أدب أندلسي ضياء الدين الجماس - الموشحات الأندلسية.. دراسات تطبيقية

الموشحات
الموشحات جمع موشحة ، وهي مشتقة من الوشاح وهو -كما في المعاجم- خَيْطان من لؤلؤ وجوهر منظومان متخالفان أو متباينان فيما بينهما ، معطوف أحدها على الآخر.
وهكذا تتألف الموشحة من سلسلتين من الأشطار الشعرية. سلسلة أغصان الأقفال وسلسلة أسماط البيوت. (يؤلف مجموعهما الدور). وليس هناك ضابطة لنوع تفعيلات الموشحة في سلسلتيها. فقد تكون خليلية أساسية مستعملة أو غيرها من المهملات. ولكن من أجل جمالية الإيقاع هناك إرشادات عامة :
يمكن أن تنظم الموشحة على بحر واحد بجميع مكوناتها من أغصان أو أسماط. واختيار البحر أمر ذوقي للناظم وبحسب هدف موضوع الموشحة (غزل ، مدح ، رثاء ، زهد...). وأكثر البحور استعمالاً في الموشحات الرمل والهزج والرجز.. واستعملوا من البحور المهجورة بحر شوقي.. ويمكن أن يختلف بحر الأقفال عن بحر أغصان البيوت، و في هذه الحالة يفضل أن يكونا متقاربي التفعيلات (كالرمل والمديد ). وأهم ما يقال في ضوابط التفعيلات فيما بين أغصان الأقفال أو أسماط البيوت فيما بينها هو التقابل في الطول والقوافي والروي لأن الأمر يتعلق بجمالية الموسيقى وتلحينها.
نشأة الموشحات:
لقد نشأت الموشحات في الأندلس، أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكانت نشأتها في تلك الفترة التي حكم فيها الأمير عبد الله بن محمد، وفي هذه السنين التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب، وقوى احتكاك العنصر العربي بالعنصر الأسباني من جانب آخر. فكانت نشأة الموشحات استجابة لحاجة فنية أولاً، ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانياً، أما كونها استجابة لحاجة فنية فبيانه أنَّ الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى واهتموا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب (أبو الحسن علي بن نافع)، و أشاع فيهم فنه. ويظهر أن الأندلسيين أحسوا بتخلف القصيدة الموحدة، إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في بأسلوبه العمودي، أمام النغم في حاضره التجديدي المرن. و أصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر الجديد، ويواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تنوعت فيه الأوزان وتعددت فيه القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساساً من أسسه، فهو ينظم أساساً للتلحين والغناء.
وأما كون نشأة الموشحات قد جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية، فبيانه أن العرب امتزجوا بالأسبان، وألفوا شعباً جديداً مختلطاً فيه عروبة وأسبانية، وكان من مظاهر الامتزاج أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية كما عرف العامية العربية، أي أنه كان هناك ازدواج لغوي نتيجة للازدواج العرقي.
مخترع الموشحات:
وقد كان مخترع الموشحات في الأندلس شاعرا من شعراء فترة الأمير عبد الله اسمه مقدم بن معافر القبرى (على الراجح). وقيل أنه محمد بن محمود.
تعريف الموشح :
حسب ابن سناء الملك: أي كلام منظوم على وزن مخصوص .
وقد ظهر في أواخر القرن الثالث الهجري وسمي بموشح لشبهه بوشاح المرأة ذي السلكين المرصعين باللؤلؤ والجواهر، لما فيه من ترصيع وتزيين لغوي وتلحين غنائي منوع...
أسباب ظهور الموشحات
1- التحرر من الأوزان والقوافي التقليدية نتيجة التأثر بالحضارة الإسبانية.
2- خطاب العوام بأسلوب الدعابة والرقة .
3- سهوله الموشحات للغناء والتلحين.
أجزاء الموشحات :
يتألف الموشح أساساً من نمطين متميزين في التكوين ولذلك يشبه الانتظام وفق سلكين كالوشاح هما وزن الأقفال والبيوت .
1- الأقفال : واحدها القفل ويعتبر الشطر الأول منه مركزاً للموشحة تدور حوله مواضيعه ، ويتألف القفل على الأقل من شطرين شعريين مفردين (أشطار الأقفال لا تكون مركبة) وقد يكون العدد أكثر من ذلك (حتى اثني عشر غصناً)، ويجب أن تكون كلها موزونة من البحر ذاته ، ويسمى كل شطر من الأقفال غصناً ، ولما كانت مفردة غير مركبة فالأجمل أن تكون متساوية، ولكن التطبيق العملي يظهر عدم اشتراط ذلك كشرط فيها. وإذا استعملت الأغصان المتفاوتة الطول فالأفضل جعل التفاوت في البحر ذاته بين تامه ومجزوئه ومنهوكه. ويستحسن تسلسل الطول تدريجياً. ويجب أن تكون الأغصان متفقة مع باقي أغصان الأقفال الأخرى في العدد والوزن (التفعيلات) وحروف الروي على التقابل ولا يشترط اتفاقها بالقوافي (حسب التعريف الخليلي لها). والأصل أن تكتب الأغصان أفقياً مع فواصل بينها, وإذا كان السطر الواحد لا يكفيها فيمكن كتابتها على أكثر من سطر ( غصن واحد في السطر الواحد. وقد يكتب غصنان في السطر الأول ثم غصن في السطر الواحد)
مثال :
(1)- تفتر عن جوهرٍ ثمين .(2)- جلا .(3)- أن يُجتلى..(4)- يُحمى بقضبٍ من الجفون
ويمكن كتابتها على أكثر من سطر كما يلي :
(1)- تفتر عن جوهرٍ ثمين ...(2)- جلا
(3)- أن يُجتلى
(4)- يُحمى بقضبٍ من الجفون

وللأقفال ثلاثة أنماط :

القفل المطلع : ويسمى المذهب أو اللازمة ، ويسمى أيضاً القفل الصفري . وإذا بدأ الموشح بهذا المطلع سمي الموشح بالتام، وقد يحذف من الموشح ويكون البدء بأسماط البيت الأول ويسمى عند ذلك الموشح بالأقرع .
قفل البيت : وهو القفل الذي يتلو انتهاء مجموعة أسماط البيت . ويجب أن يكون متطابقاً مع أشطار المطلع (إن وجد) . ويعطى كل قفل رقم ترتيبه بعد البيت الأول بالقفل الأول ثم القفل الثاني فالثالث ... وتحتوي الموشحة على خمسة إلى ستة أقفال. (أو أكثر). ويختم القفل أسماط البيت فوقه ويسمى معها ما يعرف بالدور.

ج - الخرجة : وهي القفل الأخير من الموشح ويمتاز عن غيره بأنه يتضمن كلاماً من كلام العوام وينظم بروح الفكاهة وقد يستعمل فيه الكلام الأعجمي بقصد حفظ الأدب فيما يتعلق بالكلمات الفاحشة في موشحات الغزل. ويسبق أو يبدأ عادة بكلمة قالت أو قلت : ...
2- البيوت: مفردها البيت (يختلف عن مفهوم البيت الشعري ) ويتألف من مجموعة أسطر (أسماط ويسميها البعض أغصان) أقلها ثلاثة أسطر في كل بيت. وتتكون من أشطار شعرية قد تكون مفردة (سمط واحد في السطر الواحد) أو مركبة (أكثر من سمط في السطر الواحد) وتكون متفقة بوزنها وبحرها وقافيتها وحرف رويها مع باقي الأسماط في البيت الواحد لكنها تختلف بحرف رويها عن روي باقي البيوت من الأدوار الأخرى. وهناك من خالف وجعل كل بيت على بحر مختلف.(ولا يقاس على ذلك لأنه قليل). وقد يكون الموشح كله (الأقفال والبيوت) منظوماً على بحر واحد ، وقد تنظم الأقفال على بحر مختلف عن بحر البيوت . وإذا اختلفا في البحر فالأولى أن يكون البحران متقاربين. ويختم البيت بقفل يشكل معه الدور.
ما الدور ؟ : هو القسم المؤلف من البيت والقفل الذي يليه ويتراوح عدد الأدوار التقليدي بين 5-6 أدوار في الموشح لكنه قد يكون أقل أو أكثر من ذلك.. (سمى الأبشيهي البيوت أدواراً والأدوار بيوتاً )
الشطر الشعري: وهو الوحدة الأساسية التي يقوم عليها الموشح وله اسمان أساسيان :
أ - السمط : أي شطر شعري من البيوت ، ويكون مفرداً أو مركباً ، ولذلك قد يتألف السطر الواحد من البيت من أكثر من شطر (سمط) شعري على بحر واحد عادة . وإذا كانت الأسماط مفردة فيجب أن تكون متساوية ولا يشترط تساويها طولاً إذا كانت مركبة. والأفضل التدرج في الطول (إذا كانت مركبة) بحيث ينساب الكلام انسياباً مع تقابل أطوال الأسماط بين أسطر البيت الواحد. ومن أجل التناظر يجب أن يكون عدد الأسطر في كل بيت مماثل لأسطر البيوت الأخرى (أقلها ثلاثة أسطر في كل بيت )
ب- الغصن هو كل جزء أو شطر شعري من أشطر الأقفال .وقد تكون أغصان القفل الواحد متساوية الطول ( وهو الأولى) أو غير متساوية لكنها متفقة الوزن وبالتقابل من أشطار باقي الأقفال في أوزانها وحروف رويها. ولا يشترط تماثل قوافيها الخليلية إلا في القفل الواحد وأما باقي الأقفال فقد تختلف في قوافيها.
وسنتابع بضرب أمثال تطبيقية ليكون الفهم والتطبيق سهلاً إن شاء الله تعالى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى