عبد الواحد الغندوري - في حضرة شامة و البحر.. قصة قصيرة

استلقت فوق بساط مزركش على شط البحر ،توسدت ذراعيها و عرجت ببصرها نحو السماء .وجهها خلاسي، عيناها ينابيـع ماء متوحشة ،رموشها كأنها ظلام الليل أرخى بسدوله ، تحاول حاجباها إن تلتقي رغم أنها لا تلتقي إلى لتعلن عن مزاج متقلــب أو وجود فكرة أو إحساس يصعب تقبله .قوامها قوام المليحة ،شعرها أسود تلعب بعض خصلاته فوق جبهتها كالفرس الغرة ، بينما تتدلى الضفيرتان بتواز على ظهرها كأنها سيفان بيد صعلوك ليلي .

فوق بساط مزركش استلقت شامة بجنب البحر محملقة في سماواتها بعينين تارة جاحظتين و أخرى ناعستين ،. استلقت لتخاطـــب كائنات لا يعرفها أحد سواها ، أو لترى ما لا يرى و تقول ما يشار إليه فقط . و كعادتك ، رغم أنها عادة مقرفة ، حاولت أن تسرق من عالمها بعض الوقائع ،و من أفكارها بعض الفكر ، ففرشت بساطك بالقرب منها ،مدعيا أنـك مصطاف كباقي المصطافين (الذين يطردهم حر البر والغريزة إلى البحر لعلهم يسبحون. !) غير أنك فضلت أن تسبح في بحر شــامة ، لا في البحر الذي تزمجر أمواجه أمامك ...خلعت ملابسك مكتفيا بما يليق بالسباحة فقط .ثم شرعت في التلصص مستلقيا على بساطك ، متجسسا علــى ما يجري من وقائع و فكر بعالم شامة اللامرئي .

حركت شامة رأسها ملتفتة نحوك بعينين تعبتين... فيعتورك إحساس بالخوف على خطتك الملعونة ،تحـاول إخفـاء أي أثر لهذه الجريمة النكراء ، تغرق صفحة وجهك في كتاب بعنوان :>> حميمية المكان ألم تخجل من نفسك ؟لما لم تحترم حميميتي أيها الطفيلي ؟لما كل هذه الوقاحة ؟تركت لكم البر و البحر و زاحمتموني فــي حق من السماء ....أي قوم أنتم !؟ أيها الكلب قم من جانبي ودعني و شأني لما كل هذا الهلع و أنت لم تفعل ما يؤذيها؟ ،و في أقصى الظروف اعتذر وغير المكان كم تبقى من الوقت لانسحاب المصطافين من الشاطئ ؟ قبيل غروب الشمس يعود كل واحــــــد إلـــــــى جحره << .

و بجرأة غير متوقعة من رعديد مثلك سألتها :>> و أنت متى ستعودين من البحر ؟ أمن البحر إلــــــى جحري ؟! ليت كان لي جحر كما للحيوانات جحور ! رغم أنك غريب عني ، فسأعرفك على هذه المستلقية فوق بساطها بقرب البحر ; رغم ظنك أنك قريب منــــــي ،فالمسافــــات بيننا تقدر ما بين هذه (مشيرة إلى الأرض بأصبعها ) وتلك (مومئة برأسها إلى السماء).إن هذه المستلقية بجنبـــــك لا تكره و لكنهــــــــا لا تحب أيضا ،لا تَخدع ولا تُخدع كذلك...فهذه المستلقية بجنب البحر قادمة من أقاصي صحراء منسية بدواخــــــــل أدم و حــــــــــــــواء معا ... فأنا التي وشحت بأطياف قوس قزح ليلة عرسي وخضبت يداي بالدم يوم أحرق نيرون روما و أغتصــــب أبن العـم المـــــــارق عذرية تلك الغجرية المتحزمة بقماط بيت لحم و المتلثمة بلحاف صلاح الدين... من تكون هذه الغجرية ؟تلك التي ثارت ثائرة نهديها فأعلنتها حرب حجارة على قاطـــــــــع البيـــن القادم من دهاليز التاريخ المزور .. فأنا... هي ... أنا عشتروت تحتفل بطلاقها من تموز ، أنا شهرزاد تنســـــج الخـيوط الأخيرة- لحمـة و سدى-لكفن شهريار...أنا زينب تشهر سيفها في وجه كل من حام في سماء مراكش ، أنا شامة المستلقية بجنب بحرك و في دواخلـك تضمد و تجرح ،تبني و تهدم ، تكتب و تمحي ،تسأل و تجيب .أنا بوصلة بحار تائه ...<< ثم تتأبط بساطها متجهة صوب أمواج البحر، لتبق أنت جامدا في مكانك تنظر إليها بذهول و هي تخاطب الأمواج بحركات يديها و إيماءات جسدها، فيختفي البحر في شامة و تختفي شامة في البحر .

\د عبد الواحد الغندوري \ المغرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى