أدب المناجم هويدا احمد الملاخ - مناجم الذهب في أسوان .. إلى أين ؟ ج1

إن تنمية الثروة المعدنية لابد أن يكون هدفا قوميا لمصر تعد من اجل تحقيقه الخطط الجادة المسايرة لتكنولوجيا العصر الحديث ، المبنية على أسس علمية ومدروسة وفق مجموعة من الإجراءات اللازمة لتنشيط عمليات البحث والاستكشاف عن هذه الخامات واستخدام أفضل الطرق لاستخراجها واستغلالها بطريقة اقتصادية ،ويتحقق ذلك من منطلق ان الثـروة المعدنية في اى دولة من دول العالم هـي أحد الدعامات الأساسية التي ترتكز عليها فـي تطـوير صناعاتها وتنمية اقتصادها .
لا شك أن مصر غنية بالكثير من المعادن النفيسة ،التي لم تحظ حتى الآن بالاستغلال الأمثل، مما نتج عنه ضآلة مساهمة قطاع الثروة المعدنية في الناتج المحلى الإجمالي ، الذي يساهم بالقليل ، على الرغم من الإمكانات الكبيرة له ، والتي وصفها الخبراء الجيولوجيون بالثروة المنهوبة والمهملة ، لأن مكاسبها لا تذهب معظمها إلى ميزانية الدخل القومي للدولة .

ومن الممكن أن تصبح مصر من الدول الغنية على مستوى العالم ، إذا استغلت تلك الثروات الطبيعية من المعادن الاستغلال الأمثل ، وتكون القاطرة الحقيقية للتنمية وفق الإمكانات والظروف المتاحة ، وعلى رأس تلك المعادن الذهب ، الذي يمكن أن يساهم بشكل فعال في إنعاش الاقتصاد المصري ، خاصة وان معدن الذهب اعتبر منذ العصور القديمة ملك المعادن، ونتيجة لندرته النسبية وخواصه الطبيعية وأصبح المقياس الدولي المعترف به لتقيم المواد والعملات حتى يومنا هذا .

وبالرجوع بالذاكرة إلى الوراء لمعرفة الجذور التاريخية لصناعة التعدين فى مصر وخاصة معدن الذهب ، وبالتحديد في العصر الفرعوني القـديم ، تسيطر علينا الحيرة والدهشة حين نحاول أن نفهم كيف برع المصريين القدماء في معرفة جيولوجيا مصر وتحديد واكتشاف مواقـع التعـدين بمنتهى الدقة والإبهار ، وكيف نجح الفراعنة فـي استخراجها فـي صورته الطبيعية ، ومعـرفة الأجهـزة والأدوات الخاصة بصناعة وعلوم التعدين ، حتى تمكن الفراعنة من تصنيع الذهب الخالص .
وحين نتأمل الآثار المصرية القديمة نجد الإنسان المصري القديم قد برع في صناعة التحف والقطع الذهبية ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كثرة مناجم الذهب المصرية القديمة التي كانت تحت سيطرة ملوك مصر ، في ذلك الوقت فلم يكن هناك نوبة مصرية ونوبة سودانية .

وقد ازدهرت صناعة التعدين المصرية وتطورت مع ازدياد الاكتشافات في العصور اللاحقة حيث ارتفع عدد مواقع تعدين الذهب إلي 86 موقعا كلها بالصحراء الشرقية، امتدت من أسوان إلي النوبة وغطت الصحراء الشرقية بأكملها إلي جنوب الزعفرانة، وهي محددة بالأسماء والمواقع الجغرافية، وبلغ إنتاج الذهب أوجه خلال الأسرتين الـ18 والـ 19 .
والجدير بالذكر أن كلمة النوبة تعنى في اللغة الفرعونية الذهب، ولأن منطقة النوبة غنية بالذهب؛ أطلق عليها الفراعنة اسم “نوبا”، إذ كانت هذه المنطقة تحتوى على العديد من مناجم الذهب في منطقة " وادي العلاقى " لذلك سميت المنطقة فى أغلب الخرائط المرسومة وقت الفراعنة بـ نوبا، ومنها أُشتق اسم النوبة .

و كان الانجليزي هوارد كارتر Howard Carter"" الخبير بعلوم المصريات والذي اكتشف مقبرة الملك الشاب في 29 نوفمبر 1922 واخترق عدة أبواب للوصول إليها ، وكان تابوت الملك موضوعا داخل تابوت آخر من الخشب، غطى سطحه بصفائح من الذهب وطعم بزجاج متعدد الألوان، ثم وضع الأخير بدوره داخل تابوت ثالث يشبه التابوت الذهبي، لكنه صنع من الخشب وغطى بالذهب، وقد وضعت هذه التوابيت المتداخلة على سرير من الخشب داخل تابوت آخر من الحجر ، وعلى وجهه قناع من الذهب أيضا، والتابوت وزنه 110 كيلوجرامات والقناع 54 كيلوجراما من الذهب الخالص.

كيف صهر حرفيو الفراعنة الذهب الذي يحتاج الى حرارة قوتها 1063 درجة مئوية للانصهار وكيف نجحوا في تشكيله كعلبة من قسمين أسفل واعلي، بشكل مومياء الملك وقناع بشكل وجهه، وكيف زخرفوها؟!
فقد استخدم الذهب في صناعة الحلي و المشغولات المخرمة من أسلاك الذهب والفضة؛ وكانت تعكس مستويات عالية من المهارة الحرفية، واستخدمت فيها طرق أبدعت أشكالا ورموزا ، وكانت هناك كميات كبيرة جدا من الذهب كانت موجودة في مقابر ملوك مصر العظماء أمثال أحمس وتحتمس وأمنمحات وسيتي ورمسيس وغيرهم ممن ثبت تاريخيا من خلال البرديات والنقوش الكتابية ، أنهم استخرجوا الذهب من مناجم الصحراء الشرقية وخاصة منطقة النوبة .
وهناك من البرديات القديمة ما يؤكد أن أحد ملوك بابل في العراق ، قد أرسل إلى احد ملك مصر وهو الملك أمنمحات الثالث ، يطلب من حكومته أن ترسل إليه بعضا من تراب الأرض المصرية المليء بالذهب .

كانت تلك لمحة تاريخية سريعة عن اهتمام ملوك مصر في العصر الفرعوني بمعدن الذهب ، وللكلام بقية فى المقال التالي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى