عبد القادر وساط - من أحلام ألبيرتو ساڤينيو Alberto SAVINIO

رأى الكاتب والرسام الإيطالي ألبيرتو ساڤينيو، فيما يرى النائم، أنه ميت ومسجى على طاولة باردة، في قاعة التشريح، بمستشفى جيميلّي، بمدينة روما.
ورأى طبيبة شابة تدخل القاعة وتقف بالقرب منه، ثم تقول له:
- أنا الطبيبة الشرعية، الدكتورة لارا كونتي. أنتَ لا تعرفني ولكني أنا أعرفك. وأعرف جيدا أنك حَيّ، يا ألبيرتو، وأنّ الشرطة سوف تأتي بعد قليل لاعتقالك، لأنك متهم بجريمة قتل.
عند سماع ذلك الكلام، استوى ألبيرتو ساڤينيو جالسا على طاولة التشريح، وشرع يفرك عينيه ويحدق في الطبيبة الشرعية، ذات الجمال الساحر. كانت تمسك في يدها اليمنى نسخة من جريدة لاستامبا. سألها قائلا:
- ما دمت أنا القاتل، ولست القتيل، فما الذي أفعله هنا، في غرفة الموتى؟
تجاهلت الطبيبةسؤاله وواصلت:
- يقولون إنك قتلتَ ممثلة يابانية بمسدسك، في حانة نيتشي، الأسبوع الماضي. ليس هناك سوى شاهدين اثنين في هذه القضية. وهما أخوان سياميان، لصيقان ببعضهما، يترددان بانتظام على تلك الحانة. أحدهما يؤكد أنه رآك تطلق النارَ على الممثلة اليابانية، والثاني يجزم أن شخصا آخر غيْرك هو الذي أرداها بمسدسه، ثم اختفى عن الأنظار.
- والنادل؟ ألمْ يقدم شهادته؟ والبارمان؟ وباقي الزبائن؟ سألها ألبيرتو ساڤينيو.
- الحق أني لا أدري، قالت الدكتورة لارا.
ثم سكتت قليلا وناولته جريدة لاستامبا، وقالت له:
- انظر بنفسك.
كانت صورته منشورة في الصفحة الأولى من تلك الجريدة، وقد كُتب تحتها بحروف كبيرة:
" الكاتب والرسام والموسيقي الإيطالي ألبيرتو ساڤينيو ...مرتكب جريمة نيتشي."
بجانب صورته كانت هناك صورة الضحية، وهي ممثلة يابانية حسناء، في العقد الثالث من عمرها، تُدعى أكيمي كاناموري.
شرع ساڤينيو يتأمل الجريدة مستغربا.
- أنا من قرائك، قالت الطبيبة الشرعية، وقد أعجبتُ كثيرا بروايتك "السيد ديدو." ولهذا سأتركك تهرب، قبل مجيء الشرطة.
غادرت الدكتورة لارا القاعة ثم عادت تحمل لباسا خاصا برعاة البقر. وضعته فوق ركبتي الكاتب الإيطالي وخاطبته بلهجة آمرة:
- هيا! ارتَدِ هذا اللباس بسرعة وغادر المكان!
امتثل ساڤينيو في الحين لكلام الطبيبة، وهكذا غادر المشرحة بلباس رعاة البقر. كان ذلك اللباس على مقاسه، كأنما خِيطَ من أجله هو بالذات. الحذاء أيضا كان مناسبا تماما لقدميه. كان مسرورا، رغم كل شيء، بمظهره الجديد، هو المولع للغاية بأفلام الويستيرن.
عند الباب الخارجي للمستشفى، وضع يده اليمنى على المسدس الضخم، في حزامه الجلدي السميك.
حاولَ أن يتذكر تلك المرأة اليابانية التي اتُّهمَ بقتلها، فلم يفلح.
لكنه تذكرَ الشاهدَيْن بوضوح. إنهما توأمان سياميان، في العقد الرابع من العمر، يترددان بانتظام على حانة نيتشي، وهما يجران جسديهما الملتصقين. أحدهما يُدعى إينزو Enzo والآخر لورينزو Lorenzo. إينزو عاقل إلى حد ما، حتى حين يشرب. أما لورينزو فمجنون حقيقي، بالكحول أو دون كحول. كانا يثيران الشفقة حين يختلفان ويحتد بينهما الخلاف، خصوصا حين يرغب إينزو العاقل في مغادرة الحانة، بينما يصر لورينزو المجنون على البقاء.
كان ألبيرتو ساڤينيو يتذكر كل ذلك، وهو في طريقه إلى حانة نيتشي، بلباس رعاة البقر، وكان يتساءل مع نفسه: من يا تُرى شهدَ ضدي؟ إينزو العاقل أم لورينزو المجنون؟


--------

(من كتاب: النمر العاشب)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى