بانياسيس - السبعة الكبار - قصة قصيرة

- إذن فقد فعلتها من قبل؟
كان قد انكفأ على ظهره دون أن ينظر إليها وقد اتسعت عيناها جزعا. قالت بصوت مرتعش:
- ماذا تقصد؟
أجابها بهدوء:
- تعرفين ما أقصد..
تهدج صوتها وجسدها يرتعد:
-أقسم لك لم افعل شيئا .. أقسم بشرف أمي...
لكنه قال ببرود:
- لا تقسمي ولا أقسم لك...يمكنك أن تشرحي لأهلك هذا الكلام عندما تعودي إلى منزل والدك الآن..
صاحت:
- لن تفعل ذلك..لن تفضحني...
قال بغير تردد:
- الآن وفورا.. احزمي حقائبك وغادري على الفور...
- لن تفعل ذلك..أرجوك؟
- اسمعي يا بنت الناس...أملك ان افعل بك أكثر من ذلك ولكني اخترت ما يحافظ لي علي كرامتي كرجل...
-لماذا إذا أكملت معي؟ لماذا لم تتوقف في تلك اللحظة؟
ابتسم بخبث:
- لن أخرج من المولد بلا حمص فوق ذلك.. هيا عليك بالمغادرة الآن وكل ما دفتعه لك يجب أن يعود لي حتى لا أرفع دعوى ملاعنة تتحدث بها ركبان قبيلتك...هيا..هيا...
اجهشت بالبكاء وهي تقول:
- أنت لا تفهم لقد تعرضت للاغتصاب وأنا طفلة...
قال:
- نعم تعرضت للاغتصاب وسقطت على قضيب معدني وأنت تلعبين ..وأجريت عملية استئصال للوزتين..كل هذا لا يهمني... غادري بهدوء بدلا عن أن تغادري بفضيحة...وكما أسلفت كل ما دفعته يجب أن يعود لي قبل انتصاف نهار هذا الصباح..

***

- خطأ يا عزو ..خطأ يا صديقي...
كانو يجلسون عند بائعة الشاي ، عالم قال ذلك وأضاف:
- موضوع الشرف والبكارة هذا شيء عفا عليه الزمن يا صديقي...
وعقب عليه أب شيبة:
- فوق هذا فالأمر أكثر تعقيدا مما تظن..ربما يكون الغشاء واسعا أو مطاطيا .. او بالفعل تعرض لتهتكات ... لماذا حكمت عليها بكل هذه القسوة...
أما الدسوقي ودفع الله والطالبي وحذيفة فقد ارتشفوا قهوتهم بصمت.
- اسمع يا صديقي..لا تقل لي أن هذا الأمر رجعية وتخلف..نعم أنا رجعي ومتخلف ولا اشتري سيارة مستهلكة مشت الاف الكيلومترات ...
- يا عزو .. لا تأخذ الأمر بهذا التعنت ... أنا أب شيبة شخصيا كنت مضرب مثل كل أهل الحي في العنف والرجولة والطيش ولكن في تلك اللحظة تحديدا أعملت عقلي...
انتبه اب شيبة إلى أن الجميع ثقبوه بدهشة حيرى...فقال بغضب:
- لماذا تنظرون لي هكذا؟...
لف الصمت الجميع فصاح:
- اللعنة..لماذا أنتم واجمون.. نعم لم تكن بكرا ..ولا أر أي مشكلة في ذلك ... كنت عقلانيا فقط .. لا أحب الفضائح لكي يلوك الغوغاء ألسنتهم بسيرتي وسيرة زوجتي...
واصل الباقون رشف القهوة بصمت ، اما بائعة الشاي فقد تجاهلت حديثهم رغم أنها كانت ترخي أذنها مستنطة كرجل استخبارات سري.
وضع عزو كوبه على الأرض وقال:
- لست طرطورا ... ثم ماذا حدث بعد ذلك..لقد هربت من منزلك وعادت مرتمية في صدر عشيقها..بعدها رفعت عليك دعوى طلاق ونفقة متعة ونفقة للطفل ودعوى خضانة ثم أودعتك السجن عندما لم تستطع الدفع...نعم كان هذا جزاؤك المنطقي عندما اكتشفت أنك مجرد وحيد قرن أهطل...
قال أب شيبة وعيناه تزدادان احمرارا:
- ستعود .. لن تتحمل البعد عني...
ضحك عزو ساخرا:
- ظللت تقول هذا الكلام لنا منذ سنة ونصف دون أن نرى شيئا .. على أية حال يا صديقي سأقول لك حكمة قالها لي جدي زمان...لقد قال لي أن المرأة يمكنها أن تنسى من انتشلها من الطين لكنها لا تنسى من دفعها فيه...
كانت عينا حذيفة ناعستين ، فمسح وجهه بكفه العريض ذو الخاتم الذهبي الضخم ثم عاد ومسح صلعته اللامعة وقال:
- لم أفهم معنى هذا المثل أو هذه الحكمة...؟
لكزه الطالبي بركبته وقال:
- يقصد أن النساء كلاب .. يحببن من لا يحترمهن...
هز حذيفة رأسه بصمت ، وقال دسوقي:
- عزو متعصب جدا ... بل متطرف...
أشاح عزو ببصره ناظرا الى الأفق الشرقي ، اما عالم فقال:
- أصدقك القول أن حكمة جدك قد أثرت في .. لكن تذكر أن هذه هي عقلية جدك .. أنظر لشباب اليوم..إنهم ماعادوا يكترثون بمثل ما كنا نكترث له نحن...
قال دفع الله بغضب:
- إنهم ديوثون.. البلد تنهار أخلاقيا والقيم والتقاليد ذهبت أدراج الرياح ... أنا أيضا لم اتحمل ما حدث لي لكنني طلقتها بعد ستة أشهر حتى أتجنب الفضيحة...
قال عزو:
- وماذا حدث بعد أن طلقتها؟
أجابه:
- أشاعت أنني مخنث وشاذ جنسيا .. وكل ما لا يخطر على قلب بشر....شوهت سمعتي تشويها عظيما ...
قال عزو:
-وما جزاء الإحسان إلا الإحسان..وهذا ما حدث لعالم أيضا.
انتفض عالم وقال:
- ماذا حدث لي..لم يحدث لي أي شيء..
ثم وجه سبابته لعزو قائلا:
- اسمع يا عز الدين لا تنشر إشاعات عني أنا أحذرك..
قال عزو:
- ألم تكن تقول بأن هذا الأمر شيء عادي..فلماذا تعتبر الحديث عنه مخيفا لهذه الدرجة...
تلجلج لسان عالم وحاول استدراك الأمر:
- أنا لم أقل أنه عادي أنا قلت أنه رجعي ..
قال دفع الله:
- اسمع يا عالم..أولا ..دفاعك المستميت عن هذه الواقعة دليل على أنك تحاول الدفاع عن موقفك السلبي عندما حدثت لك أنت أيضا .. لا تحاول اخفاء ذلك...
نظر عالم الى الأرض وقال:
- لم ادافع يا قوم..لم أدافع..
اصر دفع الله:
- بل دافعت وباستماتة أيضا .. ثم بهت حينما مسك طرف السوط...اعترف الآن بأنك فعلت كما فعلت مثل أب شيبة والطالبي..
نهض عالم وغادر المكان بغضب فصاحت بائعة الشاي:
- من سيدفع ثمن كوب الشاي الذي شربته..
وبيد مرتجفة أدخل بده في جيبه وأخرج منها ورقة نقدية ثم غادر دون ان يكترث لصياح بائعة الشاي:
- الباقي ..ألا تريد باقي النقود....
وضعت البائعة باقي النقود تحت ثديهل الأيمن وقالت:
- ساحتفظ به حتى تأت الى مرة أخرى...
مرت دفقة هواء ترابية ولطمت وجوه الرجال الستة الصامتين. لكنهم لم يشعروا بها.
أما بائعة الشاي فحدثت نفسها:
- بنات هذا الزمان يفعلن كل ما يرغبن في فعله علنا... إيييه كم ضاع عمري سدى وأنا مع المرحوم...
ثم قالت دون وعي وبصوت مسموع:
- الله يرحمك يا جادين...
رن هاتف عزو فتلقى المكالمة:
- ألو...
صمت قليلا وجاء صوت والد طليقته منكسرا..فأجاب:
- لا يا خال... لم أكن قادرا على الستر عليها ولو احتاج الأمر للحديث عبر وسائل الاعلام المختلفة فسأفعل.. كل ما انفقته من أموال يجب أن يرجع لي على داير المليم... ثمن الشيلة والعطور وفتح الخشم وسد المال وفطور العربس والحنة والصالة والمطرب والعشاء والكوافير والذهب وحتى أرصدة التلفون التي كنت أرسلها لها وثمن بنزين سيارتي الذي انفقته على مشاويرها في الأسواق ...والآن فورا...
- لا .. لا يهمني إن كنت تملك مالا أم لا.. استدن او بع سيارتك أو افعل اي شيء .. وان لم تصلني أموال خلال ساعتين من الآن فيتكون فضيحة ابنتك بجلاجل وجلاجل نفسه سيشنق نفسه على بابها..
ثم أراد اغلاق الخط لكنه تذكر شيئا فعاد وقال:
- وحتى لا أنسى.. عزمتها أيضا في المطاعم خلال أشهر الخطوبة وهذا أيضا يجب أن يرجع لي...
أراد غلق الهاتف لكنه عاد وقال:
- أها وايضا.. يوم ان انكسر نعل حذائها اشتريت لها سفنجة بخمسة عشر جنيها ..
أبعد الهاتف عن أذنه ثم أعاده:
- اسمع يا خال..عندما حضرتم لزيارتنا اضطررنا لشراء فواكه وجاتوهات وسكر ولبن ... هذا أيضا كان له ثمن وليس مجانيا...وكما قلت لك ..خلال ساعتين إن لم يصلني حقي فسأتجه مباشرة إلى الشرطة وأدون بلاغا هناك...
- هذا الأمر محسوم ولا أحب الجدال حوله.. سلام..
أغلق الهاتف ونادى على بائعة الشاي:
-يا حجة فطومة...
قالت بصوت خفيض:
- أها يا ولدي...
قال:
- جارنا أبو لطيف لديه دكان محترم جدا على الشارع الرئيسي .. ما رأيك لو عملت عندي.. فأنت تجيدين صنع الزلابية... سأفتح مجلا لبيع الشاي باللبن والزلابية...
قالت بعينين مبتهجتين:
- وكم ستعطيني في الشهر...؟
قال:
- عشرة الاف...اتفقنا؟
اجابته جزلة:
- اتفقنا وسأزوجك ابنتي لو أحببت....
قال:
- ماشة كم كيلو يا حجة؟
قالت بغضب مفتعل:
- ولا شبر ...
- خلاص اتفقنا...
ثم التفت الى اصدقائه وقال:
- وانتم مدعوون...
لكنه رأهم جميعا يحملون هواتفهم ويتحدثون بصوت واحد:
- وحق الشيلة .. والذهب وسد المال والصالة والمهر.. والمطرب ...الآن وفورا ...


(تمت)..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى