بانياسيس - انبثاق حر.. نص

الزمن لم يمر من هنا ؛ حتى الليل والنهار لم يتعاقبا فوق سمائه ، الكون الأحمق يهرول في مكانه دون هدف. (ليس ما يحدث منطقي .. لا شيء منطقي)...ابتلع قرص بروزاك ثم تلاه بآخر ...يقولون أنهم يشعرون بالزمن بعد تناول أكبر جرعة ممكنة منه ، لكن الزمن لا يمر...سقيفة القش كما هي مشبعة بسموم أزلي ، المعزة المرقطة تقرفص قربه وتمضغ طعاما لم تأكله أبدا ، والأفق محمر حمرة قاتمة ، وكل شيء ساكن وصامت. رفع يده وقبض الهواء الساخن ، وجد حقن انفرانيل في قبضته ، طعن بها فخذه وأفرغ سوائلها ثم قبع داخل قبته السماوية القاحلة الحارة ينتظر مرور الزمن. قال:(احتاج مرآة..أحتاج أن أرى وجهي... لعل الزمن قد حرث جلده الرقيق)...نظرت اليه العنزة وثغت فاتحة فمها الصغير عن اربعة اسنان قبيحة فوق وأربعة أشد قبحا تحت... تخلى عن جلسته واستلقى على ظهره...مدد ذراعيه وحاول قبض الرمال تحتها بأصابعه لكن الرمال كانت كالحديد الصدئ ، كل عالمه يحمل لون الصدأ...أليس هذا مرورا للزمن؟ صاح: (أيها الزمن الملعون...أين أنت ..أين أنت؟.. ها..أين أنت)... جفلت العنزة وثغت ثم استقرت في جلستها الهانئة. أما هو فقد رمقها بعينين غاضبتين. (كيف سقطنا سويا هنا؟ ولماذا أنت تحديدا .. بل ولماذا أنا ..ولماذا أنا وأنت على وجه الخصوص)...ربما لو كان بامكانه احتساب الزمن إن مر عليه منذ يوم سقوطه لكان قد أمضى حتى هذه اللحظة ملايين السنين...لكنه سقط هنا خارج الدائرة الزمنية... أمسك بأذني العنزة وقرب رأسه من عينها اليسرى وأخذ ينظر داخل بؤبيها بتوتر (سأرى وجهي عبر عينيك..صحيح سيكون مجرد انعكاس قاتم لكنني سأتمكن من تحديد شيء من ملامحي .. اللعنة .. أرى أطراف ظل وجهي فقط... الهيكل وحده لا يعني شيئا... آه لو كنت تنطقين لاخبرتني بشيء من حقيقة ما يحدث لي .. ما يحدث لي ولك أيضا.. هل تذكرين ذلك اليوم.. حينما انكشف وعينا بسقوطنا داخل ذلك البعد الكوني السرمدي بلا نهاية... كنا نسقط أم نرتفع؟ حقيقة لا أعرف.. لكنني كنت اشعر بأن هناك عبورا لجسدي داخل مهل ساخن أو عبور المهل الساخن من حولي بي... رأيتك تسقطين معي .. أذناك كانتا منتصبتين لأعلى وكانت أقدامك الأربعة مضمومتين إلى صدرك وأنت تنظرين لي ببله يماثل بله نظراتي..لقد ضحكت وأنا في عمق الفزع ..لكنك لم تضحكي..لم اسمعك تثغين حتى عندما ارتطمنا بهذه البقعة الصدئة من الكون...كان سقوطا مؤلما حقا ولكن الأكثر تشويقا من كل هذا أننا سرنا بعدها طويلا في هذه البقاع البلقع .. سرنا بلا هدى ، والسموم الأحمر يختلط بحمرة الفراغ من حولنا...هناك شيء ما خطأ.. فأنت لم تكبري أبدا منذ ذلك الوقت).. ثغت العنزة فقال:(بالتأكيد أنت مسرورة ..كل الأنثيات يطربهن عدم مرور الزمن عليهن).. ثغت مرة أخرى .. (نعم كل الكائنات الحية تطرب إن ظلت شابة فتية ... لكن ليس هنا.. عندما لا يعبرك الزمن البتة عليك حينها أن تقلق... لأنك..لأنك...لأنك...) ترك رأس العنزة ورمى برأسه إلى صدره .. (لأنه ماذا..لماذا علي أن أقلق .. ما السبب في ذلك...ما مبرر خوفي من عدم مرور الزمن...ثم من قال أن الزمن لا يمر.. إن كلامي هذا يعتمد على توالي مقاطع الصوت عبر نقاط زمنية.. لكن ..تبا.. أنا في الحقيقة لا أتحدث بصوت.. ربما أتحدث بصوت ..لا أدري..لكن عنزتي تثغو كلما صرخت...إنها تسمعني..هناك مؤشر على أن الكلام ينتقل من مخي عبر حنجرتي إلى لساني.. كما أنني أسمع صوت صياح العنزة...لكن .. لكن كل هذا لا يبدو منطقيا..فعندما يتوقف الزمن يجب أن يتوقف كل شيء..امبر ثدحيس رييغت ..) كانت كلماته تنعكس زاحفة إلى تجويف فمه ومنخريه ، العنزة ثغت إلا أن ثغاءها بدا له على غير المعتاد...( ج ك . م..س.. و .. ز .. ش .. د ..جن...مكط... ).. أخذ صوته يتمزق والسموم يرفع كل حرف أو حرفين إلى أعلى ثم يدوران في حلقة حلزونية قبل أن يسقطا على الأرض....أخذ يضغط على جفنيه وهو يغمضهما بقوة ثم يفتحهما بقوة...ترك السقيفة وأخذ يقطع بلقع الصدأ والعنزة تسير خلفه ... لكنه كان يرى الأرض تجري من تحت اقدامهما ... شيء ما خطأ .. لا شيء صائب... لا شيء صائب أبدا ... توقف ومسد لحيته البيضاء بكفه المجعدة ....ونظر إلى الأفق الأحمر...شيء ما خطأ... فجأة مادت البقعة الصدئة من تحته ورأى نفسه وعنزته يغيبان داخل بعد هلامي...هل نحن نسقط أم نرتفع ... أسلم جسده للا شيء ورأى أذني العنزة منتصبتين .. وهي تضم أقدامها الأربعة إلى بطنها..كانت تبدو جزعة جدا ...جزعة حد أن الرعب يمنعها من الثغاء...بدا شكلها مضحكا جدا فقهقه دون صوت...ضم ساقيه إلى بطنه ورفع سبابتيه فوق رأسه مقلدا العنزة...حينئذ رآها تنظر اليه ويفتغر ثغرها عن ابتسامة مبتهجة قبل أن تنفجر بالضحك...ظلا يقهقهان سويا بسعادة كبيرة ... لقد مر بهما الزمن أخيرا...هكذا أحس كلاهما في تلك اللحظة الزمنية المطلقة..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى