محمد بنميلود - عشاء الآلهة.. قصة قصيدة

مشاهدة المرفق 753
صعدت أمّي إلى السّطح، لتقطف النّجوم وتضعها في السلّة. عندما عادت قالت: إنّ النّجوم لم تنضج بعد! وإنّنا يجب أن ننتظر إن أردنا تحلية مع العشاء.
أفرغ أبي الشلاّل من الإبريق في الكأس، يرتشف ويدخّن صفصافة، وينصت بطرب إلى صوت الزّلازل والصّواعق والرّعود في المذياع.
دخلت أمّي إلى المطبخ، وضعت حقل القمح في القصعة وبدأت تعجنه. قالت أختي إنّها جائعة، وإنّ الخبز والمرق لن ينضجا وأريدأكلا حالا.وضعت أمّي الخبز فوق فوهة البركان لينضج، وقالت لأختي: إفتحي الثلاّجة وقشّري عطارد لتتسلّي قليلاً بطعمه الحامض، ريثما ينضج الخبز والعشاء والنّجوم. فتحت أختي الثلاّجة، حملت الأبقار من ظهرها بإصبعين، الواحدة تلو الأخرى، وعصرتها بيدها في بئر حتّى امتلأت بالحليب، بينما هربت قطعان أخرى بيضاء لتختبئ خلف القطب الشّماليّ، لم تكلّف نفسها عناء البحث عنها، بل مدّت يدها إلى سلّة الكواكب، تخيّرت كوكبًا بدا لها ناضجًا وحلوًا، أغلقت الثلاّجة وجلست فوق هضبة قرب النّافذة تراقب أمّي تذوق البحر بمغرفة، إن كان مالحًا كفاية، أم تضيف الملح. كان البحر يغلي بأسماكه ويبقبق داخل الطّنجرة، أضافت إليه جبلاً من الملح وأغلقت الطّنجرة.
كانت أختي تمصّ عصير الكوكب كَلُبِّ برتقالة، قذفت قشرته الأرضيّة من النّافذة إلى النّمل العملاق، وشربت بئر الحليب.
بدأت أمّي بتحميص الصّحراء في المقلاة، وهي تغنّي محرّكة عجيزتها من شرق الأرض إلى غربها، ومن غربها إلى شرقها.
صعد أبي إلى السّطح ليشمّ الفضاء العليل، والغابةُ في جيبه، كلّ حين يخرج منها شجرة يشعلها بالبرق ويدخّنها بنشوة.
قالت أختي إنّها لازالت جائعة، وبكت مطرًا غزيرًا جرف مدنًا وحقولاً. فتحت أمّي شدق خبز، ملأته بالمرق والحيتان وأعطته لها لتتسلّى بمضغه حتّى تضع العشاء على المائدة، وأيضًا لتكفّ عن البكاء حتّى يصحو الجوّ، كي لا يتبلّل جلباب أبي أكثر بالمطر. أطفأت أمّي الموقد، بدأت بوضع الصّحون وكِسَرِ الخبز على جنبات المائدة.
بدا لنا أبي نازلاً الأدراج وفي فمه نجم يقضمه وشفتاه يسيل منهما الضّوء، قال لأمّي: إنّ النّجوم استوت، وآن قطافها. فرحت أختي فرحًا غامرًا وتقافزت فوق الكراسي والأثاث حتّى أسقطت كأس فخّار فتكسّرت وتدفّق منها نهر الأمازون بأوحاله فوق قفطان أمّي، وَهَرَبَتْ كالعادة.


* عن مصرس
  • Like
التفاعلات: نبيل محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى