الفرحان بوعزة - من ذاك الشبح ؟

مشاهدة المرفق 1334
بردت الجدران، صفع زوايا غرفته بنظرات تتكسر على الجدران، أحس أن المكان يطارده.. ببصر حديد رأى حياة الفراغ تأكل ما تبقى من عمره، فوق سطح النسيان كتب آخر سره إلى من التقطته ليلا من الشارع. تداخلت الأجسام، تشابكت الأنفاس، تناقضت الأحلام وتساقطت مع الأيام. فكر وقدر. خط رسالة تضج بكلمات غير ناضجة تختزل زمن التشظي والتمزق، وضعها برفق فوق طاولة زجاجية وأفكاره تتساقط بين يديه كأوراق ذاوية:
ـــــ معذرة: لقد جمعتِ أنفاسي، لملمتِ شملي. لقد تذوقت جزءا من الحياة معك متأخرا، لم أكن شيئا، كنت إنسانا تافها. الآن لا أدري من أنا؟ ما أنا إلا رجل يحمل ظلما لنفسه وغيره.
من بعيد كان يراقبها، رآها تشتبك مع قفة مملوءة عن آخرها بالفواكه والخضر، أسقط عينيه على الأرض، زحزح جسده عن المكان متوجها إلى البحر، أمواج تموت في صمت بين رجليه، وأخرى تنتحـر قبل أن تصل إلى نهايتها ... رمى نظره في اللانهائي .. ابتسم. على مرمى النظر البعيد، سفينة راسية تحتمي بالسراب. سأل الريح : هل هناك أرض خلف هذا البحر؟ خلع ملابسه، بعثرها بين الأمواج، نظر إلى الوراء رآها تختنق تحت قوة الأمواج المتلاطمة.
القاعدون في الشاطئ على الكراسي تحت مظلاتهم الشمسية يضحكون ، يتساءلون، بأعينهم وهم يشاهدون الجنون في أعلى درجته، رموه بعيون السخرية والاستهزاء وجلودهم تشهد عليهم.
غط الماء نصف جسمه، استدار نحوهم، صفعهم بانحناءة تعبر عن الرضا، ود أن يصفقوا له، لا يترجى منهم عطفا ولا رحمة. جمع تلك النظرات في تجاويف قلبه وابتسم. ثوان، دقائق... نسف حظه الأخير من الحياة.
بعد أعوام، في نفس المكان قعدت ابنته بجانب أمها تحت مظلة شمسية كبيرة تتأمل أمواج البحر وهي تـنتحر على الصخور، سألت الفتاة أمها: أمي، أرى شبحا يحييني من هناك، هيا .. على هذا الرمل المبتل، ساعديني..هيا.. سوف أنحت منه رجلا يشبهه رغم طول قامته. ردت الأم بحسـرة مصحوبة بزفير يستفز اللحظة:
ـــــ أتوسل إليك... بل أناشدك...يا من أنت؟! أكتب رسالة لابنتك ولو من تحت الماء المالح. فهي من دمك وعظمك... ردت الفتاة : ماذا قلت أمي؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى