جعفر الديري - التشكيليون الشباب: لناصر اليوسف مفردات غير البصر والبصيرة

كان حاضرا في ضمائر الجميع، واحدا من التشكيليين الذين تركوا بصماتهم قوية على خريطة الفن التشكيلي في البحرين. تشرب منذ نعومة أظفاره الفن وحلم أن يكون يوما واحداً من أولئك الذين يعيشون الحياة من أجله. انه ناصر اليوسف الذي بكاه الجميع.
بكاه من هم على شاكلته من الفنانين الرواد والمؤسسين الذين قادوا السفينة بعد ذلك. وبكاه من عاش معه ومن تلمس عن قرب ما قدمته أصابعه السخية من كل جميل.
فهل يعي الجيل الجديد من الفنانين الشباب من هو ناصر اليوسف وهل يعلمون بما قدمه من فن متميز أم أنهم بمنأى عن ذلك كله؟ في الاستطلاع الآتي الذي استطلعنا فيه آراء مجموعة من الفنانين التشكيليين الشباب كان ناصر اليوسف حاضرا في عقولهم وريشتهم ولكنه كان بحسب ما يصفون حضوراً تشوبه الكثير من الاشكالات لعدم وجود النقاد المتخصصين الذين يبرزونه وأمثاله بحضور يليق به...

غياب معيب للنقد

لا يتصور سيدحسن الساري وجود فنان تشكيلي شاب لا يعرف الراحل الكبير ناصر اليوسف. لكنها تظل معرفة بسيطة ليست بذلك الحضور الكبير وهو شأن يعيشه جميع الفنانين من الرواد حتى جيلنا.
يضيف الساري: «نحن نتواصل مع الرواد الباقين ولا نجد صعوبة كبيرة في التواصل معهم ويمكن الالتقاء معهم في محترفاتهم أو في الجمعيات الفنية. واليوسف وان غيبه الموت فانه يمكننا التواصل معه من خلال أعماله فأنا شخصيا لم ألتق ناصر اليوسف لكني تعرفت عليه من خلال معرضه الأخير في صالة البارح وكنت في غاية الدهشة للمستوى الرفيع الذي حققه الراحل في فن الجرافيك.
ويضيف «أنا أرى أن أعمال ومعارض اليوسف خصوصاً بعد اصابته بالعمى حجبت الكثير من الأمور التي لا تقل أهمية عن فقدان بصره وممارسته الرسم على رغم ذلك. فالحديث عن اصابته بالعمى وعن قدرته على الرسم يحوي شيئا من الانتقاص فالمهم هنا هو العمل والانتاجية. وعلة ذلك كما أتصور هي في غياب المتخصصين من النقاد، فمثلا الفنان يوسف قاسم من الرواد المتمكنين الذين أثروا الحياة الفنية ولكن لعدم وجود المتخصصين ولعدم وجود الاهتمام الاعلامي بقي وبقيت أعماله في الظل على رغم أن الرواد بمن فيهم ناصر اليوسف كابدوا الكثير من أجل فنهم اذ كانوا يجتهدون اجتهادات كبيرة في رسم الطبيعة والتعرف على الأشياء والبحث عن المعلومة لا كما هو شأن الانترنت اليوم مثلا».

إرادة مدهشة للحياة

ويعرض محمد المهدي الى خصوصية مصارعة الحياة التي خاضها اليوسف بجدارة وخرج منها بفن متميز حين يقول: «ان ناصر اليوسف كما أراه هو أحد الفنانين التشكيليين والرواد الذين أسسوا لعمل تشكيلي متميز بارادة قوية صارعت الحياة وأثبتت وجودها. فالكل يعلم أن اليوسف كانت اصابته بالعمى مجالاً خصباً لعطاء غير محدود وصراع مستمر من أجل التميز. لذلك خرجت أعماله في الفترة الأخيرة تحمل تطوراً كبيراً وبصمة ابداعية غريبة.
والحقيقة أنه لم يتسن لي لقاء اليوسف شخصيا فأنا من الجيل الرابع من التشكيليين وبيننا وبين جيل اليوسف محطتان بدءاً بجيل الرواد ومن تلاهم من جيل ناصر اليوسف الى الجيل الذي يسبقنا. لكنني مبهور بأعماله الأخيرة التي يمكن القول عنها انها أعمال ذات مستوى راق لها طابعها المميز في فن الحفر الجرافيك. وكان تحسسه الرسم بيده من دون بصر عينيه شيئاً رائعاً اذ خلق له أسلوباً جميلاً ذا خصوصية».

إحساس غامر بالتراث

في حين ينظر زهير السعيد الى الاستلهام الموفق للتراث الذي عرف به ناصر اليوسف فهو يقول: «ان ناصر اليوسف الراحل الكبير كان عنده هم كبير وهو هم التراث واحيائه وأنا شخصيا أجد أن همه من همي. وهو محاولة استلهام التراث في أعمال متميزة حرص الراحل على استكناه خفاياها واعادة انتاجها بلونه واسلوبه الخاص. هذا الاحساس الغامر بالتراث كان حاضرا أيضا في أعمال الجرافيك الرائعة التي أنتجها الراحل حين امتزجت برؤاه وعشقه للتراث فخرجت رائعة مثيرة للدهشة.
ان ناصر اليوسف اسم لا يمكن تهميشه بسهولة من خريطة الفن التشكيلي في البحرين فهو صاحب انجازات كبيرة لكن الفنانين يعانون من عدم تسليط الضوء عليهم فالقليلون هم الذين يتابعون ويتعرفون على أعمالهم».

صدق في كل نواحي الحياة

وربما شكلت علاقة حامد البوسطة بالراحل أمرا مختلفا، لأنه - بحسب ما يصف - كان مرافقا له وخصوصا في فترة تألقه في الثمانينات. فهو يختلف عن بقية الفنانين التشكيليين الشباب في علاقته بالمرحوم، فهم لم يحظوا بفرصة اللقاء به حتى، بينما حظي هو بفرصة اللقاء به بل ملازمته. يقول البوسطة: «لقد كانت تربطني باليوسف علاقة مباشرة الى درجة أنه كان يعدني أحد أبنائه الذين تربوا على يديه منذ أن نشأت في بوتقة الفن. وشكل لي موته صدمة كبيرة نظير ما كنت أكنه له من مودة وتقدير كبيرين. فقد كان يعني لي. لقد نشأت في حياض الفن ولاحظت في فترته الذهبية وهي الثمانينات وحتى نهايتها طريقته في العمل وكيف يستوحي الأفكار ويحولها الى أعمال بديعة. وكنت ألاحظه وهو يستوحي التراث الشعبي كنت ألاحظه منذ أن يقرأ الشعر الشعبي ومن ثم يخطط لفكرته ويصهرها في لحظة فنية رائعة. لقد كان اليوسف شديد الاخلاص اذ كان كثيراً ما يعلق على أولئك الذين يتخذون من الفن وسيلة ولا يعملون من أجل الفن نفسه. لقد كان ناصر اليوسف ومن خلال ما لمسته منه صادقاً الى الدرجة التي يمكن أن نقول انها الصفة التي تميزه في كل معاملاته. فقد كان صادقاً في علاقته بالناس انسان واضحاً لا يعرف المجاملة وهي صفة أحبها الناس فيه وتقبلوها برحابة صدر. وكان صادقا في علاقته مع فنه غيورا عليه».
التشكيليون الشباب: لليوسف مفردات أخرى غير مفردة البصر والبصيرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى