مهند يونس - شيزوفرينيا..

التاسعة مساءً، لا كهرباء، اللّيدات تلقي بضوئها الخجول على الورقة، اعتدت الكتابة على اللابتوب، لكنه معطّل والايباد بطاريته نفذت، نصف سيجارة بيدي اليسري يتصاعد منها خيط أبيض نحو السقف ويدي اليمنى يحرّكها القلم الاسود. الآن سأكتب القصة، هل من السيء أنها تحتوي على الكثير من الحوار؟!

أعددت كأس شاي بالليمون بل ليمون بالشاي، أخبرتني جدتي أنه من الأفضل وضع شرائح الليمون بأسفل الكأس وعدم الاكتفاء بعصره على الوجه، وحسب ما أخبرتني أيضًا أننا نستهلك أضعاف الكمية التي كانت تستهلكها العائلة قبل خمسين سنة، اذ أجبرتهم اسرائيل والأونروا على غلي حفنة الشاي نفسها عدة مرات، حتى يحلبوا كل قطرة كافيين بداخلها حلبًا. سيجارة أخرى، فقط عدة أسطر التي كتبتها بالقصة.
جاءت أمي لتقول لي: خنقتنا!

أغلقت الباب وفتحت نوافذ الغرفة، ووضعت بعض الملابس أسفل باب الغرفة.

تبًا، للمرة الثانية هذه اليوم، يندلق الشاي!

نصف ساعة مضت كأنها قرن، انتهيت من القصة تقريبًا.

عاد التيار الكهربائي، سأعيد طباعة القصة على الآيباد، تبقّى فقط جملتان حواريتان في النهاية والبداية.

القصة:

- هل رأيتكَ قبلًا؟!

- ربما ( يجيب بعدم اهتمام ويعيد نظره للكتاب)

- أنا أيضًا لستُ متأكدًا، لكني أشعر بأني رأيتك من قبل، في هذا المكان!

- لا أستطيع أن أنكر فأكذبك، ولا أن أؤكد وأكذب نفسي.(يسعل) . اعذرني، لكني لا أتحمل رائحة السجائر، أنا مستغرب من أين أتت، لا أحد غييرنا هنا وأمين المكتبة لا يدخن
.
- على أية حال، لقد التقينا سواء كانت هذه المرة الأولى أو الثانية.

- ما هذا! (ممتعضًا) السقف يَقطُر!

-الآن عرفت سبب الرطوبة التي المنتشرة بين الكتب.

- انها قديمة على أية حال(يمسح جبينه، ثم يقرب أصابعه من أنفه)، أليست هذه رائحة شاي بالليمون!

- هه! (يضحك)، على الأقل أفضل من أن تكون مياه عادمة!

- هل اعتدت على هذا؟

- ماذا تقصد؟!

- المجىء الى هنا، أعني انها مكتبة قديمة، وأغلب روّادها من كبار السن، لا أقصد بالطبع الاعتياد على الأسقف التي تمطر شاي بالليمون!

-(يضحك)، نعم، قبل عدة سنوات، ربما قبل مولدك، لم يكن غيرها في الانحاء، لكن أليس هذه غريبًا، الشاي بالليمون!

- اعتقدت أنك فهمت!

- (على وجهه علامات استغراب)هممم

- ماذا لو أننا مجرد شخصيات في قصة من نسج خيال كاتبنا، وبينما هو يكتب، اندلق كأس الشاي بالليمون التي يشربها على الورقة!

-انتظر، انها تُساقِط رمادًا!

- هه! (يرفع ناظريه لأعلى) ، لن أتفاجأ لو حدث ذلك، لربما أسقط بعضًا من رماد سيبجارته.

- هذا أكثر الأشياء جنونًا أسمعه منذ مدة. انظر كيف يحملق بنا أمين المكتبة، أخفض نبرة صوتك، لا شك أنه خالنا مجانين.

- أهيّ دائمًا كذلك؟ أقصد الانارة الخافتة، بالكاد أرى عنواين الكتب!

-أحيانًا تكون الاضاءة قوية وأحيانًا خافتة، أعتقد أن لها مواعيد، اليوم في تمام التاسعة والنصف، ستعود الاضاءة القوية، ان لم أكن مخطئًا.

- لا أدري لمّ أشعر هكذا، أكاد أجن، أعني... أشعر أنني خضت هذه التجربة وهذا الحوار سابقًا، وكأنه شريط فيديو، يعاد تشغيله من جدي. .

- وأنا أيضًا
!
-ربما لسنا نحن، بل هو!

- مرة أخرى !! (يضحكون سوية)

- (يرفع كتفيه، تاركًا رأسه تغطس بينهما، وباسطًا كفيه باسمًا)

-هه، لقد عاد الضوء القوي، ألم أقل لك، كم الساعة الآن؟!

- انها التاسعة والنصف مساءًا بالضبط.


مهند يونس .


* محبي الكاتب مهند يونس (غراب)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى