزَنْدُقِ
والصَّمْتُ حَصْنٌ للفَتَى مِنَ الرَّدَى = وقَلَّ مَنْ شَرِّ لِسَانِهِ وُقِي
وإنْ وَجَدْتَ للكَلامِ مَوْضِعاً = فَكُنْ عِراراً فِيهِ أوْ كالأشْدَقِ
لا تَكْتُمِ الحَقَّ وقُلْهُ مُعْلِناً = فَهْوَ جَمَالُ صَوْتِكَ الصَّهَصْلَقِ
وَصِحْ بِهِ مِثْلَ شَبيبٍ وأَبِي = عُرْوَةَ والعبَّاسِ عِنْدَ الزَّعَقِ
لا تَنْسَ ما أوْصَى بِهِ البَكْرِي أخاً = فَهْوَ سَدَادٌ فَبِهِ السُّوءَ اتَّقِ
لا تَأْمَنِ الدَّهْرَ الخَؤُونَ إنَّهُ = أَرْشَقُ نَبْلاً مَنْ رُماةِ الحَدَقِ
لا تَرْجُوَنْ صَفْواً بِغَيْرِ كَدَرٍ = فَذَا لِغَيْرِ اللهِ لَمْ يَتَّفِقِ
لا تَبْخَلَنْ بِرَدِّ ما اسْتَعَرْتَهُ = كَضَابِىءٍ فالبُخْلُ شَرُّ مُوبِقِ
شَحَّ بِرَدِّ كَلْبِ صَيْدٍ وهَجَا = أرْبَابَهُ ظُلْماً فَلَمْ يُصَدَّقِ
ومَاتَ في سِجْنِ ابْنِ عَفَّانَ كَمَا = قَضَى الإلهُ مِيتَةَ المُحَزْرَقِ
ونَجْلُهُ مِنْ أجْلِهِ أجَلُهُ = مِنْ سَطْوَةِ الحَجَّاجِ لَمْ يَكُنْ وُقِي
واسْتُرْ عَنِ الحُسَّادِ كُلَّ نِعْمَةٍ = كَمْ فاضِلٍ بِكَأْسِ مَكْرِهِمْ سُقِي
فَصَاعِدٌ على مَدِيحِ وَرْدَةٍ = أصْبَحَ مُنْحَطاًّ بِقَوْلِ سَهْوَقِ
وافْخَرْ كَفَخْرِ خَالِدٍ بالعِيرِ والـ = ـنَّفِيرِلا بِحُلَّةٍ مِنْ سَرَقِ
واتَّخِذِ الصَّبْرَ دِلاصاً سَابِغاً = وبِمِجَنٍّ عُمْرٍ لا تَتَّقِي
وإِنْ حَمَلْتَ رايَةَ الأمْرِ فَكُنْ = كَجَعْفَرٍ أوْ دَعْ ولا تَسْتَبِقِ
قَدْ قُطِعَتْ يَداهُ يَوْمَ مُؤْتَةٍ = ولَمْ يَدَعْهَا لِكَمِيٍّ سَوْحَقِ
لَكِنَّهُ احْتَضَنَهَا حُباًّ لَهَا = فيَا لَهُ مِنْ سَيِّدٍ مُوَفَّقِ
وَكُنْ إذا اسْتَـنْجَدْتَ مِثْلَ مَنْ غَزَا = أَرْضَ العِدَا بِكُلِّ طِرْفٍ أبْلَقِ
وَسُمْ عَدُوَّ الدِّينِ بالخَسْفِ وكُنْ = مِثْلَ أبِي يُوسُفَ ذِي التَّخَبُّقِ
رَدَّ كتَابَ مَنْ دَعَاهُ للوَغَى = مِنْهُمْ مُمَزَّقاً لفَرْطِ الحَنَقِ
وقَالَ إنِّي لا أُجِيبُ بِسِوَى = جَيْشٍ عَرَمْرَمٍ وخَيْلٍ دُلُقِ
وَضَرَبَ الفُسْطَاطَ في الحِينِ وقَدْ = أحاطَ جَيْشُهُ بِهِمْ كالشَّوْذَقِ
وكانَ ما قَدْ أبْصَرُوا مِنْ بأْسِهِ = أبْلَغَ مِنْ جَوَابِهِ المُشَبْرَقِ
يا صاحِ واشْغَلْ فُسْحَةَ العُمْرِ بِمَا = يَعْنِي وَزُرْ غِباًّ رُسُومَ العَيْهَقِ
وابْكِ على ذَنْبٍ وقَلْبٍ قَدْ قَسَا = كالصَّخْرِ مِنْ هَوَاهُ لَمْ يَسْتَفِقِ
بِمُقْلَةٍ كَمُقْلَةِ الخَنْساءِ إذْ = بَكَتْ عَلَى صَخْرٍ بِلا تَرَفُّقِ
أوْ كَبُكَا فَارِعَةٍ عَلَى الوَلِيـ = ـدِ وبُكَاءِ خِنْدِفٍ وخِرْنِقِ
وَكُنْ مُتَمِّماً بُكَا مُتَمِّمِ = عَلَى الذُّنُوبِ وارْجُ عَفْوَ مُعْتِقِ
وَكُنْ خَمِيصَ البَطْنِ مِنْ زَادِ الرِّبَا = وخَمْرَةَ التَّقْوَى اصْطَبِحْ واغْتَبِقِ
وحَصِّلِ العِلْمَ وَزِنْهُ بالتُّقَى = وسائِرَ الأوْقَاتِ فِيهِ اسْتَغْرِقِ
ولْيَكُ قَلْبُكَ لَهُ أفْرَغُ مِنْ = حَجَّامِ سَابَاطَ ومَنْ لَمْ يَعْشَقِ
ولا تَكُنْ مِنْ قَوْمِ مُوسَى واصْطَبِرْ = لِكَدِّهِ ولِلْمِلالِ طَلِّقِ
وَخُصَّ عِلْمَ الفِقْهِ بالدَّرْسِ وكُنْ = كاللَّيْثِ أوْ كأَشْهَبٍ والعُتَقِي
وفِي الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ إنْ لَمْ تَكُنْ = مِثْلَ البُخَارِيِّ فَكُنْ كالبَيْهَقِي
فالعِلْمُ في الدُّنْيَا وفِي الأخْرَى لَهُ = فَضْلٌ فَبَشِّرْ حِزْبَهُ شَراًّ وُقِي
واعْنَ بِقَوْلِ الشِّعْرِ فالشِّعْرُ كَمَـ = ـالٌ للفَتَى إنْ بِهِ لَمْ يَرْتَزِقِ
والشِّعْرُ للمَجْدِ نِجَادُ سَيْفِهِ = وللعُلَى كالعِقْدِ فَوْقَ العُنُقِ
فَقُلْهُ غَيْرَ مُكْثِرٍ مِنْهُ ولا = تَعْبَأْ بِقَوْلِ جَاهِلٍ أوْ أحْمَقِ
وإنْ تَكُنْ مِنْهُ عَدِيمَ فِكْرَةٍ = فاعْنَ بِجَمْعِ شَمْلِهِ المُفْتَرِقِ
ما عابَهُ إلاَّ عَيِيٌّ مُفْحَمٌ = لِعْرْفِهِ الذَّكيِّ لَمْ يَسْتَنْشِقِ
كَمْ حَاجَةٍ يَسَّرَهَا وكَمْ قَضَى = بِفَكِّ عانٍ وأسِيرٍ مُوثَقِ
وكَمْ أديبٍ عادَ كالنَّطْفِ غِنًى = وكانَ افْقَرَ مِنَ المُذَلَّقِ
وَكَمْ حَدِيثٍ جَاءَنَا عَنْ فَضْلِهِ = عَنْ سَيِّدٍ عَنِ الهَوَى لَمْ يَنْطِقِ
وقَدْ تَمَثَّلَ بِهِ وكَانَ مِنْ = أصْحَابِهِ يَسْمَعُهُ فِي الحِلَقِ
وقَدْ بَنَى المِنْبَرَ لابْنِ ثابِتٍ = فَكَانَ للإِنْشَادِ فِيهِ يَرْتَقِي
وقَالَ لابْنِ أهْتَمٍ فِي مَدْحِهِ = وذَمِّهِ للزِّبْرِقانِ الأسْمَقِ
مَقَالَةً خَتَمَهَا بِقَوْلِهِ = إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةٍ تَقِي
وَعِنْدَمَا سَمِعَ مِنْ قُتَيْلَةٍ = رَثْيَ قَتِيلِهَا الذي لَمْ يُعْتَقِ
رَدَّ لَهَا سَلَبَهُ وقَدْ بَكَى = شَفَقَةً بِدَمْعِهِ المُنْطَلِقِ
وَقَدْ حَبَا كَعْباً غَدَاةَ مَدْحِهِ = بِبُرْدَةٍ ومائَةٍ مِنْ أيْنُقِ
وَبَشَّرَ الجَعْدِيَ وابْنَ ثابِتٍ = بِجَنَّةٍ جَزَاءَ شَعْرٍ عُسْنُقِ
كَمْ خَامِلٍ سَمَا بِهِ إلى العُلا = بَيْتُ مَدِيحٍ مِنْ بَلِيغٍ ذَلِقِ
مِثْلُ بَنِي الأنْفِ ومِثْلُ هَرِمٍ = وكالذَّي يُعْرَفُ بالمُحَلَّقِ
وَكَمْ وَكَمْ حَطَّ الهِجَا مِنْ ماجِدٍ = ذِي رُتْبَةٍ قَعْسَا وقَدْرٍ سَمِقِ
مِثْلِ الرَّبِيعِ وبَنِي العَجْلانِ مَعْ = بَنِي نُمَيْرٍ جَمَراتِ الحَدَقِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ للشِّعْرِ عِنْدَ مَنْ مَضَى = فَضْلٌ عَلَى الكَعْبَةِ لَمْ يُعَلَّقِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانُ آيَةٍ = ما فُسِّرَتْ مَسَائِلُ ابْنِ الأزْرَقِ
ما هُوَ إلاَّ كالكِتابَةِ ومَا = فَضْلُهُمَا إلا كشَمْسِ الأُفُقِ
وإنَّمَا نُزِّهَ عَنْهُمَا النَّبِي = ليُدْرِكَ الإعْجازَ بالتَّحَقُّقِ
فَهِمْ بِهِ فإنَّهُ لا شَكَّ عُنْـ = ـوانُ الحِجَا والفَضْلِ والتَّحَذْلُقِ
وَهْوَ إِكْسِيرٌ وتَدْبِيرٌ لِمَنْ = رَامَ اصْطِيادَ وَرِقٍ بِوَرَقِ
مِنْ غَيْرِ تَقْطِيرٍ وتَصْعِيدٍ وتَكْـ = ـلِيسٍ وتَرْطِيبٍ وقَتْلِ زِئْبَقِ
وَكُنْ لَهُ رَاوِيةً كالأصْمَعِي = والجَهْلُ أوْلَى بالذي لَمْ يَصْدُقِ
ولَكَ فِيمَنْ كانَ مِثْلَ الأمَـ = ـوِيِّ أُسْوَةٌ بِهَا اقْتَدَى كُلُّ تَقِي
هَذا هُوَ المَجْدُ الأصِيلُ فاتَّبِعْ = سَبِيلَهُ عَلَى الجَمِيعِ تَرْتَقِي
وإنْ أَرَدْتَ أنْ تَكُونَ شَاعِراً = فَحْلاً فَكُنْ مِثْلَ أَبِي الشَّمَقْمَقِ
مَا خِلْتُ فِي العَصْرِ لَهُ مِنْ مَثَلٍ = سِوَى أبِي في مَغْرِبٍ ومَشْرِقِ
لِذَاكَ كَنَّاهُ بِهِ سَيِّدُنَا السُّلْـ = ـطانُ عِزُّ الدِّينِ تَاجُ المَفْرِقِ
مُحَمَّدٌ سِبْطُ الرَّسُولِ خَيْرُ مَنْ = سَادَ بِحُسْنِ خَلْقِهِ والخُلُقِ
أعْنِي أمِيرَ المُؤْمِنينَ ابْنَ أمِيرِ المُـ = ـؤْمِنِينَ ابْنَ الأمِيرِ المُتَّقِي
خَيْرُ مُلُوكِ الغَرْبِ مِنْ أُسْرَتِهِ = وغَيْرِهِمْ عَلَى العُمُومِ المُطْلَقِ
وَدَوْحَةُ المَجْدِ التِي أغْصَانُهَا = بِهَا الأرَامِلُ ذَوُو تَعَلُّقِ
لَهُ مُحَيَّا ضَاءَ فِي أَوْجِ الدُّجَى = سَنَاهُ مِثْلَ القَمَرِ المُتَّسِقِ
ورَاحَةٌ تَغَارُ من سُيُولِهَا = سُيُولُ وَدْقٍ ورُكامٍ مُطْبِقِ
فَاقَ الرَّشيدَ وابْنَهُ بِحِلْمِهِ = وعِلْمِهِ ورَأْيِهِ المُوَفَّقِ
وسَادَ كَعْباً وابْنَ سُعْدَى وابْنَ جُدْ = عَانَ وحَاتِماً بِبَذْلِ الوَرِقِ
ولَمْ يَدَعْ مَعْنًى لِمَعْنٍ في النَّدَى = ولَمْ يَكُنْ كَمِثْلِهِ في الخُلُقِ
مُذْ كانَ طِفْلاً والسَّمَاحُ دَأْبُهُ = وغَيْرَ مَأْخَذِ الثّنَا لَمْ يَعْشَقِ
نَشَأَ فِي حِجْرِ الخِلافَةِ ومُذْ = شَبَّ فَتًى بِغَيْرِهَا لَمْ يَعْلَقِ
فَبَايَعَتْهُ الناسُ طُراً دَفْعَةً = لَمْ يَكُ فِيهَا أَحَدٌ بالأسْبَقِ
وأُعْطِيَتْ قَوْسُ العُلا مَنْ قَدْ بَرَى = أعْوَادَهَا رِعَايَةً لِلألْيَقِ
فَصَارَ فَيْءُ العَدْلِ فِي زَمَانِهِ = مُنْتَشِراً مِثْلَ انْتِشَارِ الشَّرَقِ
وشَادَ رُكْنَ الدينِ بالسيْفِ وقَدْ = حَازَ بِتَقْوَاهُ رِضَى المُوَفَّقِ
وَقَدْ رَقَى فِي مُلْكِهِ مَعَارِجاً = لَمْ يَكُ غَيْرُهُ إِلَيْهَا يَرْتَقِي
ورَدَّ أرْواحَ المكارِمِ إِلى = أجْسَادِهَا بَعْدَ ذَهَابِ الرَّمَقِ
والسَّعْدُ قَدْ ألْقَى عَصَى تَسْيَارِهِ = بِقَصْرِهِ وخَصَّهُ بِمَعْشَقِ
يا مالِكاً أَلْوِيَةَ النَّصْرِ عَلَى = نَظِيرِهِ فِي غَرْبِنَا لَمْ تَخْفَقِ
طابَ المَدِيحُ فِيكُمُ وازْدانَ لِي = وجَاشَ صَدْرِي بالفَرِيدِ المُونِقِ
لَوْلاكَ كُنْتُ للقَرِيضِ تارِكاً = لِعَدَمِ البَاعِثِ والمُشَوِّقِ
تَرْكَ الغَزَالِ ظِلَّهُ وَوَاصِلٍ = للرَّاءِ وابْنِ تَوْلَبٍ للمَلَقِ
وَكُنْتُ فِي تَرْكِي لَهُ كابْنِ أبِي = رَبِيعةَ النَّاذِرِ عِتْقَ الهُبْنُقِ
وَمُذْ بِكَ الرحمنُ مَنَّ لَمْ يَزَلْ = فِكْرِي فِي بَحْرِ الثَّنَا ذا غَرَقِ
لا زِلْتَ بَدْراً في بُرُوجِ الشِّعْرِ تَنْـ = ـسَخُ بِنُورِكَ ظَلاَمَ الغَسَقِ
ولا بَرِحْتَ بالأمَانِي ظافِراً = ومُدْرِكاً لِمَا تَشَا مِنْ أَنَقِ
بسُورَةِ الفَتْحِ وطهَ والضُّحَى = وآيَةِ الكُرْسِي وآيِ الفَلَقِ
إِلَيْكَهَا أُرْجُوزةً حُسَّانَةً = لِمِثْلِهَا ذو أدَبٍ لَمْ يَسْبِقِ
كَأنَّهَا أسْلاكُ دُرٍّ ويَوَا = قِيتَ تُضِي كالبَارِقِ المُؤْتَلِقِ
أعَزُّ مِنْ بَيْضِ الأُنُوقِ ومنَ الـ = ـعَنْقَا ومِنْ فَحْلٍ عَقُوقٍ أبْلَقِ
مَا رَوْضَةٌ فَيْنَانَةٌ غَنَّاءُ قَدْ = جَادَتْ لَهَا السُّحْبُ بِماءٍ غَدَقِ
فابْتَسَمَتْ أغْصانُهَا عَنْ أبْيَضٍ = وأحْمَرٍ وأصْفَرٍ وأزْرَقِ
يَوْماً بأبْهَى للعُيونِ مَنْظَراً = مِنْهَا ولا كَلَفْظِهَا المُرَوْنَقِ
ما لِجَريرٍ وجَميلٍ مِثْلُهَا = فِي غَزَلٍ وفِي نَسِيبٍ مُونِقِ
فَلَوْ رآهَا الأصْمَعِيُّ خَطَّهَا = كَيْ يَسْتَفيدَ بِسَوادِ الحَدَقِ
أو فَتَحَ الفَتْحُ عَلَيْهَا طَرْفَهُ = سَامَ قلائِدَهُ بالتَّمَزُّقِ
أوْ وَصَلَتْ للمُوصِلِي فيما مَضَى = عِنْدَ الغِنَا بِغَيْرِهَا لَمْ يَنْطِقِ
أَوْ ابْنُ بَسَّامَ رآهَا لَتَدَا = رَكَ الذَّخِيرةَ بِهَا عَنْ مَلَقِ
ولا أدِيبٌ مِنْ قُرَى أنْدَلُسٍ = جَرَتْ بِهَا أقْلامُهُ فِي مُهْرَقِ
حَصَنَّتُهَا بسورةِ الضُحَى إذا = هَوَى من المنتحل المشترق
فالحَمْدُ للهِ الذي صَيَّرَها = إثْمِدَ عَيْنٍ مُنْصِفِ مُوَفَّقِ
والحمدُ للهِ الذي جَعَلَهَا = قَذًى بِعَيْنِ الحاسِدِ الحَفَلَّقِ
ثُمَّ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما تَغَـ = ـنَّتْ أمُّ مَهْدِيٍّ بِرَوْضٍ مُورِقِ
عَلَى النَّبِي وآلِهِ وصَحْبِهِ = وتابِعِيهِمْ مَنْ مَضَى ومَنْ بِقِي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى