جعفر الديري - وليد عزام: كوبرنيكوس يدين بالفضل لابن الشاطر في أفكاره ونماذجه

قال المحاضر بقسم الفيزياء في جامعة البحرين وعضو الجمعية الفلكية البحرينية وليد عزام ان ابن الشاطر وان كان يعتبر ابنا لمدرسة المراغة فإنه يمثل قمة نضوج الفلك الإسلامي، مؤكدا ان "الفلكي البولندي كوبرنيكوس يدين بالفضل للكثير من الأفكار والنماذج المصورة التي وضعها ابن الشاطر وقام بالاستفادة منها".
وأضاف عزام -خلال المحاضرة التي ألقاها في بيت القرآن مساء الأحد 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعنوان: "ثورة كوبرنيكوس أم ثورة ابن الشاطر": "لقد استطاع ابن الشاطر أن يكون فلكيا متميزا وبارعا لأنه جمع بين مسألتين وهما دقة الرصد والموهبة في الرياضيات. وذلك ما يدحض القول من بعض المستشرقين بأن القرن الثاني عشر الميلادي هو بداية الانحطاط العلمي عند المسلمين فقد كان قمة النضوج الفلكي إلى القرن السادس عشر كما يشير إلى ذلك البروفيسور جورج صليبا".

بطليميوس وعصره

ومهد عزام لمحاضرته بالحديث عن بطليميوس وعصره فقال: "لقد كان بطليميوس من علماء الفلك الاغريق وعاش في الاسكندرية في حدود العام 100 - 170 م. وكانت الاسكندرية في ذلك الوقت تحت الحكم الروماني فقد كان رومانيا ذا أصل اغريقي". وكانت أفكاره مستمدة من التراث الاغريقي. وهو التراث الذي كان يعتمد على نقطتين رئيستين منذ أيام أرسطو وهما الصفاء الأرسطي الذي يرى أن الأرض هي مركز الكون، إذ كانت تلك الفكرة من أعمدة الفكر الاغريقي في الفلك. والنقطة الثانية هي الاعتقاد بأن جميع المدارات والأشياء عبارة عن دوائر لأن الدائرة في تلك الفلسفة هي رمز الكمال، فلا يوجد باعتقادهم كوكب يدور في مدار بيضاوي. ومن أهم مؤلفات بطليميوس "المجسطي" الذي ترجم إلى العربية ومن ثم إلى اللاتينية فيما بعد في أوروبا وهو كتاب مهم وكان بطليميوس مركزا فيه على وضع نماذج للكون فمفهوم الكون في وقته كان صغيرا.

تناقض واضح

وأضاف "ان الحديث السابق عن بطليميوس كان حديثا مهما لأن التناقض الموجود في كتابه كان جزءا من النقد الذي قام به علماء الفلك المسلمون فقد وجد علماء الفلك المسلمون في المجسطي مثلا أن بطليميوس كتب يقول ان المدارات والكواكب تدور حول نقطة ليست هي الأرض، فأين هي هذه النقطة؟ فبدا كأنها تدور حول نقطة فارغة. فقد يصح ذلك في الرياضيات لأنه يتوافق مع الأرصاد ولكن لا يصح ذلك في علم الفلك. ان هذا النقد لتراث الفلك الاغريقي بدأ قبل ابن الشاطر، إذ كان الكل يبني على من سبقه لذلك نجد أن النقد بدأ مبكرا ومصاحبا للترجمة فثابت ابن قرة كان من المترجمين الأوائل للفلك الاغريقي ولكنه كان ناقدا أيضا فحاول أن يبين عيوب وتناقضات علم الفلك الاغريقي. كما تصدى لهذا الموضوع أيضا القبيصي الذي عاش في القرن العاشر الميلادي والذي ألف كتابا أسماه: "الشكوك في المجسطي". وكذلك الأمر مع ابن الهيثم في القرن الحادي عشر الميلادي. وهو العالم المشهور في البصريات والرياضيات والذي كان له اهتمام بعلم الفلك أيضا وألف كتابا يعتبر عمدة الكتب في هذا الموضوع وهو "الشكوك على بطليميوس"، إذ كان نقد ابن الهيثم فلسفيا في جزء منه، إذ لم يكن مطمئنا للأسلوبين الذين اعتمد عليهما بطليميوس.

ابن الشاطر

ثم عرض لابن الشاطر وإسهامه في هذا الباب فقال: "ابن الشاطر هو الحسن علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد الأنصاري الموقت. وقد عاش يتيما، إذ توفي أبوه وهو صغير فكفله جده ومن بعد جده كفله بعض الأقارب. وفي صغره عمل في صناعة العاج وأسموه "المطعم". وحين كون مبلغا من المال اتجه إلى القاهرة والاسكندرية لدراسة الفلك والرياضيات. وقضى معظم حياته ككبير للمؤذنين في المسجد الأموي. ومن انجازاته أن طور وصحح الكثير من الأجهزة كالاسطرلاب فكتبه عن الاسطرلاب كانت مرجعا في مصر والشام لعدة قرون وأثناء الخلافة العثمانية أيضا. ومن مؤلفاته "الزيج" وهو كتاب في الفلك يحتوي على جداول. تعليق الأرصاد وهو من أهم كتبه، رسالة في الاسطرلاب، النفع العام في العمل بالربع التام، نهاية السؤول في تصحيح الأصول، كتاب النهاية.

نماذج فلكية

وأضاف "ابتكر ابن الشاطر آلة البسيط لتحديد مواقيت الصلاة. ووضع نماذج ونظريات فلكية بارعة وهنا نقع على ما يجمعه مع كوبرنيكوس. فكوبرنيكوس البولندي الذي ولد في مدينة توروم ودرس في جامعة كراكاو في بولندا ومن ثم ذهب إلى ايطاليا ليكمل دراسته العليا. والذي حصل على الدكتوراه من جامعة بولونيا في اللاهوت وقد درس الطب في جامعة بادوا في بولونيا. لم يكن العلماء متحيرين بشأن ما اقتبسه من ابن الشاطر وانما كانوا يتساءلون متى وكيف وأين استطاع كوبرنيكوس الحصول على مخطوطات ابن الشاطيء. ويرجح المختصون بعلم الفلك الاسلامي أن كوبرنيكوس اطلع على مخطوطات ابن الشاطر عندما وصلت إلى مكتبة الفاتيكان بعد سقوط بيزنطة في أيدي العثمانيين، إذ نقلت الكتب مترجمة إلى البيزنطية وكان هو يتحدث ويقرأ اليونانية. وبهذا الصدد يقول برفسور جل: "ليس من المحتمل بشكل مستقل أن كوبرنيكوس طور أفكار الطوسي وابن الشاطر معا ذلك أن ابن الشاطر كان استمرارا لمدرسة المراغة. لكن الأرجح أن كوبرنيكوس أخذ عن ابن الشاطر من دون أن يعزو ذلك إليه".

مركزية الشمس

وعن مسألة مركزية الشمس والتي يتجلى فيها اقتباس كوبرنيكوس عن ابن الشاطر أوضح عزام "ان مسألة مركزية الشمس كانت قد حيرتني كثيرا فقد قرأت من قبل في بعض المصادر أن ابن الشاطر وضع أيضا نماذج كانت الشمس فيها هي مركز الكون وليس القمر". ولكن على افتراض غير ذلك نجد أن فكرة كوبرنيكوس عن الشمس وأنها هي مركز الكون ليست جديدة، إذ لم يكن أول من فكر فيها فعند الاغريق مثلا كان هناك ارستاركوس ومدرسة البايثغرس وقد اعتقدوا لأسباب فلسفية بأن الشمس هي مركز الكون، وكذلك أيضا علماء وفلاسفة المسلمين اعتقدوا بذلك وذكروا أن الشمس هي المركز ولكن السؤال من هو الذي وضع نموذجا ورسم الشمس كما نراها في الوسط؟ يبدو أن كوبرنيكوس قام بذلك. نقول ذلك بداعي الانصاف ولكننا نقول أيضا ان "النماذج الأخرى التي وضعها كانت مقتبسة من الطوسي وابن الشاطر".
كوبرنيكوس يدين بالفضل لابن الشاطر في أفكاره ونماذجه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى