نقوس المهدي - قفا نضحك (:

الضحك مشروع على قدر غير قليل من البراءة و التفاؤل و الفرح و الاحتفالية و صلابة العزم..

و غالبا ما تغلب الفكرة الفعل..

أن نضحك بأزمنة البكاء ، يعني أن نفتح وسط هذا الهشيم الهائل من الكآبة و السوداوية و القهر و الغبن و التسلط و الفقر كوة للفرجة والفرح والمسرات والسخرية في رسالتها النقية والسامية .. و التي تتحول بكيمياء الدهشة الى السحرية..

هكذا تباغثنا الفكرة و نحن عزل .. إلا من فائض آمالنا و آلامنا المعتقة حد النهاية ، و إيماننا الصادق بمشيئة الإنسان في خلق أفراحه ، وابتكار مباهجه بجمالية الإبداع و شعرية النكتة و انزياح المعنى ، معتكزين على إرادتنا ، و مدججين بأحلامنا و إصرارنا الأكيد حتى لا تنقرض هذه الفصيلة المتبسمة من الوجود.

( ض. ح. ك ) ، هكذا نروم الاستنجاد ببلاغة النكتة . و الطرفة . و الفكاهة . و الحكاية . و النادرة . و المزحة . و الملحة . و البسمة ، و الاحجية ، و الحدوثة كجنس أدبي ، واجتهاد اجتماعي لخلق فرصة للضحك ، و صوغ قارب للإبحار في خفايا الروح وتشعباتها ، لنمارس به غواية تخفيف وطأة المعيشي ، اختلالات الواقع ، و حالات الاكتئاب و السوداوية ، و نخلخل الجاهز و المألوف ، و نعمل على زرع دم جديد في النفس البشرية لنطاول بها شهقة الانتشاء ، و قمة السمو ، و ذروة المنتهى مخافة التأكسد و الصدأ ، و نكبح بعناد الأطفال و سلطة الفرجة و صفاء السريرة جماح سطوة الزمن الغدار المحدق بنا من كل جانب ، محاولين خلق رعشة عشق ، ورفة احساس ، وبراءة صبوة نعود بها أو تعود بنا - الأمر سيان - إلى حالة الطفل الذي يعشش في دواخلنا و بين حنايانا..

لن نزعم لأنفسنا امتطاء قاطرة التنمية المعطوبة التي يجرب فيها الانتهازيون و المتخاذلون نزواتهم الشيطانية و شطارتهم لابتزاز أموال الشعب و الإثراء على حساب الفقراء..

لن نمشي على درب الذين يرون التنمية المستدامة من خلال سرادقات العيطة و الحصبة ، و هز البطن و رجرجة الأرداف ، و الولائم..

او اولئك الذين تحولوا في ازمنة المصالحة الكسيحة و الانصاف اللاعادل من ناشطين سياسيين الى منشطين وموسوسين

لن نوهم أحدا ، ونبيع الناس الفرجة ، ولن نفرض إتاوات ، و لن نستجدي لنقتلع الابتسامة الصفراء قسرا من أفواه البسطاء..

لن نمارس التسييح و التمييع في زمن الرداءة ، و الضحالة ، و الخيبات ، و الاستلاب ، و الإسفاف ، و التذمر ، والخيبات المترادفة ، و الهزائم العربية المتكررة..

لنمارس الضحك لا بوصفه معادلا للاستهزاء ، و العبث ، و الازدراء ، و الشماتة ، و الطنز ، و الضحك على الذقون، لكن بديلا عن الإحباط و القهر ، و إهدار الكرامة ، و الظلم ، و الاحتقار ، و العطالة ، و الإقصاء ، و المحسوبية ، و الرشوة ، و سرقة المال العام و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ..

لندع الناس يصوغون لحظات فرحهم الطفولي بتلقائية نادرة ..

لنسخر من واقع الحال الذي يأبون إلا أن يكون كينونة مريرة من اجل اللقمة ، و تنميطا لحالات انتهازية ، و قامعة ، و فاسدة ، و سائدة ، و متسلطة ، و قاهرة.. و نأبي نحن إلا أن نكون كائنات صادقة و وديعة و إنسانية و متسامحة و مسالمة و متفتحة و راقية..

لندخل الحابل في النابل ، و السياسي في الاجتماعي و الاقتصادي ، ونحتج و نناور ، و نقول كفى رداءة ، و كفى استغلالا ، و ننزع أقنعة الحزن عن الوجوه ، و نغرس بسمة الأمل في النفوس ، و نرسم الغبطة الفرحة و البسمة على الأفواه..

لنسخر من أنفسنا على أنفسنا ..
لنسخر ما دام الضحك نتاجا للسخرية في شقيها الوقح و المهذب ، و ما دامت ثلاث أرباع الضحك سخرية..
لنضحك.. خير من أن ينضحك علينا.. ما دمنا امة ضحكت من جهلها الأمم.
لنضحك.. ما دام ألضحك إكسيرا لترميم شروخ الروح ، و ترياقا لسموم الذات..
لنضحك على الأقل ما دام الضحك مجانيا .

ما الفرق بين مجابهة الحياة بتجهم، ومغالطتها و مراوغتها و مهادنتها و مداهنتها و مباغتتها ، ومراودتها على نفسها للإيقاع بها و الضحك عليها ..
ما الفرق بين السقوط بين براثن الكآبة ، و إرجاء الانكسارات و الخيبات و الخسائر إلى حين ..

هنا يكمن الدور الوظيفي للنكتة قي التصدي لشراسة الزمن ،
و لا شيء يعادل عبثية هذا الزمان الغاشم قاهر الملذات سوى قول طرفة، الفتى الأكثر الوجوديين وجودية:

أرى الدهر كنزا ناقصا كل ليلة = و ما تنقص الأيام والدهر ينفد
لعمرك إن الموت ما أخطا الفتى = لكالطول المرخي، وثنياه باليد

من هنا تأتى سلطة ألضحك قي تقويض سطوة السنين ، و خلق متسع تنتفي من خلاله الهموم ، و الضغائنن و المتاعب ، و المشاكل ، و الأحقاد الدفينة

لنعبر إلى الضحك على اختلاف حالات انزياحاته وشاعريته وجماليته ، و تنوع مفاهيمه الفلسفية عند سقراط ، والادبية لدى الجاحظ . و الاجتماعية كما هو الحال عند جحا ، و العبثية عند برناردشو ، و السياسية لدى احمد السنوسي ، و السيكولوجية لدى هنري برغسون ، الذي نستدل بتعريفه للضحك بوصفه ثورات نفسية على الجانب الخارجي من الحياة الاجتماعية ، و دوافعه و مسوغاته التي تتغير بتغير نفسية الكائن من نصيبه من الأفرح ، والمسرات ، و السرور ، و السخرية ، و المقلب ، و الدعابة السوداء ، و السذاجة ، و الطيبة ، والضحكة الصفراء ، و الضحك على الذقون الذي تتفنن الانظمة في ابتداع أدواته..



* مداخلة قدمت خلال ملتقى الفكاهة الذي أقامته جمعية الإشعاع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى