ناصر الظفيري - هذه ليست قصة قصيرة..

وصلت الكويت بعد رحلة استغرقت قرابة يومين وطيران لنصف يوم، كانت الساعة السادسة مساء ولم أستطع أن أقاوم التعب والارهاق. نمت في التاسعة مساء ولم استيقظ الا في السادسة فجرا. كانت الأسرة نائمة في عطلة نهاية الاسبوع. فكرت أن أخرج للشارع أتريض قليلا. خرجت باتجاه الشارع أسير دون وجهة محددة. أتأمل المساكن والبيوت وكأنني لم أغادرها أبدا. ليس هناك أحد في الشارع سوى بعض العمال وسائقي المنازل ينظفون الممرات والساحات الأمامية للبيوت والسيارات التي تزداد رفاهية من عام الى آخر. منذ سنوات طويلة وأنا أذهب وأعود ولم يستقر الشارع على حال، في كل مرة يعاني ويرمم لبعض الوقت ويعود كما كان في السابق. أكوام من حجارة الهدم وقمامة مهملة لم يكترث أحد لإزالتها.

في التاسعة صباحا أحسست بالجوع، دخلت شارع الجمعية التعاونية المقابل لمنزلنا، لم يتغير شيء مما أعرفه منذ نشأة المدينة، ذات الروائح الكريهة المنبعثة من المطاعم الصغيرة التي تبيع المأكولات الشعبية، نفس المبنى المتهالك من صفيح "الكيربي"، الشارع المرصوف منذ زمن لا أستطيع تحديده الآن نالت منه عوامل التعرية، حفر صغيرة هنا وهناك لم تكلف أي جهة نفسها في ترميم الطريق أو تسهيل الدخول والخروج اليه ومنه. سيارات تتحرك دون نظام وبعض النساء والأطفال يقفون أمام المحال الصغيرة التي اقتسمها الحلاق والخياط ومطعم هندي وملحمة ومسمكة ومطعم عربي ومحل لبيع الملابس وآخر لبيع الدواجن ومحل للحلويات وعليهم جميعا أن يتعايشوا في جو من الروائح المتبادلة.

أمام المطعم الهندي الصغير يقف رجلان من الهند وامرأة تقف بعيدا عن الباب الذي احتله الرجلان. توقفت خلفهما بانتظار دوري. ولم يتحرك الطابور الصغير حتى اقتحمه رجل بملابس كويتية ليقف الأول في الطابور دون أن يهتم لمن قبله. قلت له بأدب "نحن نقف في الدور قبلك". نظر الي مستغربا أنني الآخير في الطابور

"الأخ كويتي، ليش واقف وراهم" يقصد الرجلين. "أنا في دوري. أنت تجاوزتنا دون سبب". لم يهتم كثيرا اقترب أكثر من الباب وطلب ما يريد وانصرف دون أن ينظر الي. أخذت طلبي وخرجت الى المطعم العربي. أمامي طفلان تنتظر أمهما في الخارج. قال لي البائع: ماذا تريد؟ قلت بأدب: هما قبلي سأطلب بعد أن ينتهيا. قال: هؤلاء "عيال" تفضل أنت. أعدت الجملة مرة أخرى وهو يصر بشكل غريب أنهما ليسا أكثر من عيال. لم أطلب حتى أنهى طلبهما.

حين تجاوزت المحال من الخلف كانت القمامة مكدسة خلف المحلات. زيوت على الأرض، بقايا طعام وطريق ترابي صغير يقود الى "غرفة" لبيع الخبز. وقفت في الدور مرة أخرى خلف مجموعة من الجاليات وأتوقع في أي لحظة أن يقتحم الطابور رجل كويتي بملابس وطنية لا تسمح له بالوقوف في الدور. طلبت كيسين خبز. سألت البائع عن سعرهما ونظر الي باستغراب. قال: لم يتغير سعر كيس الخبز. فقلت: لماذا يتغير الناس في بلد لم يتغير فيه سعر كيس الخبز! نظر الي ولم يرد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى