مقتطف حنان عبد القادر - اكتشاف.. من مجموعة مقالات: ماذا لو؟

ما أجمل عمر المراهقة وما أقساه !

فيه تتفتح زهرات عواطفنا، وينبض قلبنا الغض لكل جميل، تتصارع أفكارنا وانتماءاتنا، وتثور حرارة الاندفاع خلف كل غريب وطريف في دمائنا، نفارق طفولة ندية كنا ننعم فيها بدلال وتواكل لا حد له، لنستقبل عنفوانا وتمردا، طموحا وآمالا، مثابرة ومسؤولية نتطلع لها، نعشق عالم الكبار بكل مافيه، نراهم السلطة المطلقة التي نودها.

إيه يا ذا الوقت، كم كانت لك من متعة بكل لحظاتك مرها وحلوها، لما تنفستك، ما كنت أدري كنه ما يحدث لي من تغير شكلا ومضمونا، جل ما أتذكره أن كان لي قوام يثير حولي التعليقات، يعلق بي النظرات تتابعني، وأنا أمشي خجلى، أحاسب في خطوي حتى لا ترتج تضاريسي الناهدة فأموت فرقا.

لم أنتبه كم كبرت وتغيرت حتى اعترضني ابن الجيران قائلا في همس حيي : أحبك .... توردت، وتلعثمت خطواتي، كدت أسقط من ذهولي، صوت ضربات قلبي يعلو على صوته: أنتظر ردك، فكوني رحيمة بي، أرجوك .

أمام مرآتي وقفت أطالعني، أتفحص هذا البض الذي كان بالأمس، ثم صار كائنا آخر أبهى وأجمل وأكثر إثارة، أهكذا تكون الأنثى ؟! تلك التي تثير بخطوها العقول، وتخطف بجمالها القلوب ؟!

آها ... هكذا صرت إذن، ولجت عالم الكبار من أجمل أبوابه، فما أرقها من كلمة : أحبك، وما أعذبه من إحساس!

ياالله! .. ياترى كيف سأواجهه؟ بم أرد ؟هل أبادله نفس المشاعر حقا ؟ هل مايعتريني الآن مشاعر صادقة تجاهه أم فرحة عصفور لأول مرة بالطيران ؟ وكيف لي ذلك، وأنا لم أنتبه لوجوده قبل تلك الكلمة ؟!

كلمة سحرية قلبت معاييري، جعلتني أرى مشاعري، أكتشف نفسي من جديد، كلمة زادته ألقا وجعلت له وجودا في خيالي، وزادتني ثقة، وبلورت رؤيتي لكينونتي .

نعم .. الآن لي كيان، كيان مستقل، ولي رأي ينتظره الآخرون على جمر، نعم .. هذه أنا .

مرت أيام وأنا أتلصص إلى عينيه المتلهفتن، وأتلذذ في أعماقي بحيرته وترقبه، وفي الحقيقة،

كان الصراع على أشده في روحي؛ بين عقل يمنطق لي الحياة ساردا كل ما جمعت ثقافتي المتواضعة، وقراءاتي الغضة، ومشاعر بكر أحب أن أحياها بثورتها وجنونها وعبقها.

فاض به الوجد فواجهني، قلت في ثبات : أشكر مشاعرك الطيبة نحوي، لكني لا أستطيع مجاراتها، فلدينا من المهام ما هو مقدَّم عليها؛ كي نرسم مستقبلنا بشكل أجمل.

قال: أذهلني تفكيرك رغم روح الرفض البادية فيه، ورغم ألم يعصر فؤادي إلا أن فتاة مثلك لا تُضَيَّع، سأنتظرك مهما طال المشوار، سأنتظر حلولك على قلبي سكينة وأملا يبهج دنياي.



كم منا وقف على تلك العتبة الفارقة ولم يستطع التقدم للغد بشكل أفضل !

كم زهرة ذبلت قبل أوانها وكم بلبل حجب عن التغريد !

كم من آمال تحطمت بجريرة وعود ذهبت أدراج الرياح أو بتصلب رأي كان يرى أنه الأفضل !



ماذا لو أعطينا لفتياننا وفتياتنا الفرصة للمصارحة، للتعبير عما في دواخلهم من مشاعر ندية في وجودنا لاختيار ما يحبون لا ما نفضل نحن؟ فزمانهم غير زماننا وما علينا سوى إسداء النصيحة ، وعلى أكتافهم مسؤولية الاختيار.

ماذا لو فتحنا لهم أبواب الحياة بالقراءة والثقافة والتوجيه الرشيد دون مصادرة على أفكارهم ؟

ماذا لو أعطيناهم من وقتنا ما يزيد أوقاتهم بهجة وحرية ومعايشة عملية للحياة ؟.
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى